رئيس التحرير
عصام كامل

قانون الخدمة العامة يحتاج إعادة نظر!

يوجد قانون فى مصر اسمه قانون الخدمة العامة، يلزم كل خريج جامعة بالعمل لمدة سنة في تعليم الأميين أو العمل في منشأة حكومية خدمية أوعلاجية، ويخص القانون الإناث من الخريجات، والذكور من الطلاب ممن تم اعفاؤهم من الخدمة العسكرية، ويصدر قرار التكليف من وزارة التضامن الاجتماعي مرتين في العام حسب الدور الأول والدور الثاني للكليات وخريجيها، والهدف من التكليف سد النقص في الخدمات والاعمال الادارية..  


ولاشك أن تعليم الأميين من أهم أهداف التكليف، ولابد من إتمام مدة الخدمة لكي يتمكن الخريج من الحصول علي شهادة التخرج، كما أن شهادة إتمام الخدمة لمدة عام تعتبر مسوغا أساسيا من مسوغات التعيين في الوظائف..

  
ولأن قضية الأمية هى كارثة الكوارث في مصر، وبخاصة مع تزايد أعداد السكان - نسبة الأمية حاليا 12,6% باحصاء 2023، أى أن عدد الأميين حاليا يقترب من الأربعة عشر مليونا، معظمهم من الاناث بحساب أن عدد السكان 110مليون مواطن-، فإن مهمة الخريج المكلف بتعليم خمسة أميين تبدو مقدسة، ما لم يتطرق إليها الفساد، ولابد أن يجد الفساد سبيلا كالعادة..  

اقتراح لوزارة التضامن

اعرف حالة صارخة، شاب تخرج وتلقى خطاب التكليف بتعليم خمسة من الأميين، يختارهم بنفسه، وهنا مكمن الفيروس! مطلوب منه تعليم أربعة على الاقل، لكي يتمكن من الحصول علي شهادة تخرجه مهندسا، مثلا، وليسافر إلى الكويت حيث تنتظره وظيفة بمبلغ، ديناري محترم!


بذل الشاب مجودا خرافيا في الحصول على من يقبل أو تقبل محو الأمية، فإضطر أن يدفع له أو لها مائة جنيه، أو أكثر، ويمكنك أن تتخيل مدى عدم الجدية في أن يجلس أمي أو أمية، غير مقتنع، بما يلقنه له المعلم الشاب المحتاج للشهادة، ويعلم المتلقي أن روح هذا الشاب ومصلحته في يده! ثم إذا نجح إثنان تعين عليه تكرار المحاولة بعد ثلاثة أشهر لينجح الأربعة علي الأقل من الخمسة.. دوخة حقيقية!


الأمي يماطل والأمية تتمنع وتسخر وتتحجج ببيتها وأولادها، ويتحيل وتتحايل، لزيادة مبلغ التعليم، وهذا إنقلاب في الأدوار خطير، فالمفروض أن المدرس هو من يأخذ لا من يدفع!


نقطة اخرى كاشفة وهى أن الحاجة الضاغطة لظروف السفر، أو إستمرار إبتزاز الشخص المطلوب محو أميته، تدفع الخريج إلى إختيار أشخاص من المقاهي مثلا معهم هويات، ليس مكتوبا فيها أنه حاصل علي الابتدائية أو الاعدادية أو الثانوية..  وطموح الخريج هنا أن يعثر علي شخص يفك الخط ويعرف يقرأ، ويكتب.. وهو وحظه لاحقا حين يدخل الممحو أميته إلى الإمتحان أمام موظف بالمديرية! هنالك يكمن الفيروس الثالث! فالفيروس الثاني كان الإبتزاز وعدم الجدية.


يدوخ الخريج حتى تمر عملية الامتحان لتلاميذه من كبار السن أو أوسطه، ويتصرف، ومع ذلك قد يجد العنت ويجد الضغط من إداري موكول إليه التحقق من نجاح الممحو أميته!


سنوات طويلة جدا والقانون معمول به، ويعرف كثيرون أنه أداء صوري في عدد كبير من الجهات، ولابد من إعادة النظر في ضرورته، أو إعادة تحديد فعاليته وجدواه ليستفيد الخريج والمواطن المطلوب تعليمه أو رعايته أو خدمته إداريا.


ثم لماذا لا تختار وزارة التضامن بنفسها مجموعات المواطنين المطلوب محو أميتهم، بأن تكلف مكاتبها في المحافظات، بإرسال كشوف حصرية بالنوع والعمر، ممن لم يتعلموا قط، لكي نوفر علي الخريج مراوغة المطلوب محو أميته وربما الإبتزاز المؤسف أيضا..

  


كما نؤدي الخدمة العسكرية صح وكاملة ومفيدة ومشرفة، لابد أن تعمل الوزارة علي إنتهاج نفس الجدية في متابعة التكليف دون إرهاق للخريج وتحميله أعباء يكره بها هذا التكليف ويتحايل ليفر منه!
الرسالة الأعظم حقا هى محو أمية المثقفين وحملة الشهادات.. قشور وبثور!

الجريدة الرسمية