رئيس التحرير
عصام كامل

الهيئة العامة للاستعلامات ترد على أكاذيب «هيومان رايتس» وتؤكد: مصر تتصدر الدول المصدقة على الاتفاقيات الدولية.. المنظمة اختلقت معلومات وأخفت أخرى.. التقرير سياسي بنكهة حقوقية.. والإخوان مصدر

ضياء رشوان
ضياء رشوان

نشرت الهيئة العامة للاستعلامات رؤيتها للرد على التقرير الأخير الصادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش عن مصر، مشيرة إلى عدد من الحقائق التي أغفلتها المنظمة، والتي يأتي على رأسها أن مصر كانت من بين الدول الـ48 التي وافقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وامتنعت عن التصويت عليه 8 دول ولم تصوت دولتان.


وذكر التقرير المعد من قبل الهيئة العامة للاستعلامات أن مصـر تعد من بين الدول الأعـلى في التصديق على الاتفاقيات الدولية الـ18 الخاصـة بحقوق الإنسان، بتصديقها على 10 منها، متساوية في هذا مع اليابان، ومتفوقة على إسـرائيل (9 تصديقات) وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا (5 تصديقات لكل منهما)، فضلا عن مشاركتها بفعالية منذ نشأة الأمم المتحدة في جميع الهيئات التابعة لها في مجال حقوق الإنسان، سواء تلك القائمة على ميثاق الأمم المتحدة أو القائمة على المعاهدات الدولية العشر الأساسية لحقوق الإنسان.

كما أشار التقرير إلى مشاركة مصر في آلية المراجعة الدورية الشاملة (The Universal Periodic Review (UPR منذ أن أسسها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2006، وخضعت لها عامي 2010 و2014، وفي المراجعة الأخيرة عام 2014، وإزاء 300 توصية قدمتها الدول الأعضاء على أوضاع حقوق الإنسان بمصر، لم ترفض مصر سوى 23 منها فقط، وأعلنت عن علمها بـ29 توصية أخرى، ووافقت على 248 توصية، منها 224 بتأييد كامل و24 أخرى بتأييد جزئي، وتقوم الآلية الأممية العام المقبل، 2018، بمراجعة تنفيذ مصر لهذه التوصيات، بالإضافة إلى التزام الحكومة والمجتمع في مصر بما جاء في دستور البلاد الذي وافق الشعب عليه في يناير 2014، والذي يمكن اعتباره الأكثر تقدمًا في تاريخ الدساتير المصرية في مجال حقوق الإنسان والحريات.

وخصص الدستور من بين مواده الـ247 نحو ربعها لتأكيد الحقوق الأساسية للإنسان في مجالات الحريات الخاصة والعامة والسياسة والاجتماع والاقتصاد، وشمل هذا تجريم التعذيب والتمييز وإهدار الكرامة الإنسانية وانتهاك الحياة الخاصة، والتأكيد على كافة حريات التعبير والنشر والإبداع والاعتقاد والتنقل والملكية والعمل والإضراب وسيادة القانون.

وفندت هيئة الاستعلامات افتراءات منظمة هيومان رايتس ووتش عن مصر، مؤكدة على أن التقاليد المعروفة لتقارير المنظمات المحترمة لحقوق الإنسان استندت على أن تغطي إما مرحلة زمنية (سنوية أو نصف سنوية أو فصلية أو شهرية)، أو أن تتخصص في موضوع بعينه على مدى زمني منطقي وعلى الرغم من التقرير المشار إليه، حاول أن يعطي الانطباع بأنه يدور حول موضوع وهو مزاعم التعذيب في مصر، واختار عنوانًا سياسيًا بامتياز وليس مهنيًا، وهو "تحت حكم السيسي"، ويتأكد هذا المعنى السياسي المقصود به التشهير بحكم الرئيس السيسي، وموعد صدور التقرير لا يتطابق مع أي موعد زمني لحكم الرئيس، فنهاية فترة رئاسته لايزال أمامها تسعة شهور، وهو لم يبدأ فترة جديدة حتى تعد المنظمة تقريرًا عن فترته المنتهية.

