عالم أزهري يكشف حالات الكذب المباح وضوابطه (فيديو)
أكد الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، أن الكذب في أصله محرم شرعًا ويُعد من كبائر الذنوب، ولا يليق بالمؤمن الصادق أن يتصف به، مشددًا على أن الإيمان يضعف وينتقص بقدر ما يقع الإنسان في الكذب، لأن الصدق من أعمدة الأخلاق التي يقوم عليها الدين.
وأوضح أن الشريعة الإسلامية لم تترك هذه القضية دون ضوابط، بل وضعت لها ميزانًا دقيقًا يمنع الفهم السطحي أو التوسع غير المنضبط في إباحة الكذب.
السنة النبوية تحدد الحالات التي لا يُكتب فيها الكلام كذبًا عند الله
وخلال حلقة برنامج "اعرف نبيك" المذاع على قناة الناس، أوضح الدكتور يسري جبر أن السنة النبوية بيّنت وجود حالات استثنائية لا يُعد فيها الكلام كذبًا عند الله، مستشهدًا بما رواه الإمام البخاري عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا».
وبيّن أن المقصود هنا هو الكلام الذي يُقصد به الإصلاح بين المتخاصمين، وبقدر الحاجة فقط، دون مبالغة أو اختلاق روايات غير حقيقية، بهدف إزالة العداوة من القلوب وتهيئة النفوس للصلح، وليس لتحقيق مصلحة شخصية أو خداع الآخرين.
التعريف الشرعي للكذب والفرق بينه وبين الخطأ والنسيان
وأوضح الدكتور يسري جبر أن للكذب تعريفًا شرعيًا دقيقًا، يتمثل في الإخبار بخلاف الواقع مع العلم المسبق بأن هذا الكلام غير مطابق للحقيقة، أما من ينقل خبرًا غير صحيح وهو يعتقد صدقه، فلا يُعد كاذبًا، بل يكون مخطئًا أو ناسيًا، وهو فرق جوهري يغفل عنه كثير من الناس في أحكامهم اليومية.
الكذب بين الأحكام الخمسة في الشريعة الإسلامية
وأشار إلى أن الكذب في الشريعة الإسلامية لا يأتي على حكم واحد، بل يدور بين الأحكام الخمسة، فقد يكون حرامًا في أغلب الأحوال، مكروهًا في بعض الصور، مباحًا في حالات معينة، مستحبًا إذا ترتب عليه مصلحة راجحة، وقد يصل إلى الوجوب في حالات استثنائية، مثل دفع ضرر محقق عن مسلم، أو حماية نفس معصومة من أذى مؤكد لا يمكن دفعه إلا بذلك.
الكذب بين الزوجين..متى يُباح ومتى يتحول إلى خداع؟
وتطرق الدكتور يسري جبر إلى بعض صور الكذب المباح أو المستحب، ومنها ما يكون بين الزوجين بقصد إدامة المودة ومنع الشقاق، مثل التلطف في الكلام أو إظهار المحبة، بشرط عدم المبالغة التي قد تتحول إلى خداع أو غش محرم. وأكد أن المقصود هنا هو حفظ الأسرة لا بناء العلاقة على أوهام أو أكاذيب.
صور مكروهة للكذب وتشديد التحريم عند ضياع الحقوق
كما أشار إلى أن هناك صورًا يكون فيها الكذب مكروهًا، مثل ادعاء الإنسان ما ليس عنده أو التظاهر بغير حقيقته، مؤكدًا أن التحريم يشتد ويغلظ إذا ترتب على الكذب ضرر للآخرين أو ضياع حقوقهم، سواء كانت حقوقًا مادية أو معنوية.
“التعريض” مخرج شرعي عن الكذب الصريح
وتحدث الدكتور يسري جبر عن مفهوم “التعريض” بوصفه مخرجًا شرعيًا عن الكذب الصريح، وهو استخدام ألفاظ تحتمل أكثر من معنى، يقصد المتكلم بها معنى صحيحًا، بينما قد يفهم السامع معنى آخر، مستشهدًا بمواقف متعددة من سيرة الأنبياء وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
التحذير من الكذب على الأطفال وخطورته التربوية
وفي ختام حديثه، حذر الدكتور يسري جبر من الكذب على الأطفال أو الاستهانة به في التربية، مؤكدًا أن ذلك يغرس في نفوسهم الاعتياد على إخلاف الوعد وعدم الصدق منذ الصغر، ما ينعكس سلبًا على أخلاقهم وشخصياتهم مستقبلًا، ويقوض أحد أهم القيم التي دعا إليها الإسلام.