فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

صوام قوام قارئ رائع للقرأن.. حكاية المهندس أحمد عبدالعليم فقيد مصر في السعودية

المهندس أحمد عبد
المهندس أحمد عبد العليم، فيتو

في لحظة صادمة هزّت القلوب وأبكت الملايين داخل مصر وخارجها، أسدل القدر الستار على قصة إنسانية نادرة، جمعت بين الحب والإيمان والعطاء والوفاء للوطن.. ورحيلٍ مفجع.


رحل المهندس أحمد عبد العليم، وزوجته الدكتورة آية سلمان، وطفلهما الرضيع سليم، في حادث سير بالسعودية، بينما كانوا يحلمون بحياة هادئة مستقرة ومستقبل يُزهر بابنهم الذي انتظروه لأربع سنوات.

 

هذه ليست مجرد قصة وفاة مؤلمة.. بل قصة حياة مُلهمة.

طريق العلم والواجب والوطن

تخرّج أحمد في كلية الهندسة جامعة بنها عام 2012، شابًا طموحًا، يرى في الهندسة رسالة بناء لا وظيفة. أدى خدمته العسكرية بشغف واعتزاز، لمجرد أنه يرتدي زيًا يُمثّل مصر. عندما شارك لاحقًا كمهندس كهرباء في مشاريع إعمار سيناء بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كان يردد:
“سينا..هنعمر بلدنا بإذن الله”، فقد كان يؤمن أن الوطن يبدأ من قلب كل إنسان قبل أن يُرسم على الخريطة.

المهندس الذي كان قلبه يفيض إنسانية

أحمد لم يكن مجرد مهندس.. كان قلبًا كبيرًا يمشي على الأرض، في قريته كفر العرب، وفي المدن التي عاش فيها، عرفه الفقراء قبل الأغنياء، لم يكن يمر شتاء إلا ويكتب على فيس بوك:“كل شيء جميل في الشتاء إلا ارتعاشة الفقراء.. اللهم ارحم كل فقيرًا يرتعش بردًا”.

ساهم في أعمال الخير بصمت، دعم الأيتام، وشارك في مبادرات إنسانية، وكان أحد المتطوعين المحبين في مستشفى 57357، لم يكن يحب الظهور، كان يفعل الخير لأنه “يقربه من الله ويمنح قلبه طمأنينة لا تُشترى”.

صوت ندي.. وإمامة محبّة

كان أحمد محبًا للصلاة، حريصًا على أدائها في المسجد، بل وكان إمامًا للمصلين أحيانًا بصوته العذب الندي، يقرأ القرآن بخشوع يُبكي المصلين. كان يقول:"حين ترتفع تكبيرة الإحرام؛ تسقط كل هموم الدنيا".

أحمد عبد العليم..وطني الهوى.. غير متعصب.. مُحب للنجاح المصري

رغم أنه كان زملكاويًا هادئًا غير متعصب، إلا أنه كان يعشق أبو تريكة كرمز إنساني قبل أن يكون أسطورة كروية، وكان فخورًا بما يحققه محمد صلاح عالميًا..كان يرى أن كل قصة نجاح مصرية تُشعل فيه جذوة الأمل ويقول:"النجاح المصري مش نجاح شخص.. ده نجاح وطن كامل".

عائلة تشبه الروح في قلب أحمد عبد العليم

أمه أستاذة أسمهان كانت له البوصلة، لا يبدأ عملًا دون دعائها، ولا يطمئن قلبه قبل أن يستشيرها، أما شقيقته رشا، فكان يقول لها دائمًا:"أنتِ أمي وأختي وحبيبتي وصاحبتي الانتيم"، أما والده الأستاذ عبد العليم فكان يصفه بـ"الحب كله" وفي قلب كل هذا، كان يحلم أن يربي ابنه "سليم" على نفس القيم: الرحمة، الحب، والامتنان لله.