ويتأكد هذا المعنى لتعمد التقرير التشويه والإساءة للحكم في مصر من انحيازه للرواية الإخوانية لما جرى في مصر في 30 يونيو و3 يوليو 2013، بأنه إطاحة من الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، متجاهلًا عن عمد ما تتبناه أغلبية المصريين وقام به ملايين منهم، من أنها كانت ثورة شعبية ضد الحكم الديني المستبد والمنفرد للإخوان المسلمين. ولم تأت هذه الأحكام والاتهامات السياسية المنحازة المتعمدة من التقرير في نهايته ولا حتى في منتصفه، بل أتت في أول فقرتين منه في الصفحة الأولى، ففي الفقرة الأولى وصف النظام الذي يقوده بحسب زعمه الرئيس السيسي منذ يوليو 2013، بأنه "سلطوي" منذ اللحظة الأولى. وفي الفقرة الثانية وبعيدًا عن أي معيار مهني لتقارير حقوق الإنسان أو موضوعاتها، يقول: "حاول السيسي الوصول للاستقرار السياسي مهما كان الثمن"، في صياغة لا توجد سوى في بيانات سياسية لقوي سياسية مناوئة للرئيس ونظامه السياسي.

التقاليد الحقوقية
أوضح التقرير في بدايته ما أسماه بالمنهجية التي أعد بها، ويوجد على هذه المنهجية عديد من الملاحظات المهنية، أبرزها:

- قال التقرير إن جميع المقابلات التي تمت مع المزعوم تعذيبهم أجراها باحث واحد من المنظمة، وهو ما يخالف الأصول المنهجية لإعداد مثل هذه التقارير المفترض حساسيتها ودقتها، وهذا يقتضي أن يجرى المقابلات فريق عمل وليس شخص واحد، تحريًا للدقة من ناحية، وتجنبًا للانحياز المحتمل من الباحث الواحد الذي ينفرد بالعمل.

- لم تشر المنظمة في منهجية إعداد التقرير إلى أي مراحل لاحقة للتحقق أو التثبت مما جمعه الباحث الوحيد في لقاءاته المزعومة من معلومات ووقائع، وهو ما يتعارض مع القواعد المستقرة للمنهجية المهنية عمل مثل هذه التقارير.

- لم يشر التقرير إلى قيام الباحث الوحيد بتسجيل وتوثيق لقاءاته المزعومة مع الأشخاص الـ19 بأية وسيلة، أو قيامهم بالتوقيع على أقوالهم أو على موافقة كتابية على استخدامها في التقرير.

لم يحدد التقرير أماكن اللقاءات المزعومة، وهل هي خاصة أم عامة، مفتوحة أو مغلقة، وهل كانت لقاءات جماعية أم فردية. فمن المتعارف عليه منهجيًا أن طبيعة مكان اللقاء وعدد حاضريه يمكن له أن يؤثر على ما يتم ذكره أثناءه من معلومات، فإذا كان المكان تابعًا لجماعة الإخوان سواء كان منزلًا أم جمعية وحاضروه أكثر من فرد، ويوجه اللقاء نحو مسار سياسي موال للجماعة ومعاد للنظام السياسي المصري.

الأكثر غموضًا وريبة في منهجية التقرير، هو أن باحثه الوحيد استطاع بمفرده وبقدرات تبدو خارقة أن يصل إلى هؤلاء الأشخاص الـ19 عبر مناطق متباعدة في مصر وخلال فترة زمنية محدودة، دون أي إشارة لطبيعة المساعدات التي تلقاها لكي يصل لهم بهذه السهولة في بلد سكانه يصلون لنحو 93 مليون نسمة، والواضح من معلومات التقرير عن هؤلاء الأشخاص الـ19 أنهم جميعًا من أعضاء جماعة الإخوان أو ضمن دوائرها، وبالتالي فلا يوجد من يمكن له مساعدة باحث التقرير الوحيد للوصول إليهم سوى الجماعة نفسها، وهو ما يفسر الانحياز السياسي الفج له ضد الحكم في مصر.

- اعتبر باحث التقرير الوحيد أن كل ما ذكره الضحايا المزعومين في مقابلاتهم معه روايات هو حقـائق مؤكدة، متجـاهلًا ذكر أي طريقة لتوثيق حالات الإصـابات المدعـاة سـواء بالتصوير أو بالشهادات الطبية أو بمحاضر رسمية، وبدلًا من هذا نشرت المنظمة تقرير فيديو مدته دقيقة و46 ثانية يحوي رسومًا لما تخيلته أنه التعذيب الذي يجري في مصر، وخلافًا لتقاليد المنظمات المحترمة في مثل حالات ادعاء الإصابة نتيجة التعذيب، وبخاصة ما تستمر آثاره طويلًا مثل نزع الأظـافر، بعرض الحالات أو بعضها على طبيب متخصص مصـاحب للباحث أو في مسـتشفى أو عيادة متخصصة، لم يقم تقرير المنظمة بأي شيء من هذا.

