المفكر اللبناني والعروبي الكبير أسعد السحمراني لـ"فيتو": نزع سلاح حزب الله مخطط لذبح الأبرياء.. كل لبنان مسلح والجميع لديه مدافع ومضادات وقواذف.. وحزب الله واحد من المنظمات المسلحة
تحرير الأرض لا يكون بلا استشهاد.. والكرامة لا تُستردّ بغير تضحيات
لبنان يحتاج للرعاية العربيّة ووقف ارتباط بعض الشخصيّات بالخارج
الواقع العربي يحتاج إلى مبادرات تقودها مصر أساسها تطبيق ميثاق الدفاع المشترك
العالم العربيّ يعاني من الاقتتال الداخلي.. والقتال ضدّ إسرائيل شرفٌ
الدكتور أسعد السحمراني، كاتب ومؤلف وأكاديمي لبناني، أستاذ العقائد والأديان المقارنة بجامعة الأوزاعي، ومستشار رئيس منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، وعضو اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
وهو أيضا مسؤول الشؤون الدينية والشؤون العربية والخارجية بالمؤتمر الشعبي اللبناني، وخبير لدى منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ecesco tm، وعضو لجنة المؤتمرات والندوات في رابطة الجامعات الإسلامية- القاهرة، وعضو المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس، وعضو لجنة فلسطين ومقاومة التطبيع في اتحاد المحامين العرب، وعضو اتحاد المؤرخين العرب التابع لجامعة الدول العربية، وعضو شرف مجمع الفقه الإسلامي في الهند، وعضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين – الجزائر، وعضو هيئة شؤون الإفتاء في لبنان سابقًا.
له عشرات المؤلفات في الفكر الديني والعربي والقومي، وأيضا في سبر أغوار الفكر اليهودي.
وفي زمن يزداد فيه المشهد العربي واللبناني تعقيدًا، ويتحوّل فيه الانهيار الاقتصادي والسياسي إلى واقع يومي يضغط على الدولة والمجتمع معًا، يصبح اللجوء إلى الفكر ضرورة لفهم ما يجري خارج ضوضاء السياسة وتضارب المصالح.
وفي خضمّ التحولات العاصفة التي يشهدها الوطن العربي والصراع العربي– الإسرائيلي، يبرز صوتٌ بقي حاضرًا في النقاش الفكري القومي والإسلامي على مدى عقود: البروفيسور أسعد السحمراني.
السحمراني، المعروف بقراءاته المعمّقة في الشأن اللبناني والعربي، وبمواقفه الفكرية الواضحة تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة، يقدّم في هذا الحوار مقاربة تتجاوز الأحداث اليومية إلى رؤيتها ضمن سياقها التاريخي والسياسي والحضاري.
في هذا اللقاء، نطرح على البروفيسور السحمراني الأسئلة التي لا تُطرح عادة، ونسعى معه إلى قراءة الواقع كما هو، وليس كما يُراد لنا أن نراه.
حوار مفتوح على كل الاحتمالات… وعلى كثير من الصراحة.
- هل بات لبنان دولة عاجزة بنيويًا عن النهوض، أم أن من يحكمه لا يريد له أن ينهض أصلًا؟
= فيما يتعلّق بالواقع اللبناني، من غير السليم أن يُقال: إنّ في لبنان دولة ضعيفة وعاجزة بنيويًّا، وأمر الإصلاح ممكنٌ ونصوصه جاهزة، ولا بدّ من إنعاش الذاكرة بأنّه صدرت في العام ١٩٨٩ وبرعايةٍ عربيّة؛ أبرزها مصر والسعوديّة، وثيقة الطائف للوفاق الوطني اللبناني، وتوقّفت بموجبها الحرب الفتنة، وبعدها صدر الدستور الجديد الذي حسم هويّة لبنان ونصّ على أنّ لبنان عربيّ الهويّة والانتماء.
وإنّ المدخل إلى الإصلاح في لبنان هو الإصلاح السياسي أوّلًا وبعده يكون الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي.
- كيف يتحقق الإصلاح السياسي أولا؟
= الإصلاح السياسي في لبنان يكون باستكمال تطبيق ما نصّت عليه وثيقة الطائف والدستور، وأوّل ذلك ما يلي:
أ- تشكيل الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة كما نصّت المادّة ٩٥ من الدستور.
