رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حسن: «اللي زينا ميعرفش يعني إيه لعب»

فيتو

«الفقر ومرض والدي" دفعاني للعمل في سن صغيرة.. أحلم أن أكون ضابط شرطة أو وكيل نيابة.. اللي زينا ميعرفوش حاجة اسمها لعب»، هذا بعض من حديث المعاناة والطموح مع الطفل محمد حسن، الذي يعمل في ورشة تصنيع أحذية، بمدينة أهناسيا ببني سويف، لكنه يطمح إلى مستقبل ينتشله من دنيا الفقر، فمن أجل تحقيق هدفه يجمع بين العمل والتفوق الدراسي متحديا كل الصعاب.

بطاقة هوية محمد حسن عبد الله تقول إنه صاحب 11 ربيعا، ومقيم مع والديه في قرية منهرو بمركز أهناسيا، ولديه شقيقان؛ «على» بالصف الثالث الإعدادى، و»هبة» أخته المتزوجة.


بنظرة أسى استرجع الأسباب التي دفعته للعمل في هذه السن الصغيرة، قائلا: ظروف أسرتي الصعبة هي التي دفعتنى للعمل، فوالدى رجل بسيط لا يجيد القراءة والكتابة، يعمل مزارعا بأجر يومي، وعمله غير مستقر «يوم بيشتغل و10 مفيش»، أما والدتي فربة منزل، ولأن عمل والدي غير المنتظم هو مصدر دخلنا الوحيد، اضطررنا أنا وشقيقي «على» للعمل في الإجازة المدرسية لنتمكن من مساعدة والدنا في تدبير احتياجات المنزل وتكاليف المدرسة من ملابس ورسوم ودروس الخصوصية.


في البداية عمل محمد «كمسري» سيارة أجرة تعمل على خط (أهناسيا - منهرو)، ومنها قادته الصدفة إلى الانتقال إلى العمل في محل تصليح أحذية، يقول: «في يوم من الأيام ركب معي شقيق شعبان، صاحب ورشة لتصنيع وتصليح الأحذية بمدينة أهناسيا، وعرض على العمل معهم في الورشة باعتبارها افضل من البهدلة في الموقف والتنطيط بين العربيات ورذالة السواقين، فوافقت، وبدأت معهم العمل في الورشة التي أقوم بفتحها وتنظيفها، ودوري في الورشة أن أقوم باستلام الأحذية المراد تصليحها من الزبائن، وتلميعها بعد انتهاء الصنايعي من تصليحها، ومواعيد عملي من الثامنة صباحًا إلى بعد أذان العشاء، أتناول وجبة الإفطار في الورشة حتى لا يضيع الوقت في التنقل بين قريتي ومقر الورشة».


وبسؤاله عما يتقاضاه عن عمله في الورشة أجاب بلسان الرضا بالقليل «أجري اليومي 10 جنيهات، فضلًا عن مصاريف الأكل والشرب أثناء العمل، وصاحب الورشة يعطيني الأجر في نهاية الشهر، حرصًا منه على ألا أنفق منه شيئًا، وحتى أتمكن من شراء ملابس المدرسة، ولكنى أعطى منه جزءًا لوالدى لأساعده في مصاريف المنزل، فهو دائم التعطل عن العمل لظروفه الصحية التي لا تسمح له بالعمل يوميا، صحيح الأجر ضئيل لا يكفي حتى مصروفات المدرسة والملابس، لكن ما باليد حيلة، ولكنى أفكر جديًا من الآن أن أستمر بالعمل في الورشة خلال الدراسة حتى أستطيع تدبير مصاريف الدروس الخصوصية».

لطفل في مثل سنه طبيعي أن يلعب ويلهو ويعيش حياة البراءة، لكنها هي الحياة، كتبت عليه العيش في دنيا الاستثناء «ألعب إيه يا أستاذ.. اللى زينا ملهوش في اللعب، أنا معنديش وقت أضيع دقيقة حتى، لأن اليوم اللى هلعب فيه هيكون على حسابي، لأنى هضطر أغيب من الشغل، وأنا وإخواتى في احتياج للـ10 جنيه اليومية».

محمد نضج سريعا، بفضل التربية السليمة، فنجح في سد كل الثغرات أمام «شيطان الغيرة» الذي يوسوس له عندما يرى أقرانه يلعبون ويمرحون ويذهبون للمصايف، إذ قال: «لا أشغل بالي، لأنى أعلم أن الله له حكمة في ذلك، فوالدي على الرغم من ظروفهما المادية الصعبة إلا أنهما ربياني على ألا أنظر لأحد أو ما بيد أحد، فعزة النفس والكرامة هي ما نملكه نحن الفقراء، ونحاول أن نحافظ عليها قدر الإمكان، وعندما يتسلل الشيطان إلى قلبي وأنا أنظر لهولاء الأطفال، أذكر نفسي على الفور بمن هم أقل منى، ومن لا تعينهم صحتهم على العمل، ومن يظهرون في إعلانات مستشفى السرطان فأجد نفسي أعيش في نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى».

