رئيس التحرير
عصام كامل

مستقبل الأزمة القطرية والاستقواء بالخارج (2)


استكمالا للمقال السابق، سوف يتم التطرق في السطور القادمة إلى آليات قطر للاستقواء بالخارج، للوقوف على أسبابها في دخول أطراف خارجية في الأزمة رغم أن المعتاد أن يتم حل الخلافات "الخليجية- الخليجية" في إطار البيت الخليجي.


6- اتجهت قطر إلى توطيد علاقاتها مع إيران، سيما بعد أن بدأت طهران قبل نحو شهرين، في إعادة إنتاج الغاز من حقل الشمال البحري، وهو أكبر حقول الغاز القطرية، ويعد حقلا مشتركا مع إيران، التي لم تتمكن من استغلاله من قبل، بسبب الحظر الاقتصادي ونظام العقوبات الذي كان مفروضًا عليها بسبب برنامجها النووي، ومن ثم رفعت الدبلوماسية الإيرانية شعار "الحوار" كأداة لحل المنازعات الإقليمية والدولية.

7- لجأت قطر إلى ألمانيا في أزمتها الأخيرة من خلال زيارات لوزير خارجيتها إليها والعكس حيث استطاعت أن تجعل من الموقف الألماني محايدا، ويرجع ذلك إلى حجم الاستثمارات القطرية والتي تبلغ أكثر من 25 مليار يورو، على شكل مشاريع وحصص في العديد من الشركات الألمانية.. هذا بالإضافة إلى أن قطر من أهم الأسواق العربية بالنسبة لألمانيا، حيث يبلغ حجم الاستثمار القطري في بنك دويتشه بحدود 9%.. وتحوز نسبة الاستثمار القطري بشركة فولكس فاغن 17%.. أما بالنسبة لشركة سيمنز لا تتعدى 3.3%، كما أن المجلس الإشرافي لشركة فولكس فاجن للسيارات بها مشرفان من قطر.. كما أن وحدة استثمار مملوكة للشيخ حمد بن جاسم آل ثاني حصلت على حصة بقيمة 1.75 مليار يورو.. وأضاف البنك أنه ينوي جمع 6.3 مليارات يورو من خلال إصدار حقوق للمساهمين الحاليين.

8- استطاعت قطر أن تحدث تقاربا سياسيا مع فرنسا يصل حد التطابق في العديد من القضايا السياسية، وهو ما جعل فرنسا تعرض الوساطة في الأزمة الأخيرة، كما تقوم بدور محايد فيها، ويعود ذلك لعمق العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، حيث بلغت الاستثمارات القطرية في فرنسا 25 مليار يورو، ومن المتوقع أن ترتفع في السنوات الخمس المقبلة لتبلغ 30 مليارا، تتوزع على القطاع العقاري والعلامات التجارية والأسهم، كما ضخت قطر عشرات المليارات من اليورو في العديد من المشاريع الاستثمارية والشركات العملاقة في فرنسا، كما أطلقت قطر وفرنسا صندوقا مشتركا لاستثمار 300 مليون يورو في الشركات الفرنسية الصغيرة، واشترت قطر من قبل حصة في شركة "فيوليا" الفرنسية للبنية التحتية، وشركة فينسي للبناء، كما اشترى الصندوق السيادي لقطر العام 2012 نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم.

كما وقعت قطر وفرنسا اتفاق دفاع بين البلدين في عام 1994، وتوطدت العلاقات الوثيقة بين فرنسا وقطر مع التوقيع على العقد بشأن شراء 24 طائرة رافال في 4 مايو 2015، ومن جهة أخرى، تنظم تدريبات عسكرية ثنائية بانتظام في قطر، كما يخضع التعاون مع قطر في مجال الأمن الداخلي لمذكرة تفاهم عام 1996 وتدبير فني عام 2005 تم توقيعهما مع الدرك الوطني الفرنسي.. ويشمل هذا التعاون برنامج تدريب لقوة الأمن الداخلي، وقدم الدرك الوطني مساندة ملحوظة لتأمين دورة الألعاب الآسيوية في الدوحة في عام 2006، وأعلنت قطر رغبتها في إشراك الدرك في مشروعات تأمين بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022.

9- لعبت قطر دورا وظيفيا في خدمة المصالح الإستراتيجية الأمريكية على عقود طويلة، ولعل أهمها السماح لأمريكا ببناء قاعدة عديد الجوية على أراضيها ومن ثم فإن هناك حرصا أمريكيا على استمرار هذه العلاقات قائمة، وتجنبا لأن تذهب قطر في تعاونها مع إيران وتركيا إلى اتجاه بعيد من ناحية، أو أن تتفاعل الأزمة داخل قطر فتعصف بنظام حكم متعاون معها، خاصة أن قطر كانت وما زالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وتملك تأثيرا فى بعض قيادات حركة حماس في نفس الوقت.