ب- انتخاب مجلس الشيوخ كما هو نصّ الدستور، وكان يجب أن يكون ذلك بعد العام ١٩٩٢، عند انتخاب أوّل مجلس نيابي بعد الحرب، ومع مجلس الشيوخ الذي تتمثّل فيه الطوائف اللبنانيّة يُصبح انتخاب مجلس النوّاب على أساس لا طائفي.
ج- تعديل قانون الانتخابات واعتماد لبنان دائرة انتخابيّة واحدة أو تقسيم لبنان على أساس دوائر كبرى هي المحافظات الخمس التي كانت قبل التعديل كي يتعزّز التمثيل الوطني، ولإخراج البلد من الانقسامات الطائفيّة والمذهبيّة.
د- تطبيق اللامركزيّة الإداريّة لتسهيل المعاملات للمواطنين وللخروج من الادارة الكلاسيكيّة التي تعود بكلّ شيء إلى المركز فتعرقل شؤون المواطنين.

- كيف يمكن قيام دولة حقيقية في لبنان: الطائفية، الفساد، أم شبكة المصالح الإقليمية التي تتحكم في القرار السياسي؟
= يحتاج لبنان إلى الرعاية الأخوية العربيّة من أجل إضعاف أي نفوذ دولي أو إقليمي، ووقف ارتباط بعض الشخصيّات أو الجهات بالخارج الدولي والإقليمي.
كما يحتاج لبنان إلى تعزيز الجيش اللبناني بالسلاح النوعي، والعتاد، والتقنيات الحديثة، كي يتمكّن من ردع العدوان الإسرائيلي على سيادته وشعبه وأرضه وثرواته، ومن أجل تحرير الأرض المحتلّة، ومنها ما هو محتلّ في العام ١٩٤٨، ومنها ما تمّ احتلاله بعد العام ١٩٦٧ ومنها ما كان احتلاله في الأشهر الأخيرة.
- هل يحتاج لبنان إلى المقاومة، أم يجب الاعتماد على الجيش الوطني فقط؟
= لبنان يحتاج للمقاومة بالتنسيق مع الجيش لردع العدوان، مع الإشارة إلى أن المقاومة في لبنان قائمة وموجودة، منذ اغتصاب فلسطين من قبل الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨، والمقاومة في لبنان ثقافة وشأن تربوي تتمّ تنشئة الأجيال على أساسه ما عدا قلّة مخترقة من العدوّ الصهيوني، أو متعلّقة بالغرب الأطلسي.
- حزب الله يحمل السلاح، ألا يتعارض ذلك مع سيادة الدولة؟
= الشعب اللبناني بكلّ طوائفه وانتماءاته السياسيّة يقتني السلاح؛ والسلاح في لبنان ليس في يدّ منظّمة حزب اللّه فقط، اللهمّ سوى بعض الصواريخ النوعيّة التي فعلت فِعلها ضدّ كيان العدوّ الصهيوني على مدى أكثر من ٣٠ سنة.
ومسألة السلاح المنتشر في كلّ نواحي لبنان، هو ضرورة لأنّ من يتخلّى عن سلاحه أو من يعطي سلاحه يموت به، والتخلّي عن السلاح يعني التخلّي عن الدفاع عن الوطن والكرامة وشرف الأهل، وعن الحقّ في تحرير الأرض والمقدّسات، وهذا أمر يخالف المسيحيّة التي جاء فيها في إنجيل لوقا الإصحاح ٢٢: "فليبع ثوبه ويشتري سيفًا"، وفي القرآن الكريم قول الله تعالى في الآية ٦٠ من سورة الأنفال: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة"، وقوله تعالى في الآية ١٨٩ من سورة البقرة: "وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم"، وفي الآية ١٩٠ من السورة نفسها: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم".
يُضاف إلى ذلك كلّه، حقّ الدفاع والمقاومة ضدّ الاحتلال والأعداء الذي تقرّه الشرائع السماويّة، وكلّ القوانين والأعراف، وهذا حقّ وحده يسترد الأرض ويحرّرهها ويحفظ كرامة الوطن والمواطن، ولذلك قال الزعيم جمال عبدالناصر: "ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ بغير القوّة".
- هل يشكل سلاح الحزب حماية للبنان أم سببًا لاستمرار هشاشة الدولة؟ وهل يمكن نزع سلاح حزب الله من دون تغيير جذري في ميزان القوى الداخلي والإقليمي؟
= كل لبنان مسلح؛ جعجع والجميل وجنبلاط والناصريين وكل القوى والعائلات والعشائر.. وحزب الله واحد من المنظمات المسلحة.
عندنا في لبنان الكل عنده مدافع ومضادات وقواذف.
