رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: الشوباشي والإسلام

حسن زايد
حسن زايد

لا يحق لأحد تحت أي ظرف مصادرة حرية الرأي والتعبير لشخص آخر، وأينما وجد هذا الحق الإنساني، وجد الحق في النقد لهذا الرأي، ولطرائق التعبير عنه، وأساليبه. وهما مرتبطان ببعضهما ارتباط الوجود والعدم. ووجهات النظر قابلة للاختلاف حولها، فهي إما مقبولة كلها، أو مرفوضة كلها، أو مرفوض بعضها، ومقبول بعضها الآخر. والاختلاف حول وجهات النظر من طبائع الأمور، لأنه نتاج إعمال العقل في المعروض منها، والعقول والأفهام متباينة بطبيعتها في الاستقبال، والتناول، والحكم. والاختلاف الحاصل في وجهات النظر، وليد هذا التباين. إذ لولا تباين العقول والأفهام، لما تباينت وجهات النظر.


وطالما أن حق النقد مكفول، فلا أحد فوق هذا الحق، والجميع واقع لا محالة تحت طائلته، بلا غضاضة، ولا خلاف، ولا تجريح ولا إسفاف. فهو في الأصل موقف معرفي، قائم على قبول الصواب من الرأي، ورفض الخطأ فيه، من وجهة نظر الناقد.

وقد أعطت الصحفية فريدة الشوباشي، في حوارها المنشور في جريدة اليوم السابع، يوم 12 نوفمبر 2017م، الحق في نقد بعض الأوضاع والأشخاص. إلا أن نقدها لم يبن على قاعدة ثابتة متينة، حتى إنه يصعب اعتباره نقدًا، لأنه ليس موقفًا معرفيًا، يقوم على قبول الصواب ورفض الخطأ. وإنما هو مجرد انطباعات أولية ـ أقرب إلى المواقف العاطفية ـ لمَّست مع هذه الأوضاع، وهؤلاء الأشخاص، فصدرت نتاجًا عنها، أحكام أقرب إلى النقض، والنقض هدام، بينما النقد بناء. وشتان بين الأمرين.