- اعتمد التقرير في الغالبية الساحقة من بياناته السلبية المنحازة عن أحوال حقوق الإنسان في مصر على مصدر واحد تقريبًا، وهو "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، وهي منظمة سياسية تتبع جماعة الإخوان وتتغطى برداء حقوق الإنسان أنشئت في أغسطس 2014، وتعد المنظمة هي الفرع المصري لما يسمى بـ"التنسيقية العالمية لدعم الحقوق والحريات"، التي تأسست في الدوحة في 9 أكتوبر 2013 بقرار مما يسمى المؤتمر الدولي "العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب"، المنعقد في إسطنبول يومي 25 و26 سبتمبر 2013، وكانت الإعلامية بقناة الإخوان "مصر 25" وشبكة رصد التابعة لهم، مروة أبو زيد، هي المتحدثة باسم التنسيقية لدى تأسيسها.

- استقرت التقاليد المرعية في تقارير حقوق الإنسان فيما يخص التجاوزات، أن تستخدم مصطلحات محايدة لوصف الروايات لحين التثبت منها، مثل وصفها بالمدعاة أو المزعومة وغيرها، ولم يحتوي التقرير في انحيازه السياسي ضد النظام المصري على أي من هذه المصطلحات، بل أورد كافة الاتهامات كحقائق مؤكدة ومبرهن عليها.

- أصر التقرير في منهجيته على تجاهل كافة التقارير المعتبرة التي أصدرتها منظمات حقوقية كبيرة وتتعارض كليًا أو جزئيًا مع مزاعمه، ومن بينها على سبيل المثال تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، سواء فيما يخص ادعاءات التعذيب أو الاختفاء القسري أو القتل خارج القانون أو غيرها.

- أخيرًا وفي ظل انحياز التقرير المتعمد ضد السلطات المصرية، لم يسعى معدوه طوال عام وسبعة شهور استغرقها تجهيزه منذ بدء المقابلات المزعومة، إلى التعرف على رؤية الجهات الرسمية المصرية فيما أورده زاعمو الخضوع للتعذيب، ولم يشيروا قط إلى طلب المنظمة إجراء أي مقابلة مع أي مسئول مصري وتم رفضها، واكتفى التقرير، لإبراء الذمة شكليًا، بنشر رسالتين عامتين تم إرسالهما في 23 مايو 2017 لكل من النائب العام ووزير الداخلية المصريين، لم يطرح فيهما أي تفصيل للحالات الواردة بالتقرير للرد عليها، بل ملخص عام لكافة الروايات المدعاة عن التعذيب.

اختلاق وإخفاء
احتوى التقرير على عدد هائل من المعلومات الخاطئة والمدعاة، بصورة بدت متعمدة لتوصيل الرسالة السياسية له والتي حملها عنوانه، وهي اتهام وإدانة النظام المصري بقيادة الرئيس السيسي بالانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان، كما تعمد التقرير لتحقيق نفس الهدف، تجاهل الإشارة إلى نوعية من المعلومات الثابتة التي سيؤدي نشرها إلى إفساد الهدف السياسي له، ومن بين هذين النوعين من المعلومات، يعد الأبرز هو التالي:

- تعمد التقرير التجاهل التام لكافة عمليات الإرهاب والقتل التي تقع في مصر بشكل ممنهج منذ عام 2013 على يد المجموعات الإرهابية التابعة للإخوان وغيرهم من المنظمات العنيفة، بحيث تبدو حالات التعذيب المدعاة معزولة عن السياق العام، ولا يعني هذا أن وجود حالة الإرهاب هذه يمكن له أن يبرر في نظرنا ولو حالة تعذيب واحدة، ولكن الإشارة إليها وإلى ضحاياها الذين فقدوا حياتهم والتي هي أول حقوق الإنسان، يعد من واجبات أي تقرير محترم عن هذه الحقوق، وتجاهل التقرير أن عدد الشهداء من المدنيين المصريين من عمليات الإرهاب منذ يناير 2013 وحتى اليوم تجاوز 700 شهيد، ومثلهم ثلاث مرات من الجرحى، بينما بلغ عدد شهداء ومصابي الجيش عدة مئات، ووصل عدد شهداء الشرطة لنحو 1000 ومصابوها لنحو 20 ألف، وستة من رجال القضاء في مقدمتهم النائب العام هشام بركات.