- في رأيكم، هل حلّ الأزمة مع الحزب يمر عبر الحوار أم عبر تغيّر المعادلات بالقوة أم عبر تبدل الظروف الإقليمية؟
= حصر (نزع) السلاح من حزب الله هو افتراء يؤسس لذبح الناس.. في سبتمبر ١٩٨٢ خرج السلاح الفلسطيني واللبناني من بيروت فذبح جعجع والعدو الصهيوني وقتلوا أكثر من خمسة آلاف من اللبنانيين والفلسطينيين.. من تخلى عن سلاحه مات به، ويكون قد تخلى عن وطنيته وشرف أهله وكرامتهم.
- هل أثبتت المقاومة في غزة أن “القوة” وحدها هي اللغة التي تفهمها إسرائيل؟
= بالنسبة للواقع الفلسطيني، فإنّ المقاومة بكلّ أشكالها التربويّة والفكريّة والاقتصاديّة والإعلاميّة والثقافيّة والأدبيّة والفنيّة والمدنيّة والعسكريّة هي الأساس الوحيد لإخراج العدوّ الصهيوني الاستيطاني الإحلالي من القدس والمقدّسات ومن أرض فلسطين ومن كلّ أرض عربيّة يحتلّها في لبنان أو سورية أو سواهما.
وبهذه المقاومة فإنّ شرارتها الأولى انطلقت مع ثورة البراق في زمن الاحتلال البريطاني عام ١٩٢٩، وستبقى ما دام هناك احتلال.
وإنّ المقاومة في غزّة ومعها الضفّة الغربيّة وعموم فلسطين، وما كان لها من دعم ومساندة قد حقّقت صمودًا أسطوريًّا، وكان في مسارها بطولات مشهودة، وإنّ الدمار وعدد الشهداء والجرحى والأسرى أمر بديهيّ في مواجهة كيان صهيونيّ يعطيه شريكه الأطلسيّ كلّ أنواع السلاح والتقنيّات القتاليّة ويشاركه أحيانًا في هذا القتال، ولكن مع كلّ ذلك ليقلب المتخاذلون والمتشائمون الشاشة ليروا واقع التصدّع والخلل والانهيارات في كيان العدوّ، وفي وضعه الدوليّ.
فإنّ كيان العدوّ شَهِد ويشهد تراجعًا كبيرًا في عدد المهاجرين اليهود الصهاينة، من بلدانٍ خارجيّة إلى الكيان الصهيوني، وبالمقابل هناك هجرات معاكسة، حيث شهدت الأشهر الأخيرة خروج مئات الألوف من الأرض المحتلّة بلا عودة، ومنهم نُخَب وأهل اختصاص، يُضاف إلى ذلك ازدياد حالات الأمراض النفسيّة والرعب، سواء في صفوف جيش العدوّ الإسرائيلي أو في المستعمرين الصهاينة عامّةً، وتَبِع ذلك حالات الامتناع عن التجنيد، أو الهروب من التجنيد، بنسبٍ عالية من ذلك دخول الشباب في المدارس الدينيّة، أو أتباع الحريديم، ويقترن بذلك كلّه حالات الدمار في الأرض المحتلّة، في تلّ أبيب وجوارها وحيفا ويافا والجليل وعموم شمال فلسطين المحتلّة، وما أحدثه ذلك من انهيار اقتصادي وخسائر عمرانيّة وماليّة وهجرات إلى السوط والداخل، لها تكلفتها على قيادة الكيان الصهيوني، وعلى المستعمرين.
بناءً على ما تقدّم نذكّر أنفسنا جميعًا بما ورد في الآية ١٠٤ من سورة النساء، وفيها قول الله تعالى: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كمان تألمون وترجون من الله ما لا يرجون".
ثمّ ندعو الجميع لإنعاش الذاكرة بقراءة مجريات ثورات التحرير من مثل ثورة الجزائر، وما كان فيها من شهداء ودمار، ومقاومة الشعب الفيتنامي لأمريكا والحلف الأطلسي حيث زاد عدد الشهداء عندهم عن مليون ونصف.. هذا غير الدمار والتشريد، وليراجع الجبناء الحرب العالميّة الثانية، وما رافقها من خسائر ودمار في فرنسا وألمانيا والاتحاد السوفياتي السابق وغيرهم.
فإنّ الأرض لا يكون تحريرها بلا استشهاد والكرامة لا تُستردّ بغير التضحيات والأوطان لا يكون الدفاع عنها بغير روحٍ فدائيّة، فالنضال أساسه التضحيات، وكما قال الزعيم جمال عبدالناصر: "التضحيات هي ثمن الانتصار، ولا يقدر على دفع ضريبة الدم غير الذين يقدّرون شرف الحياة".