فلسفة المهندس أحمد في الحياة

كان مقتنعًا بمقولة كتبها مرة على جدار قلبه قبل صفحته:"عظمة النجاح أن تصحح أخطاءك أولًا بأول، وتستفيد منها كي تستعيد قوتك".

 

المهندس أحمد عبد العليم وزوجته الدكتورة اية سلمان، فيتو
المهندس أحمد عبد العليم وزوجته الدكتورة اية سلمان، فيتو

قصة حب تنتهي بالزواج

في يناير 2020، بدأ أحمد فصلًا جديدًا من عمره، حين ارتبط بفتاة حلمه وطريق قلبه، الدكتورة آية سلمان. لم تكن قصة حب عادية، بل كانت حكاية نضج ومساندة، روحين تُكملان بعضهما، يُدعمان بعضهما في مسار الحياة، حتى جمعهما بيت واحد، وقلوب أحبتهما، ثم الآن بوابة الرحمة في مقعد واحد نحو الجنة بإذن الله.

تركنا أحمد، لكن أثره لم يتركنا.. ترك طيبة تُروى، ومواقف تُحكى، ورسالة تقول:الحياة قد تكون قصيرة، لكنها تسع الخير والحب والإنسان إن صدقت النيّة.

الرحيل الذي أبكى القلوب

رحيله مع زوجته وطفله الرضيع لم يكن حادثًا عاديًا بل كان وجع وطن كامل، كان رحيل نور من قلب بيت، ورحيل قدوة من قلب حياة، ورحيل دفء من قلب عائلة. كان رحيلًا هزّ القلوب، لكنه - بإذن الله -ميلاد لرحمة أوسع، ودار أبقى، وجنة عرضها السماوات والأرض.

أحمد عبد العليم ونجله سليم، فيتو
أحمد عبد العليم ونجله سليم، فيتو

 

حلم لم يكتمل.. وطفل حمل معه الحلم إلى السماء

بعد زواج جمعه بالدكتورة آية في يناير 2020، ظل أحمد لأربع سنوات ينتظر أجمل هدية من الله..ينتظر سليم، كان يقول لمن حوله:"عايز سليم يشرفني ويشرف بلده.. أشوفه ناجح ورافع راسي".

 

رحيل أحمد وأسرته إلي السعودية من أجل فرصة أفضل

وقبل 5 أشهر غادر المهندس أحمد عبد العليم وطنه باحثًا عن فرصة عمل أوسع، يحمل يقين قلبه ويحتضن زوجته ونجله الرضيع سليم صاحب السبعة أشهر، وكأن الدنيا بدأت تفتح لهم صفحات الأمل، لكن في لحظة عابرة على طريق السفر، انغلقت الدنيا وفتحت لهم أبواب السماء، فرحلوا جميعًا إلى خالق الخلق في حادث سير، تاركين الحياة وذاكرة لا تُنسى.

 

لم يكن يتمنى له فقط النجاح الدراسي، بل كان يحلم أن يرى فيه نسخة من قلبه، يحمل طيبته، وصدقه، وحب الوطن، ويكمل ما بدأه أبوه في دروب الخير والعطاء، لكن القدر لم يمهله، لم يمهل الأب أن يرى حلمه يكبر، ولا الأم أن تحتضن طفلها طويلًا، ولا سليم أن يعرف كم كان محبوبًا قبل أن يفتح عينيه على الدنيا.

رحل أحمد وآية وسليم معًا 

كأن الله أراد أن تُكمل الأسرة رحلتها كما بدأت..مجتمعين، متحابين، متجاورين، إلى جنة لا تعب فيها ولا فراق.

اللهم ارحم أحمد وآية وسليم، واجعل قبرهم نورًا ورحمة، وبلّغهم أمان الوطن الذي لم يعودوا إليه، واجعلهم من الفائزين بجنات النعيم، ليس الراحل من فارق الحياة.. الراحل الحقيقي هو من يرحل ولا يُذكر.. وأحمد سيبقى ذِكرى لا تُنسى.