رئيس التحرير
عصام كامل

سعد الدين هلالى: المصطلحات الفاسدة والخطاب الأحادى.. وراء الأزمة

الدكتور سعد الدين
الدكتور سعد الدين الهلالي



أكد الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر على ضرورة التخلص من الخطاب الفقهي الأحادي الموجود حاليا على الساحة مشددا على أهمية اعلاء كلمة العقل والابتعاد عن سياسة الصوت العالي.

وفي إطار رؤيته لما يحتاجه الأزهر الشريف من تطوير طالب الهلالي بعصرنة المصطلحات المستخدمة في الخطاب الديني الأزهري الموجهة للناس والابتعاد عن عبادة الله بألفاظ لم يذكرها القران الكريم أو السنة المطهرة.
وأوضح الهلالي في حواره مع "فيتو" أن الأزهر جامعة ومؤسسة علمية يسري عليهما ما يسري على أي مؤسسة علمية في التطوير، وان كل مرحلة وكل مكان وكل فترة تستلزم التجديد لمسايرة أعراف الناس ومصطلحاتهم، مضيفا: "في العهد السابق كان الناس يعرفون مصطلحات معينة مثل: العبد والأمة، ولكن اليوم يتم العمل بمصطلحات أخرى مثل: لفظ الاتجار بالبشر أو البصمة الوراثية أو البنك والبوصة وغيره من المصطلحات الجديدة والتي يجب على لغة الخطاب والعلم الفقهي أن تتحول اليها".

ويرى الهلالي أن الأزهر يفتقد لعصرنة المصطلحات قائلا: "لابد أن نعيش في عصرنا فمثلا من يتحدثون عن الخلافة الإسلامية التي كانت تصلح في زمن سابق كيف لهم أن يتحدثوا عنها ونحن الآن لدينا جمهوريات وممالك وإمارات، كيف لنا إن نعيش في الماضي"؟
ويؤكد هلالى أن الخطاب الإسلامي الذي يتبناه أزهريون وسلفيون لم يعد مواكبا لظروف العصر، مشددا على أن المصطلحات لا تصنع دينا، ولكل عصر ظروفه ومتطلباته، والإسلام دين يحب الحياة ولا يخاصمها.

ويرى هلالى أن المعاهد الأزهرية تعاني من نفس المشكلات التي يعاني منها الخطاب الديني وهي أزمة المصطلحات، موضحا أن المناهج التي يدرسها الطلاب والكلمات التي يقولها المشايخ الذين يعتلون المنابر لا تصلح في زمننا الحالي، وليست هي التي تشكل جوهر الإسلام.

وأوضح هلالى أنه يجب علينا أن نعيش في عصرنا وأن نعبر بلغتنا ولا نتعبد الله بمصطلحات لم يذكرها القرآن الكريم ولا السنة المطهرة، فالقرآن الكريم جاء معيارا لكي نعيش به في كل زمن ومن حقنا أن نختار المصطلح المناسب لنا ونعيش به.

وأكد هلالي أن استيعاب العقل المسلم لما سبق يحتاج لمجهود كبير وخصوصا انها فارقة بين الحق والباطل، كما انها يقينا تؤثر تاثيرا سلبيا ولابد من استخدام المصطلحات المعاصرة، فعلي سبيل المثال، فإن أغلب المتخصصين بالدراسات الدينية لا يعرفون مصطلح البورصة أو كيف تعمل، وبذلك فلا يمكن أن يصدر حكما عليها بكونها حلالا أو حراما دون معرفة طريقة عملها.

الأمر ذاته بالنسبة لفوائد البنوك والتي يعتبرها البعض ربا أو حراما، وهو ما تساءل عنه الهلالي قائلا: "هل ودائعي التي اضعها في البنك حتى يستثمرها ويؤتي بثمرة لأموالي وأموال غيري ويعود على بجزء منها يعتبر ربا؟ ما وجه الربا فيها؟"، موضحا أن آراء الفقهاء اختلفت في تحديد ذلك ولابد من اعلاء القولين عند إعطاء الفتوي بشأن قضية كهذه حتى نكون أمناء.
وشدد هلالي على أنه في حال اتباع ما سبق فستكون هناك انفراجة في الآراء الفقهية بدلا من هذا الخطاب الأحادي الذي يُتهم من يخالفه بالذندقة والكفر من قبل اتباع الرأي المعارض من أجل ضربه والقضاء عليه وهو ما لا يصح ابدا ولا يصلح أن يقوم الخطاب الفقهي على احادية القول والتسلط والصوت العالي الذي يغلب صاحب الصوت العاقل.