«صوابعك مش زي بعضها يا أستاذ».. هكذا بادر محمد بالإجابة بخصوص ما يتعرض له من مضايقات من زبائن الورشة، مضيفا، ولكن عملي في الشارع علمنى احتواء الزبون حفاظًا على لقمة العيش، ولكني أجد أيضًا من يتعامل معى بلطف مقدرًا ظروفى، وأجد أيضًا من يرانى رجلًا متحملًا للمسئولية ويحفزنى على ذلك».

لأول وهلة قد تظن أن عامل الأحذية الصغير لا يعرف غير مشاعر الحزن والبؤس، لكنه على العكس تماما «راضي بالمقسوم»، لدرجة أنه عند سؤاله عن مدى سعادته بالحياة، قال: «الحمد لله»، فنحن نشأنا على أن نحمد الله على كل شيء، والسعادة عندنا تختلف من إنسان لآخر، فسعادتي أجدها في عيني والدي، عندما أراهما سعيدان بي وأجد في نظرات أبي لي الرجولة وتحمل المسئولية، ولكن ما يغضبني جدًا ويحبطني عندما أرى في عينيه يأسه من عدم قدرته على الوفاء بمتطلبات أسرتنا، فأحيانًا أجده يقف عاجزًا عن شراء لوازم المنزل، وعندما أنظر لعينيه في هذه اللحظة «أكره الدنيا وما فيها» وسعادتي في أن أعيد إليه وإلى أمى ابتسامتهما.

ظروف محمد الصعبة لم تمنعه من الحلم بـ»حياة أفضل» والطموح في مستقبل مغاير لواقعه «مثلي مثل الآلاف من الأطفال أحلم أن أصبح في يوم من الأيام ضابط شرطة أو وكيل نيابة، بس مش عارف ظروف أسرتي المادية وطبيعتها الاجتماعية هتسمحلي بتحقيق حلمي ولا لأ»، لكنه عقد النية على عدم «العيش في جلباب أبيه»، قائلا: «لا أريد أن أكون مثل والدي مزارعا بسيطا لا يملك من الدنيا قوت يومه، أسعى لأن أتعلم جيدًا وأجتهد في مساعدة والدى كى يساعدنى على تحقيق حلمي».

ولأن صاحب الـ11 عاما يدرك أن تحقيق الحلم يحتاج إلى اجتهاد دراسي لم يقف كثيرا أمام صخور الفقر، إذ قال: «ظروفى المادية الصعبة لم تكن عائقًا أمام تفوقي الدراسي حتى الآن، ولكنى أنا على مشارف مرحلة تعليمية جديدة وهى المرحلة الإعدادية التي تتطلب تركيزا أكثر، وأحيانًا دروسا خصوصية في بعض المواد، فلا أعلم هل سأستطيع المواصلة على نفس النهج أم سيقف الفقر حائلًا أمامي لاستكمال رحلتى نحو حلمى بالعمل ضابط شرطة أو وكيل نيابة».

من الطبيعي وسط أمواج المعاناة التي يصارعها محمد، أن يبحث عمن يمد له طوق النجاة، وهنا هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، كونه المسئول الأول عن البلاد، فوجه له رسالة مفادها: «أطلب منه أن يعمل على أن نعيش حياة كريمة دون ذل أو مهانة، وأن يوفر لمن هم في ظروف والدى معاشا يساعدهم على مواجهة أعباء الحياة حال تعرضهم لأى مرض يمنعهم عن العمل، فمن حولى المئات ممن هم في ظروفي، فهناك المزارع والنجار والبناء والعاملون بكل الحرف التي لا تضمن لصاحبها الاستقرار، إذا أقعده المرض في الفراش لا يجد من يمد له يد العون ويساعده في الإنفاق على أسرته، فضلا عن مرضه وعدم قدرته على شراء العلاج».

محمد وجه سؤالا للرئيس بشأن مستقبله: «والدى رجل بسيط يعمل مزارعًا وأنا أساعده بعملي في ورشة تصليح أحذية، فهل من حقي أن أحلم بأن أكون ضابطًا أو وكيل نيابة، دون النظر لظروفي الاجتماعية ومهنة والدي، أم سيظل حلمي حبيسًا بداخلي إلى يوم الدين؟».

وتابع: أطالبه أيضًا بالتصدي للدروس الخصوصية التي جعلت من التعليم الحكومي تعليما خاصا مرتديا عباءة المجاني، فطالب المدارس الحكومية مضطر لأن يأخذ دروسًا في كل المواد، لأن المدرسين لا يشرحون في المدارس نهائيا، وهذا ما أخشاه وأنا على مشارف المرحلة الإعدادية.
الجريدة الرسمية