- برأيكم، المقاومة العسكرية وغير العسكرية هي السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي؟
= ندعو إلى مواصلة المقاومة العسكريّة وغير العسكريّة وندعو الحكومات في العالميْن العربي والإسلامي، ومعها المنظّمات والنقابات والاتّحادات بمزيد الدعم للمقاومين من أجل تعزيز ثباتهم وصمودهم.
فهذه المقاومة هي التي جعلت قضيّة الأمّة الكبرى فلسطين حاضرةً بقوّة في كلّ المنظّمات والساحات الدوليّة، وقد أحدثت تحوّلًا مشهودًا في الرأي العام أجبر من أنشأوا الكيان الصهيوني في أرض فلسطين أن يتراجعوا ويعترفوا بفلسطين بأغلبيّة ساحقة في الأمم المتّحدة أثناء الجمعيّة العموميّة في شهر سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٥.
- هل يمكن القول إن العالم العربي يعيش لحظة “نهاية النظام العربي” بكل مؤسساته ومفاهيمه؟
= الواقع العربيّ يشهد حالات من الاقتتال الداخلي وهو جريمة، بينما القتال ضدّ الإسرائيلي شرفٌ.
وهذا الواقع العربي، يحتاج إلى مبادرات تقودها جمهوريّة مصر العربيّة، بقيادة الرئيس عبدالفتّاح السيسي، ويشارك فيها الأشقّاء العرب، وهذه المبادرات، أساسها تطبيق ميثاق الدفاع العربي المشترك بإنشاء قوّة عربيّة وازنة تتمكّن من ردع العدوان الإسرائيلي وأيّ عدوان، كما أنّها تستطيع التدخّل الإيجابي لوقف الفتن وشلّالات الدمّ في الدول العربيّة التي تعاني من نزاعات داخليّة تُحدِث دمارًا وقتلًا وتشريدًا من مثل السودان وليبيا واليمن وغيرها.
هذه النزاعات وما يكون معها من اختراقات ونفوذ لجهات دوليّة أو إقليميّة تهدّد الأمن القومي العربي للجميع، وتضرب الاستقرار والسلم الأهلي، وتتوالد منها عصبيّات طائفيّة وعرقيّة وجهويّة لا يسلم منها أيّ بلد عربي، وتجعل الساحة العربيّة مباحة من قبل الأعداء والطامعين.
وبهذا نحتاج إلى مبادرة لوقف هذه النزاعات الداخليّة ولصون الوحدة الوطنيّة في إطار العروبة الحضاريّة الجامعة، ويستلزم ذلك تطوير ميثاق جامعة الدول العربيّة وأنظمتها، ونقلها إلى حالة من احترام أحجام الدول وأوزان الدول وأن لا يتساوى في التمثيل الكلّ هذا مع وجود جيش الدفاع العربي المشترك، ومحكمة عدل عربيّة، وسياسية خارجيّة موحّدة، وتجارة بينيّة فاعلة، والعمل من أجل تنشيط التنسيق الأفريقي الآسيوي بتعزيز حركة عدم الانحياز والحياد الإيجابي فكلّ هذا عناصر قوّة تعيد للأمّة العربيّة وللعالم الإسلامي ولقارتيّ إفريقية وآسية دورها وكرامتها وتحرّرها، وهذه الأدوار تحتاج لدورٍ قياديّ ورياديّ تقوم به جمهوريّة مصر العربيّة فهي التي تملك القوّة وتحتضن الأزهر الشريف والكنيسة القبطيّة الشرقيّة وهي الأكبر على الصعيدالعربي، هذا إضافة إلى عبقريّة المكان، فمصر أرض الوصل بين أفريقيا وآسيا، وهي القلب والقاعدة في العالم العربي والإسلامي.
- إذا طُلب منكم تلخيص مأزق العالم العربي بكلمة واحدة… ماذا ستكون؟
= خلاصة القول: إنّ هذه المسارات التي تمّ الحديث عنها تنسج الوحدة والاتّحاد، من أجل النهوض الحضاريّ في الأمّة ومن أجل تحقيق الازدهار والتقدّم والأمن وتحرير الأرض المحتلّة، وهنا يجدر التذكير بمقولة جمال عبدالناصر: "إنّ الأمن العربيّ لا يتحقّق مع التجزئة، وإنّ التقدّم العربيّ لا يكون مع التجزئة".