اما عن الأبحاث المقدمة للأزهر الشريف والتي تؤثر قطعا في خطابه الديني فأعرب هلالي عن اسفه من نسب الباحثين في اغلب الابحاث المقدمة للأزهر كلماتهم للشريعة الإسلامية وهي خطيئة كبيرة لأن تعميم فكرة أن الدين هو ما يقوله الفقيه يصنع مشكلة.
وشدد على أن الإسلام أكبر من رؤية أي باحث والإسلام معصوم واذن لنا أن نجتهد وخصوصا أن ديننا لم يأمرنا أن نصل لحكم المعصوم لأنه مخبأ علينا ولا أحد يعلم الغيب الا الله".

وركز هلالى في حديثه أن ما يصل اليه الباحث هو محض اجتهاده وبه نزعة بشرية ولذلك فهو صواب يحتمل الخطأ فلا يصح أن ينسب اجتهاده للشريعة الإسلامية التي لابد أن تكون صادقة، ولذلك يجب عليه أن ينسب ما يتوصل اليه لاجتهاده،وهو ما أكد النبي عليه الصلاة والسلام في حديث شريف رواه البخاري عن بريدة:"واذا حاصرك أهل حصن فارادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن انزلهم على حكمك، فغنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم ام لا".
ويأخذ "هلالى" على الفقهاء الذين يعدون أنفسهم انهم يتحدثون باسم السماء وخصوماتهم التي تثير الغبار كثيرا حول الإسلام.

وانتقد الدكتور سعد فكرة التسليم بما يتوصل اليه الأزهر من فتاوي على أنه انزال من السماء مطالبا المسلمين بأعمال العقل والعمل بقول رسولنا الكريم " استفت قلبك واسفت نفسك وان افتاك الناس وافتوك"، موضحا أن العلماء مهما كانوا على دراية بالكتاب والسنة فهم من يجتهدون ويشخصون الاحكام والتي تختلط بذاتيتهم بلا شك اذن فلابد في النهاية أن ينسب رايهم لانفسهم وليس للدين.
وأضاف هلاى: "الامام الشافعي امام الائمة في مصر كان يقول على اجتهاده " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ في نظري ولكن يحتمل الصواب"، هذا هو الفكر الذي نريده ولابد أن ينتشر هذا الفهم بين الناس وهو ما سينتج عنه تواضع من كبار الائمة ومن هيئة كبار العلماء لكن لو ظن أحد أن الحق المطلق عنده فسيقطع بما يري وسيري أن غيره خطأ.
وعن التصدي لتلك المشكلات قال الهلالي أن من يحاول الاعتراض أو التنوير يُتهم بأنه علماني، اما من يجسد ويجزر بقاء الخطأ على ما هو عليه فهو الاتجاه السلفي والإخواني المتجزر حتى في اروقة الأزهر، كما أوضح أنه أشار لذلك في كل كتاباته ومحاضراته.
واختتم قوله بان تحقيق ما سبق سيساهم في أن يُعمل كل منا عقله بدلا من اخماده، مؤكدا أن فكرة الايمان بان فتوي تصدرها جهة معينة هي صائبة مطلقة هو خطأ، لأن الصواب المطلق عند الله فقط، كما اننا بذلك نغفل عقولنا التي لابد من إعمالها، كما أن اجتهاد الفقهاء والمفتين اجتهاد استشاري واختياري، وكما قال الله عزل وجل: " يا ايها اللذين أمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وهو ما تقننه حاليا القوانين واللوائح ليصبح القانون هو الاجتهاد الوحيد الملزم اما رؤية المفتين فهي اختيارية واستشارية ليسمح للناس إعمال عقلهم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
الجريدة الرسمية