رئيس التحرير
عصام كامل

وطننا العربي المريض نفسيًا (2)



لم تنته قصة وطننا العربي عند حد الأمراض النفسية، فهل أنتم جاهزون كي نضغط سويًا على الجرح حتى نمحص ما فيه، أم أن ذلك سيتسبب في صرخة ألم تقودنا إلى مزيد من الجنون، فلسوء طالع وطننا العربي، وحبًا في زيادة التميز، فقد وصلنا إلى أقصى درجات الهبل، لا تستغرب فهذه بعض أدلتي:


فقد ولدت حالات الفشل المتتالي إلى رسخ في نفوس جميع العرب من الأجيال المعاصرة توجهات نحو ثقافات شديدة الانحراف عن طبيعة هذه الأمة الوسطية بطبيعتها، فلجأ البعض إلى ثقافات الغرب والشرق ما بين اشتراكية وليبرالية، وتوجه البعض الآخر إلى ثقافة الغنى بأي أسلوب، وحب الاستحواذ دون اعتبار مصادر الثروة، فالمهم عند الجميع تغطية الفشل بمظاهر منمقة، ثقافيًا أو ماديًا.

والبعض الآخر على النقيض من ذلك، توجه نحو التظاهر بالزهد في الدنيا واستقبال الآخرة ولا يبتغي غيرها، ولكنه عندما أراد أن يطبق مبدأه، عمل على أن يكسب الآخرة له وحده، حتى وإن كان بالتخلص من كل من يخالف تدينه الظاهري شديد الانحراف.

وقد كان المظهرون السابقون حاضنات جديدة لأفكار داعش تضاف إلى ما ذكرته في مقالي السابق، فمن يدعى حرية الفكر بلا أية ضوابط أخلاقية، فإنما يتخذ حديثه عن الحرية كغطاء لحب الاستحواذ والميكيافيلية، وقد وجد هذا النوع في داعش ضالته، لنخر قواعد هذه الأمة الغنية حتى تظل مشغولة متحاربة، ويمتص هو وحده ثرواتها، والغريب أن ذلك يحدث برغبة من قادة دول من المفترض أنها شقيقة.

ومن زهد في دنياه وجد داعش طريقًا لآخرته، ومن ركز على دنياه ومظاهرها ونعيمها وجد في داعش أيضًا ضالته ليتظاهر بالتقوى والإيمان، ويؤكد أن الدنيا لم تفتنه ولم تنسيه الآخرة، فتراه حين يعود إلى بيته ويرتدي جلابيته ذات النصف كمّ ويعبئ أطباق المكسرات ويجهز مشروبه المفضل، ويبدأ بعدها فواصل التنظير والتشجيع لدولة الإسلام، وهو يعيش في بلاد آمنة بينه وبين ضحايا تطرفه الفكري آلاف الكيلومترات، ولا يعبأ بما يحدث هناك، اللهم إلا أنه يعطي نفسه جرعة مخدرة تغطي على نقائصه الأخلاقية بذلك التدين المدّعى.

وهنا تبرز أسئلة مهمة للمصابين بعصبية التشجيع الأعمى والتكفير اللاإرادي ماذا سيربح أي منكم إن دخل الجنة بمفرده، وما الذي ستسفيدون إن دخل الباقون النار؟.وهل لمن قذفتموهم بالكفر توبة؟

فإن لم يكن لهم توبة فلا تلوموا أحدًا ولوموا أنفسكم، فعندما تتثاقل وتقسو عليكم يد الشعوب فلا تلوموا إلا أنفسكم، فأنتم من اضطررتموهم للدفاع عن أنفسهم ضد غوغائيتكم التترية، وإن كان للناس توبة فبرحمة من الله، وليس بصكوك منكم، فأنتم لم تملكوا مفاتيح الجنة لأنفسكم حتى تقسموها بين الناس.

ولا يجب ألا تنسوا أن الجمود الفكري الذي تمارسونه وعدم تقدير المواقف وطبيعتها وزمانها وظروفها لن يؤدي إلا إلى الصدام ولا شىء سواه.

ولا يجب ألا ننسى أيضًا أن مدعي الزهد في الدنيا وأفعاله تناقض أقواله مريض نفسيًا يخبئ رغبة عارمة في السيطرة على الدنيا سيفقد معها الدنيا والآخرة كما قال سبحانه وتعالى "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".
naderhanbal@yahoo.com
الجريدة الرسمية