رئيس التحرير
عصام كامل

أين مصر من الأقليات في الوطن العربي؟


يعد الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق الجغرافية التي تحظى بوجود تنوع هائل من الأقليات العرقية والدينية والمذهبيــة، هو ما يجعله مكانًا متنوعًا في عطائه العملي والثقافي والاقتصادي، وبدلا من أن تستخدم هي الأقليات في دعم الدول الوطنية جاء التكفريون والمتشددون من السنة والشيعة ليحولوا الوطن العربي إلى ساحة حرب لا تنتهي، مع تكفير الآخر سواء كان مسلمًا أو يتبع أي دين ومذهب آخر أو من عرق مختلف.


كانت مصر في حقبة الدولة الملكية واحة ومقصدًا لجميع الأقليات ليس في المنطقة العربية فقط، ولكن من مختلف أنحاء العالم، فكان هناك الأرميني والبهائي والشيعي والدرزي والصبائي المندائي واليهودي، بالإضافة إلى المسيحيين والنوبيين، ولكن بفعل حركة التغير ومع علو صوت تيار الإسلام السياسي في مصر بنهاية حكم الرئيس محمد أنو السادات وبدأ مصر حربًا ضد الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات، شهدت مصر تراجعًا في الاهتمام بدور الأقليات ليس داخل مصر فقط، ولكن اهتمام مصر بالأقليات في الوطن العربي، رغم أهميتهم في صياغة القرار السياسي والاقتصادي على وجه التحديد في أي دولة، وهو ما يشكل أهمية في إعادة الدولة المصريـة نظرتها للأقليات في الوطن العربي.

خارطة الأقليات في الوطن العربي تضم عددًا كبيرًا من الطوائف المسيحية، واليهود، والصابئة، والأيزديين، والبهائيين، والشيعة الإسماعيلية، والشبك والدروز والعلويين، والشبك والأرمن، والشركس، والتركمان، والشيشان، والبلوش، وبقايا الجاليات الأوروبية، وغيرهم وإجمالا يشكل المسلمون العرب السنة (بمدارسهم الفقهية الأربع)، والشيعي غير الباطني (بفرعيه الجعفري والزيدي) غالبية سكان العالم العربي البالغ عددهم أكثر من 370 مليون نسمة.

فيعد العرق أكبر مثال على التنوع العرقي والديني واللغوي في الوطن العربي، فإلى جانب الشيعة "العرب" والسنة "العرب" الذين يشكلون الأغلبية في البلاد، هناك الأكراد، والتركمان، بجانب الفيلية الشيعة واليزيديين والشبك، أما المسيحيون العرب "فالغالبية الساحقة من الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك"، والمسيحيون غير العرب "النساطرة ـ الآشوريون الأرثوذكس والكلدان الكاثوليك ـ واليعاقبة السريان الأرثوذكس والكاثوليك"، وهناك أيضًا الصابئة المندائيون "أتباع يوحنا المعمدان، والشركس والأرمن "كلهم مسيحيون"، واليهود.

كيف تستطيع مصر أن تجمع رموز الأقليات الدينية في الوطن العربي، كنوع من الحوار والاسطلاع والدعم المعنوي لهذه الأقليات التي تشعر بالاضطهاد بفعل التطرف والتشدد في المنطقة؟

لماذا لا يوجه الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة لرموز الأقليات يستضيفهم ويستمع إليهم، ويفتح مصر أمامهم في الاستماع إلى شكواهم، ويوثق علاقتهم به بما يخدم الدولة الوطنية في بلادهم ويخدم مصر في أن يكون أمناء على مصالحها؟

وأين دور الأزهر الشريف الذي يعد واجهة للإسلام المستنير في العالم؟ لماذا لا يستضيف كل هؤلاء المختلفين معه عقائديًا من أجل الإنسانية ورسالة الإسلام بالإعمار في الأرض ولا يترك الساحة لهؤلاء المتشددين والذين يكفرون الآخر بل يكفرون من معه في العقيدة والمذهب، وفقًا لرؤية شخص أو جماعة تكون مرتبطة بدولة أخرى تسعى لتهديد هذه الدولة.

وجود أقليات عرقية ودينية ولغوية يثرى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي مجتمع، ويحقق بقدر كبير نوعا من السلاسة السياسية، إذا كان هناك إيمان بالدولة الوطنية، واحترام الآخر وعدم تكفيره، مع أهمية تجديد مبادئ إعلان القاهرة لمناهضة العنصرية الصادر عن المؤتمر الإقليمي العربي التحضيري للمؤتمر العالمي ضد العنصرية القاهرة 19 - 22 يوليو 2001، والذي نص على الإدانة الكاملة لجميع أعمال القهر والطغيان وشن الحروب ضد بعض الأقليات في العالم العربي، وبخاصة أعمال الإبادة الجماعية والتهجير القسري والاسترقاق والاعتداء الجنسي على النساء، باعتبارها تشكل جرائم ضد الإنسانية، وشجب السياسات والممارسات التي تقوم على الإقصاء من المشاركة السياسية على أسس طائفية أو دينية أو عرقية، وإدانة جميع صور الدعاية والتحريض التي تقوم على التعصب والاستعلاء الديني والقومي وغيرها.

انفتاح مصر على أقليات الوطن العربي والتمازج معهم يعيد لمصر دورها في المنطقة، كما ينعكس عليها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولا ننسى دور الأقليات في النهضة المصرية بالعهد الملكي... فهل ستثمر مصر بتاريخها الجيد مع الطوائف المختلفة في الأقليات وتستطيع أن تعيد بناء الوطن العربي عبر الأقليات بغض النظر عن مذهبه أو دينه أو عرقه؟
الجريدة الرسمية