- في الصفحة 12 من النسخة العربية، ذكر التقرير أحداث الاتحادية التي جرت في 5 ديسمبر 2012، عندما قامت مجموعات مسلحة من الإخوان بالهجوم على المعتصمين السلميين المعارضين للرئيس الأسبق محمد مرسي حول القصر، واحتجزوا عددًا منهم وقاموا بتعذيبهم. وتعمد التقرير عدم ذكر مصطلح تعذيب في مكانه الصحيح هنا على الرغم من توافر عشرات من الفيديوهات لهذا التعذيب وصدور أحكام قضائية بإدانة مرتكبيه من الإخوان، كما تجاهل تقرير المنظمة التي تزعم حرصها على حرية الصحافة وحماية الصحفيين، ذكر سقوط شهيد الصحافة الأبرز الحسيني أبو ضيف على يد الإخوان في هذه الأحداث وهو يمارس عمله كمصور صحفي، بينما أشار إلى أن هناك 8 من أنصار مرسي قتلوا يومها.

- في صفحة 14 من النسخة العربية، وفي مواضع أخرى من التقرير يجزم كاتبوه بصورة كاذبة تمامًا بأنه "من بين مئات الادعاءات الموجهة ضد عناصر وضباط وزارة الداخلية منذ يوليو 2013 حققت النيابة العامة رسميا في 40 فقط، انتهى 7 منها فقط إلى مرحلة الحكم. وفي 6 من هذه القضايا السبع، التي شملت 13 ضابط شرطة، وجدت المحاكم الجنائية المدعى عليهم مذنبين لم يبدُ أن محكمة الاستئناف أيدت أيا من هذه الأحكام بالإدانة حتى وقت إعداد هذا التقرير للنشر، وحتى الآن، لم تصدر أي محكمة في تاريخ مصر الحديث أي حكم نهائي بإدانة أي عنصر أو ضابط من أمن الدولة أو الأمن الوطني بارتكاب الانتهاكات"، والمعلومات الحقيقية في هذا الشأن خلال الفترة المشار إليها، هي أن محكمة النقض السلطة الأعلى في النظام القضائي المصري أيدت بصورة باتة (لا إمكانية لتغيير الحكم بعدها) حبس ضابطين وأميني شرطة 3 سنوات في قضية تعذيب، وأميني شرطة 10 سنوات في قضية أخرى، وضابط 5 سنوات في قضية ثالثة، كما أصدرت محاكم الجنايات أحكامًا متنوعة بالإدانة والسجن لنحو 60 ضابط وأمين وفرد شرطة، لا تزال حتى الآن في مراحل الاستئناف والنقض وإعادة المحاكمة.

ويمثل نحو 45 من رجال الشرطة من رتب مختلفة أمام المحاكمات وتحقيقات النيابة التي لا تزال جارية حتى الآن، ويجب وضع هذه الأرقام للمدانين والمتهمين من رجال الشرطة في قضايا تعذيب أو انتهاك لحقوق الإنسان، ضمن عددهم في وزارة الداخلية التي تضم قرابة 40 ألف ضابط، ونحو 300 ألف من الأمناء والأفراد، لكي تتأكد نسبتهم الهزيلة من بينهم.

- في صفحة 22 من النسخة العربية يورد التقرير حالة عمر الشويخ، والذي يؤكد أن القبض عليه تم يوم 24 مارس 2014، وهو الوقت الذي لم يكن الرئيس السيسي انتخب رئيسًا فيه، ليتأكد الهدف السياسي للمنظمة باتهام وتشويه حكمه كما ورد في عنوان التقرير.

- في الصفحة 31 من النسخة العربية، يورد التقرير حالة "خالد" من الإسكندرية، والمفاجأة أن الذي أفرج عنه بعد التعذيب المزعوم هو النيابة العسكرية، التي بحسب مزاعم المنظمة تتبع الجيش والرئيس والحكم العسكري، وبالتالي من المفترض أن تكون أكثر قسوة تجاه المتهمين، وهو ما لم يحدث برواية التقرير.

