أحمد نصير يكتب: يحيى أبو الفتوح.. عندما يتصرف المسئولون بمنطق المشجعين
لم تكن أزمة يحيى أبو الفتوح، نائب رئيس البنك الأهلي، مجرّد "زلة لسان" أو طُرفة عابرة.. ما قاله عن أن "التعليم بايظ… وعلشان كده فيه أهلاوية كتير"، و"نجاح البنوك سببه أن المسئولين فيها زملكاوية"، لم يكن مجرد تعبير عن انحياز رياضي. بل كان انكشافًا مؤسفًا لطريقة تفكيرٍ مسئول كبير.. تفكير يستخفّ بالناس، ويخلط بين مواقع المسئولية ومقاهي التشجيع.
القضية ليست أهلي وزمالك، ولا مباراة انتهت بكأس أو لقب. القضية في دلالات خطيرة تتجاوز مدرجات الملاعب إلى عمق مؤسسات الدولة. ماذا يعني أن يصدر مثل هذا الكلام من مسئول مصرفي في موقع مهم، موقع يرتبط بالاقتصاد القومي، وثقة المواطنين في المنظومة المصرفية؟
إن أخطر ما في تصريح أبو الفتوح ليس التهكّم على جماهير الأهلي، ولا السخرية من تدهور التعليم، ولا ادعاء أن النجاح مرتبط بانتماء كروي… أخطر ما فيه أنه يطيح بحدود الدور العام. مسئول في مؤسسة مالية يتحدث وكأنه ناشط أو مشجع في بث مباشر عابر أو صديق يمازح أصدقاءه في جلسة خاصة. هذه ليست "دعابة"، بل خلل في إدراك طبيعة المنصب، وحدود ما يُقال وما لا يُقال.
عندما يقول نائب رئيس أكبر بنك حكومي في مصر إن “التعليم بايظ”، فهو لا يطلق نكتة، بل يصدر إدانة رسمية – حتى لو لم يقصد – لمنظومة حكومية هو جزء منها. لقد حاول الرجل الاعتذار، وقال إنها “مداعبة غير مقصودة”. لكن فداحة المضمون تجعل الاعتذار وحده غير كافٍ، لأن المسألة لم تعد مسألة “مزحة”، بل تعبير عن ثقافة استعلاء قد تثير الفتن.
إن مصر ليست بحاجة إلى إشعال فتنة جديدة بين جماهير الأهلي والزمالك، ولذلك كان منطقيًا أن يقدم النادي الأهلي شكاوى رسمية إلى وزراء المالية والتعليم والشباب والرياضة ومحافظ البنك المركزي والنائب العام. الأمر لم يعد خلافًا بين جماهير، بل تعليقًا صدر عن شخص يحمل صفة رسمية، وينسب النجاح أو الفشل لميول كروية. هذا يتجاوز الرياضة إلى مساحة مقلقة ويجرح قيمة المنصب قبل أن يجرح الجمهور.