رئيس التحرير
عصام كامل

شبابيك مصر.. نوافذ التشدد


البيوت والمباني القديمة، لها حضورها وجاذبيتها الساحرة، في عمارات وسط البلد أو في البيوت القديمة التي ما زالت موجودة في ربوع مصر من أسوان إلى الإسكندرية، في كل مدينة ومكان تجد البيوت القديمة التي يأخذك سحرها وكأن بناءها تم بتعويذة تخط قلب كل من يمر بها وتصنع السعادة لقائميها، كمصر لها سحرها ووجودها الخاص.


وفي أحد شوارع الجيزة، شارع صغير متفرع من شارع المحطة، أحد البيوت ذات الطراز القديمة، ما يلفت النظر هو شكل وبناء المنزل خاصة مساحة وعدد النوافذ "الشبابيك" والتي كان لها حضورها الخاص في البناء المصري، قبيل حقبة الأبراج وشقق الـ70 مترًا، والتي حولت المصريين إلى أموات في مقابر وليس في بيوت تمد لها الحياة.

بناء وطراز الشبابيك يؤكد حصر المصريين في هذه الحقبة الزمنية والتي امتدت لسنوات الملكية إلى حرص المصريين على المنزل وتهويته الجيدة ليكون مكانًا باعثًا على الحياة، وليس باعثًا على الموت.

في البيوت القديمة تجد النوافذ أكثر وجودًا وحضورًا عن أي شيء آخر في المنزل، فالغرفة قد يوجد فيها 4 نوافذ على الأقل وربما تصل إلى ضعف هذا الرقم، مع مساحات واسعة، هل هذه النوافذ كان لها تأثيرها فى طريقة تفكير المصريين بشكل عام.. أي أنه كلما كانت النوافذ كثيرة ومتعددة كلما كان الفكر والتوجه أكثر عمقًا واعتدالًا في التكفير والتعامل مع الآخر، فكثرة النوافذ خلقت لنا شعبًا مفتحًا في الماضي، ومع كل عصر تقل فيه النافذة يتراجع الانفتاح والاعتدال.

ففي البنايات الحديثة ربما تجد للغرف نافذة واحدة أو اثنتين على أكثر تقدير، وربما لا يكون هناك نافذة في أي غرفة، فهل هذا له تأثيره في وجود أجيال متشددة، وطغيان الفكر المتشدد والمتطرف في كل الاتجاهات، وأصبح المصريين أقل تسامحًا واعتدالًا عن الماضي.

فتفكير الإنسان يرتبط تمامًا بمكان المعيشة، فإن الطراز الحديث في البناء أغلق على المصريين فكرة الانفتاح والاعتدال، فعدد النوافذ ينعكس على مدى تفكير وأسلوب الفرد، إذا كان مريحًا نفسيًّا يخلق إنسان أكثر انفتاحًا.

والنوافذ مرتبطة لديَّ بشيء آخر، وهو قدرة الإنسان على الاطلاع على الثقافات المحلية المتنوعة والغزيرة للمصريين، وأيضًا الثقافات المتنوعة لشعوب المنطقة والعالم، لسنوات قريبة كانت توجد في مصر مجموعة متنوعة، فكان هناك اليوناني، والأرميني، والإيطالي والدرزي، والشركس، والأندلسي، والأفريقي، والآسيوي،.. إلخ، فكان هذا التنوع هو بمثابة عدد النوافذ في البيت المصري الذي يجعلها أكثر انفتاحًا واعتدالًا وتميزًا، عن غيرهم من شعوب المنطقة.

ولكن مع سقوط نافذة من هذه النوافذ- هجرة هذه الشعوب- يؤدي إلى فقدان المصريين نافذة من حضارة وثقافة الشعوب الأخرى، وإغلاق نافذة نور إلى الحضارة المصرية، وانطفأ مصباح من مصابيح التنوير والتنوير المصري.

مجرد تساؤل هل لأسلوب المبنى تأثير فى الحالة النفسية والمزاجية والتفكير عند المصريين، بأن أسلوب البناء الحديث والشقق، أصبح في الوقت الحالي مجرد قبور، لأشخاص مرسوم على وجهوهم الموت، فقوة مصر بتعدد نوافذها.. لذلك قوتها بتنوع شعبها والذي يعطيها ثروة وثراءً لا يقدران بثمن.
الجريدة الرسمية