رئيس التحرير
عصام كامل

«العنقاء والخل الوفي وقانون الانتخابات».. المحكمة تصدر الحكم السادس في تاريخ مصر بعدم دستورية قانون الانتخابات.. مصر بلا برلمان لأجل غير مسمى.. والدستورية والمجلس لا يجتمعان


قضت المحكمة الدستورية العليا، اليوم الأحد، بعدم دستورية المادة 3 الخاصة بقانون تقسيم الدوائر بشأن الانتخاب بالنظام الفردى.

الدعوى أقامها المواطن محمد سعد عبد الرازق، طعنا على دستورية القانون 202 لسنة 2014 بشأن تقسيم دوائر مجلس النواب، لمخالفة المادة الثالثة والجدول المرفق للقانون.


وتناولت المرافعة ما تضمنه قانون مجلس النواب، فيما يتعلق بتمييز المرأة عن الرجل من إسقاط لعضويتها إذا غيرت انتماءها الانتخابي الذي انتخبت على أساسه، والمغايرة في حجم الإنفاق الدعائي بين المرشحين في النظام الفردي ونظام القوائم.

قوانين مخالفة للدستور
«مخالفة الدستور وعدم تكافؤ الفرص» كانا دائما السببين الوحيدين اللذين حلت على خلفيتهما برلمانات متتالية وأجلت انتخابات عدة، فمن الخلط بين نظامي الفردي والقوائم، أو حصر الترشح على القوائم الحزبية أو الانتخاب الفردي اختلفت شبهات عدم المساواة والإخلال بتكافؤ الفرص، وكأن مصر بقانونيها عجزت عن صياغة نص قانوني يحقق العدالة في فرص الترشح، ويتفق مع نصوص الدستور.

دولة بلا سلطة تشريعية
يبدو الأمر وكأن هناك ورقة مخبأة وجاهزة دائما لضرب عنق السلطة التشريعية في حين اقتضت الحاجة ذلك، أو لإرجاء خطوة الانتخابات لاعتبارات سياسية أو أمنية كالتي تمر بها البلاد، دون التورط في قرارات قد تضع الحكومة في حرج.

وتعاني مصر منذ قيام الثورة في 2011 غياب أحد أعمدة السلطة المهمة، وهي السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان، باستثناء 6 أشهر هي مدة انعقاد برلمان 2012 الذي انتخب في يناير وحل في يونيو من العام نفسه.

قصة التشريعات المعوجة الخاصة بالانتخابات، بدأت حين قضت المحكمة الدستورية العليا 1987 بحل مجلس النواب المنتخب عام 1984، ودعوة المواطنين لانتخاب مجلس شعب جديد، لأن هذا المجلس كان منتخبًا بالقائمة الحزبية النسبية المشروطة ولم يسمح لغير الحزبيين من المواطنين بالترشح.

وأُعيدت الانتخابات في العام نفسه بعد تعديل القانون ليجمع بين نظامي القائمة والفردي إلا أن الدستورية حكمت مرة أخرى ببطلان الانتخابات بعد انعقاد المجلس لثلاث سنوات.

سلطات عنيدة
وإمعانا في التخبط لم ينفذ حسنى مبارك، رئيس الجمهورية الأسبق، الحكم واستمر مجلس النواب قائمًا نحو 4 أشهر حتى 26 سبتمبر 1990، حينما أصدر الرئيس الأسبق قرارًا بوقف جلسات المجلس، واستخدم صلاحياته في دستور 1971 المعمول به آنذاك ودعا الشعب للاستفتاء على حل مجلس النواب في 11 أكتوبر 1990، بقرار سياسي من رئيس الجمهورية وليس تنفيذًا لحكم المحكمة.

وأُصدر قانون جديد للانتخابات بالنظام الفردى وذلك تلافيًا للعوار الدستوري الذي قضت المحكمة بعدم دستوريته.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، وإنما تصاعد النزاع حين طلب المدعي الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس النواب، مع الحكم تبعًا لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، ليؤدي ذلك إلى النتيجة ذاتها وهي حل المجلس.

وبعد هدنة طويلة نسبيا، جاء برلمان 2010 الذي كان القشة التي أشعلت الثورة، بالشبهات الفجة التي شابت انتخاباته، ليتم حله بعد قيام الثورة بقرار من رئيس المجلس العسكري وقتها المشير محمد حسين طنطاوي باعتباره القائم بأعمال رئيس الجمهورية وقتها.

برلمان الثورة
ومن ثم أجريت انتخابات حرة جديدة، إلا أنه وبعد 6 أشهر فقط، حكم المحكمة الدستورية مرة أخرى بمخالفة مواد في القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات للإعلان الدستوري الساري في ذلك الوقت، وحل المجلس في يونيو، قبل أن يصدر محمد مرسي الرئيس السابق قرارا بانعقاده.

وفي آخر جلساته، أحال رئيس مجلس النواب سعد الكتاتني، الحُكم القضائي إلى محكمة النقض، خلال الجلسة التي لم تستغرق سوى 12 دقيقة، وقال الكتاتني إنه دعا المجلس إلى الانعقاد إعمالا لقرار رئيس الجمهورية بدعوة المجلس إلى الانعقاد.

وقضت المحكمة الدستورية بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بدعوة مجلس النواب للانعقاد، وأمرت بتنفيذ حكمها السابق ببطلان قانون انتخابات مجلس النواب الذي جرت بموجبه الانتخابات، بما يترتب على ذلك حل المجلس، واعتباره غير قائم بقوة القانون.

ويأتي قرار المحكمة اليوم ليترك مصر دون سلطة تشريعية لمدة أخرى «غير معلومة»، لحين صياغة قانون، يمكن المصريين من انتخاب مجلس شعب لا يعاني مشكلات دستورية.
الجريدة الرسمية