- في كافة الحالات الـ 19 التي أوردها التقرير، تعمد كاتبوه عدم الإشارة مطلقًا أو في أضيق حدود للاتهـامات الموجهة للأشخاص المزعوم تعذيبهم، وذلك من أجل دفع القارئ للتعاطف معهم. ولا يعني الحديث هنا عن ضرورة الإشارة إلى خطورة الاتهـامات والوقائع، تبريرنا أو قبولنا التعذيب أو التعدي على أي متهم، ولكن لوضع قارئ التقرير في السياق كاملًا، فقد كانت الاتهامات والوقائع لهم تتنوع ما بين القتل والتفجير والإحراق والاغتيال.

- ملاحظات عامة نهائية
بالإضافة لكل ما سبق، فهناك عدد من الملاحظات العامة والنهائية على التقرير، أبرزها:

* الملاحظة العامة الأولى على ما ورد في التقرير وعلى موضوع التعذيب المزعوم في السجون للمحبوسين من جماعة الإخوان وجماعات الإرهاب الأخرى، ترتبط بما كان يجري في هذا الأمر أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكان المتهمون والمحامون في كافة قضايا الإرهاب تقريبًا يثيرون موضوع التعذيب في جلسات المحاكمات ويطالبون بتوقيع الكشف الطبي الشرعي عليهم.

أخذت المحاكم عدة مرات بهذه الادعاءات وأسقطت الاعترافات التي تمت قبل المحاكمة، كما حدث في قضية تنظيم الجهاد الكبرى عام 1981 والتي اتهم فيها 301 متهم، وبتفحص مئات القضايا التي حوكم فيها الإخوان بعد ثورة 30 يونيو 2013، لم تتم إثارة موضوع تعذيب الأمن لأي منهم سوى من قبل خمسة قيادات منهم في قضيتين، واستجابت المحكمة وأحالتهم للطب الشرعي، ولم ينته التحقيق فيها بعد. وتؤكد هذه النتيجة عدم صحة ادعاءات التعذيب من جانب الإخوان ومثل هذا التقرير، لأنه لو كان حقيقيًا وبهذا الاتساع المزعوم لكانت إثارته في المحاكمات فرصة للإخوان لإبطال محاكمتهم من ناحية، والإدانة السياسية والتشهير الدولي بالنظام السياسي، وهو ما لم يحدث.

* لم يشر التقرير سوى إلى حالتين من المزعوم تعذيبهم أثارا هذا الموضوع في المحاكمة، وكانا من المتهمين في تنظيم داعش، ولا يخرج هذا عن السياق العام، الذي يؤكد فحص قضايا أعضاء داعش عمومًا أنهم الأكثر إثارة لموضوع التعذيب في المحاكمات ولنحو أربع مرات، وهو ما يتسق مع ما كانت الجماعات العنيفة المناظرة لهم تقوم به في عهد الرئيس مبارك، كما سبقت الإشارة. وهنا يظهر تناقض رواية التقرير عن حديث المتهمين عن التعذيب المزعوم أمام النيابة ورفضها إثباته، مع عدم قيامهم بإثارته أمام المحكمة المفتوحة للإعلام والرأي العام.

* أخيرًا، فإنه إذا افترضنا صدق كل ما جاء بالتقرير من حالات تعذيب مزعومة، فإن عاما وسبعة شهور من تحريات وبحوث المنظمة الدولية الكبيرة ذات الإمكانيات والخبرة، عن التعذيب في عهد السيسي كما يذكر عنوان التقرير، من إجمالي 3 سنوات و3 شهور هي مدة حكمه حتى اليوم، لم تسفر سوى عن 19 حالة فقط، لا يمكن بالقطع قبول أي واحدة منها لو ثبتت صحتها، وإذا أخذنا أيضًا في الحسبان أعداد المحبوسين المزعوم من جانب المنظمة والذين تقدرهم بعشرات الآلاف، فيظهر الضعف الشديد لنسبة المزعوم تعذيبهم من هذه الأعداد سواء المبالغ فيها أو الحقيقية، وتؤكد هذه الأرقام والنسب والفترات الزمنية أن لا تعذيب ممنهج في مصر، وأن الأمر لا يعدو حالات فردية متناثرة، وهي على قلتها لا يجب أن تترك بدون حساب قانوني صارم.
الجريدة الرسمية