وما ورد على لسانها من أمور سياسية، قد تختلف معها، أو تتفق، كليًا أو جزئيًا. ولا حرج في ذلك، لأنها من الأمور التي تحتمل الأخذ والرد. بما في ذلك رأيها في بعض التيارات التي تبنت توجهًا إسلاميًا ـ بالحق أو بالباطل ـ في اشتغالها بالسياسة. وكل ما يمكن قوله في هذا الصدد إنها ناصرية بالعاطفة، فقد كرهت عبد الناصر بعد سجن زوجها، وأحبته بعد التنحي، وذهبت إلى تشبيهه بالصحابي الجليل عمر بن الخطاب. ومن منطلق حبها لعبد الناصر ـ شأن كل الناصريين ـ كرهت السادات، وأظهرت فيه القطط الفطساوات، في كل ما أتي وترك. حتى قرار حرب أكتوبر، أعطته للجيش، بمعزل عن رئيس الجمهورية. وليس هكذا يوزن الرجال.
والشوباشي لم تكتف بآرائها السياسية، التي ربما تكون صادمة، وإنما ركبت الموجة ـ شأننا جميعًا ـ وخاضت في قضايا دينية، لا تجيد الخوض فيها، لافتقارها للقاعدة العلمية، المؤهلة لذلك. ولكنها الموضة، التي أصبحنا نلهث وراءها لا إراديًا، وأجرمنا في سحبها على قضايا الدين، دون دراية أو علم أو وعي أو إدراك، لا بالموضة الفكرية ولا بغيرها. ومن نقائص الموضة أنها نمط يولع به الإنسانُ مدّة ثم يزول، وهذا لا يصح في مسائل العبادات والعقائد، الموسومة بالثبات والديمومة.
ومن القضايا الدينية التي عرجت عليها الشوباشي، قضية أن الإسلام جوهر وليس شكل. وهو كلام يبدو جميلًا وأنيقًا ومعقولًا ومقبولًا. ولن أقول إنها كلمة حق يراد بها باطل، ولكن أقول إنها كلمة تساق لا شعوريًا، من باب الحيل النفسية الدفاعية، حال الشعور بالتقصير في جانب من جوانب العبادات. فالعبادات في الإسلام لها شكل وجوهر، فيما عدا الصوم. فلا يصح قياس بقية العبادات على الصوم، ويجري وفقًا لذلك إسقاط الشكليات، لأن القياس هنا قياس فاسد.
وقد عرجت كذلك على قضيتي الحجاب والنقاب. فقطعت بعدم فرضية الحجاب، وقضت بأن النقاب ضد الشريعة. والواقع أنها قد جانبها التوفيق في الأمرين، جانبها التوفيق في القول بعدم فرضية الحجاب، لقوله تعالي : "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) ". وأقول ـ جريًا على الموضة ـ أن هناك نهيا بعدم إبداء الزينة باستثناء ما ظهر منها ابتداءً، تلاه أمر بضرب الخُمُر على الجيوب، مع أن الأصل في الخمار أنه غطاء للرأس، فخمار الرجل عمامته، وموضعها الرأس، فيصبح بذلك الضرب على الجيوب بالخمر زيادة على الأصل. حتى لا يقول أحدهم بأن ضرب الخُمُر على الجيوب دون الرأس، لأنه لو قصد الرأس لقال على رؤوسهن. ثم قال : "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ... " وفيها نهي عن إبداء الزينة إلا لأفراد جري تحديدهم حصرًا، وليس على سبيل المثال أو العموم. أما القول بأن الشريعة بالمقاصد، ثم الخروج منها بالقول : بأن وضع الحجاب على الرأس؛ كان بسبب البيئة البدوية والشمس، فهو قول مردود بمفتتح الآية الذي يبين العلة من الحكم.
وقد جانبها التوفيق كذلك في موقفها من النقاب، ومن الواضح أنها جرت في قولها على الموضة، فذهبت إلى أن النقاب ضد الشريعة. والواقع أنني ـ جريًا على الموضة ـ قد سمعت في النقاب قولًا ارتحت له، وهو أن النقاب فضيلة وليس فرضًا. والفضيلة لا تناقض الشريعة. إلا إذا رأي ولي الأمر أن النقاب يمثل خطرًا اجتماعيًا، لاتخاذه وسيلة للتخفي، وستارًا لارتكاب الجرائم والموبقات، وهنا يتدخل لمنعه.
وزي المرأة المسلمة في الشريعة، حُدِّد بمواصفاته محددة، فهو لا يصف، ولا يشف، ولا يظهر من زينة المرأة إلا ما ظهر منها.
ثم عرجت أخيرًا على قضية تعدد الزوجات، ورأت فيها أن الله قد حرم التعدد، وهي ضده، واستدلت بقوله تعالي :" وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ "، وقوله تعالي :" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ". وقد وصلت إلى هذه النتيجة، وهي تحريم ما أحل الله، لعجزها عن التوفيق بين الآيتين. وتصادمت مع قوله تعالي : "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ". أما قولها إن الرجل إنسان، والمرأة إنسان، وما يصلح للرجل من تعدد الزوجات، يصلح للمرأة من تعدد الأزواج، هو كلام سطحي يدل على السذاجة، وأستعير هنا قول الشيخ الشعراوي : شيخوخة الفكر، وطفولة العقيدة.لأن الأمر ببساطة ـ في رأيي ـ أن تعدد الزوجات لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، بينما تعدد الأزواج يفضي إلى اختلاط الأنساب.
وليت السيدة  فريدة الشوباشي كانت قد اقتصرت في خوضها على أمور السياسة دون الإسلام وأحكام الشريعة.

الجريدة الرسمية