رئيس التحرير
عصام كامل

أمراض أهل الثقافة في الرياء والغرور.. فاروق شوشة يكتب: «خدم خدم» عن متملقي السلطان.. يؤكد: يسهل شراؤهم بالمكافآت.. إدوارد سعيد يعري الصورة الوردية للمثقف العربي

فاروق شوشه
فاروق شوشه

المثقف ليس كما يصوره العامة، الشخص المثالي ذا المواقف الثابتة، وإنما مثله مثل أي إنسان له من الطباع السيئة نصيب كبير، وهو ما يلاحظه كل من يقترب من المشاهير سواء من أهل الثقافة أو الفن، من اختلاف شخصية الفنان والمثقف على المسرح أمام جمهوره، ومن شخصيته على المستوى الشخصي.


وإنما يتفوق المثقفون على غيرهم في إدراك عيوبهم التي لعنوها ورصدوها بأنفسهم، مثل التجمل من أجل السلطة والجاه، والغرور.

فيقول الشاعر الراحل فاروق شوشة، في أحد تصريحاته السابقة إن المُثقفين طائفتان، طائفة من السهل شراؤها عن طريق المناصب والمكافآت والجوائز، وطائفة أخرى تفتقد إمكانية أن يكون لها وجود وسط المجتمع والنخبة المثقفة، ما أحدث شرخا بين المثقفين وأنفسهم.

خيانة المثقفين
إدوارد سعيد المثقف الفلسطيني ينقل من خلال كتابه "خيانة المثقفين"، صورة المثقف الوردية التي يتبناها العامة، وهي غير موجودة بنسبة كبيرة، صورة، ذلك الشخص الذي لا يساوم، ولا يقبل أنصاف الحلول عندما تتعلق القضية المتداولة والمطروحة للبحث والنقاش بالحرية والكرامة والوطنية.

تصورات وهمية
فالمثقف بناء على هذا التصور "شامخ شموخ الجبال، لما يحمله بين جوانحه من أفكار كبرى وقيم عظيمة، لا تتغير مع تغير المواسم، ولا تتأثر بالاجتهادات الموسمية، للدفاع عن الأمة والوطن خاصة في أوقات المحن والضياع والمحافظة والانكسار المعنوي والحضاري، ويجعل الاستقلال الوطني والمحافظة على أصالة الثقافة الوطنية قضيته الأولى".

متطلبات العالم العربي
لكن يبدو أن الانكسارات والهزائم في عالمنا العربي المأزوم، دفعت الشعوب إلى الاقتناع بالكفاف، إذ لم تعد تطلب مثقفين يقفون في طليعة معاركها من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة، بقدر ما تبحث لها عن مثقفين موضوعيين غير مأجورين، ومنصفين غير منحازين، بصيغة أخرى، مثقفون يحترمون موقعهم ودورهم، ويؤمنون بالرسالة الإنسانية التي هم حملتها.

التواضع والغرور
ليست الخيانة ومحاباة السلطة هي الصفة السيئة الوحيدة التي يحملها المثقفون، وإنما الغرور كان له جانب، فكثير من الأدباء والعلماء والمثقفين الذين خلدهم التاريخ، كانوا مثالا في التواضع والتضحية، في سبيل الرسالة التي وهبوا حياتهم لها، ربما مضوا دون أن يعرف اسمهم أحد ليتحولوا بعد قرون إلى عظماء لا تكاد تخلو جلسة نقاشية من ذكر أسمائهم بكل الاحترام والتقدير، مثل نجيب محفوظ الذي قضى أيامه في المقاهي ببساطة شديدة، وعبد الرحمن منيف الذي تنقل بين المنافي والغربة، ودوستويفسكي الذي عاش حياة أقل ما يقال عنها إنها كارثية، وغيرهم الكثير.. أما المغرور والمتعالي، الذي يعتبر أن إبداعه يمنحه الحق في فرض نفسه على الآخرين، محتميا بـ"برجه العاجي"، فغالبا ما ينساه الجميع بسهولة.

أما الشاعر فاروق شوشة فقد أنهى مسيرته الشعرية الطويلة، بتأكيد أن مثقفي عصرنا الحالي يمتلكون من الصفات السيئة ومحاباة السلطة نصيبا كبيرا، في آخر قصائده التي جاءت بعنوان: "خدم‏..‏ خدم"‏.

وتقول كلماتها:
خدم‏.. خدم
وإن تبهنسوا
وصعروا الخدود كلما مشوا
وغلظوا الصوت
فزلزلوا الأرض
وطرقعوا القدم‏!‏
خدم‏..‏ خدم
وإن تباهوا بأنهم
أهل الكتاب والقلم
وأنهم في حلكة الليل البهيم
صانعو النور
وكاشفو الظلم
وأنهم بدونهم
لا تصلح الدنيا
ولا تفاخر الأمم
ولا يعاد خلق الكون كله
من العدم‏!‏
لكنهم خدم
بإصبع واحدة
يستنفرون مثل قطعان الغنم
ويهطعون علهم يلقون
من بعض الهبات والنعم
لهم‏ إذا تحركوا‏‏
في كل موقع صنم
يكبرون أو يهللون حوله‏
يسبحون باسمه‏ ويقسمون
يسجدون يركعون
يمعنون في رياء زائف
وفي ولاء متهم
وفي قلوبهم‏..‏
أمراض هذا العصر
من هشاشة
ومن وضاعة
ومن صغار في التدني
واختلاط في القيم‏!
الجريدة الرسمية