10- استفادت قطر من مصالحها الاقتصادية مع روسيا، حيث جاءت التصريحات الرسمية "على الحياد" إلى حدٍ كبير، داعمة جهود الوساطة لحل النزاع، وإن كانت أكثر ميلا للموقف القطري في ضوء قراءتها للمصالح التي يمكن أن تحصدها جراء التصعيد في مستويات التوتر بين الجانبين، ولذا، فقد تبنت موسكو خيار الدبلوماسية كآلية لإدارة الأزمة بين طرفيها، وهو ما حقق مصالح متبادلة لكل من الطرفين الروسي والقطري، ففي الوقت الذي نجحت فيه قطر لضمان الموقف الروسي إلى جانبها وهذا كان هدف زيارة وزير الخارجية القطري إلى موسكو عقب بدء الأزمة مباشرة، إذ أدركت قطر منذ اللحظة الأولى أن الموقف الروسي قد يكون أكثر ثباتًا من الموقف الأمريكي المتسم بالتذبذب نتيجة تعددية مراكز القرار الأمريكي ما بين البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، فضلا عن دور الكونجرس بمجلسيه.

على الجانب الآخر، ترى موسكو أن التقارب المحسوب مع قطر في هذه الأزمة دون خسارة دول الخليج الأخرى يحقق لها حزمة من المصالح وفي مقدمتها كسب ود قطر لتغيير مواقفها كلية تجاه الصراع في سوريا، إذ كانت قطر من البلدان الداعمة للمعارضة السورية (أحد الفصائل المحسوبة على قائمة الإرهاب)، ومن ثم، فمساندتها في هذه الأزمة يفرض على الدوحة إعادة النظر في مواقفها وسياستها حيال النظام السوري، وقد تنتقل إلى الحلف الإيراني الروسي الداعم لوجود بشار الأسد واستمراره في أي ترتيبات خاصة بالوضع السوري.

رغم محاولات قطر للاستقواء بالخارج اعتقادا منها بأن هذه القوى الإقليمية والدولية من شأنها أن تعمل لصالحها ضد الدول المقاطعة، فإن يجب التنويه إلى عدد من الملاحظات كالتالي:

من المتوقع ضعف احتمالية قيام تحالف يضم قطر مع كل من إيران وتركيا وروسيا يستهدف إعادة ترتيب شئون المنطقة وأوضاعها، وهو ما عبرت عنه اتفاقية خفض التصعيد في سوريا الموقعة في مايو 2017 بين الأطراف الثلاثة (روسيا – تركيا – إيران)، وتؤكد حقائق الواقع وخبرات الماضي على فشل هذا التحالف قبل أن ينشأ، ويرجع ذلك إلى تعارض المصالح بين أطراف التحالف.. إذ إن القضايا والملفات التي تجمعهم معا أو تجمع طرفين معا أقل بكثير من القضايا والملفات الخلافية التي سرعان ما تنفجر عند أول منعطف أو حادث يقع بينهم.

يحكم موقف الدول الغربية تجاه الأزمة مصالح هذه الدول مع طرفي الأزمة، فعلى المستوى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري هناك تعاون كبير من كلا الطرفين، إلا أنه يمكن القول إن كفة كل من السعودية والإمارات على المستوى العسكري والاقتصادي أعلى من قطر نظرا لما يتوفر لدى الدولتين من مقدرات اقتصادية هائلة واستثمارات كبيرة ورغبة في التسليح تفوق درجة تعاون قطر مع الدول الغربية، إلا أن ما يجعل هذه الدول أكثر ميلا على المستوى الإعلامي لقطر هو الدعم الذي تقدمه قطر لجماعة الإخوان المنتشرة في الدول الغربية بما فيها أمريكا والتي توغلت في مؤسسات صنع القرار الغربية، وأصبحت أداة من أدوات قطر في الضغط على هذه الدول فضلا عن عدم رغبة الدول الغربية في أن تتجه هذه الجماعة لاستخدام العنف والإرهاب ضدها داخليًا..

وأيضا بسبب الدعم الذي تقدمه قطر لجماعات الإسلام السياسي في دول الثورات العربية والتي ترغب الدول في الحصول على مقدراتها من البترول والغاز لضمان تحقيق التنمية المستدامة فيها وكذلك ضمان القرار السياسي في هذه الدول من خلال وصول جماعات تدين بالولاء للدول الغربية وأيضًا للحيلولة دون سيطرة روسيا والصين على منابع الطاقة في المنطقة للتأثير على التنمية ومكانة هذه الدول في النظام العالمي.

لن تترك أمريكا الأزمة تتداعى إلى حد انهيار قطر، وتجنبا لأن تذهب قطر في تعاونها مع إيران وتركيا إلى اتجاه بعيد من ناحية، أو أن تتفاعل الأزمة داخل قطر فتعصف بنظام حكم متعاون معها، وفى نفس الوقت سيكون كفيلا إلى حد ما بانتزاع تنازلات قطرية تناسب المطالب السعودية والخليجية ومصر إلى حد معقول، خاصة أن قطر كانت وما زالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وتملك تأثيرًا فى بعض قيادات حركة حماس في نفس الوقت.

وأخيرًا يمكن القول مستقبل الأزمة القطرية مرهونا بمدى التغير في مواقف الدول الإقليمية والدولية من الأزمة وكذلك مدى قدرة الدول الأربع على إجبار قطر على الامتثال لمطالبها وتقييد سياستها الخارجية والتوقف عن انتهاج سياسة خارجية من شأنها تهديد استقرار وأمن الدول والتدخل في شئون الدول الأخرى وإسقاط الأنظمة ونشر الفوضى لتنصيب أنظمة موالية لها.
الجريدة الرسمية