فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

محمد عبد الجليل يكتب: لماذا "هرب" كمال الدالي من معركة الانتخابات الأخيرة؟.. الاستقالة المُزلزلة وقصتي مع الجنرال الذي "راوغ العفريت" في 2013.. أسباب الانسحاب الآن

اللواء كمال الدالي،
اللواء كمال الدالي، فيتو

جاءت استقالة اللواء كمال الدالي، القيادي الأمني والمحافظ السابق، من حزب الجبهة لتشكل صدمة ومفاجأة مزلزلة في صناعة القرار، لأنها لم تكن متوقعة أبدًا، ويبدو أن وراءها حكايات ومفاجآت أخرى لم تُكشف بعد.

​فمن يعرف تاريخ هذا الرجل ومسيرته، يدرك جيدًا أنه ليس من القادة الذين يتركون "الميدان" أو ينسحبون بسهولة أو عن رغبة في التقاعد الهادئ. هو "جنرال" يعرف كيف يلاعب العفريت.

ولفهم طبيعة هذا الرجل، وكي ندرك لماذا يُعد انسحابه لغزًا، سأقص لكم قصة قصيرة كنت طرفًا فيها شخصيًا، وتكشف كيف استطاع اللواء كمال الدالي، بصفته مدير أمن الجيزة حينها، أن يُنقذ الموقف!!

في صيف 2013، كان الهواء محملًا بالتوتر، تجاوزات بعض أمناء الشرطة الذين يمثلون الشريحة الأكبر والأكثر تنظيمًا داخل وزارة الداخلية – وصلت إلى حد استفزازي لا يمكن السكوت عنه.

 حادثة الاعتداء على فتاة في الساحل كانت بمثابة "القطرة التي أفاضت الكأس"، ودفعتنا في جريدة وموقع "التحرير"، تحت قيادة إبراهيم عيسى، لاتخاذ موقف حاسم.

بصفتي رئيس قسم الحوادث حينها، كلفت القسم برصد وتوثيق كل هذه التجاوزات، الهدف لم يكن مجرد خبر، بل حملة تطهير لا تقبل المهادنة.

في غرفة التحرير، عُقد الاجتماع الناري الذي ضم الداهية نصر نعيم (الذي صاغ العنوان)، ومحمد الأشموني، ومحمد رشدي، وتهامي البندراي، وبعد نقاش محتدم، صدر الحكم الصحفي الذي هزّ عرش أمناء الشرطة!

العنوان القاتل: "أمناء الشرطة ورم خبيث في جسد وزارة الداخلية"

وطبعا كتبنا في المتن التجاوزات، وأشرنا إلى أن هذا سلوك بعض أمناء الشرطة! 

بمجرد صدور الجريدة، تحول العنوان إلى نقطة اشتعال، لم يكن الرد من الوزارة بل من القاعدة: تجمهر مئات، وصلوا إلى ٦٠٠ أمين شرطة غاضب، في طريقهم إلى مقر الجريدة بشارع سوريا! في هذه اللحظة، ظهر اللواء كمال الدالي، مدير أمن الجيزة حينها، على مسرح الأحداث، كان يعلم أن أي صدام بين الصحافة والأمن في تلك الفترة المتوترة يعني كارثة سياسية وأمنية.

 مكالمات الإنقاذ!

بدأت محاولاته الحثيثة للاتصال بي، لكنها لم تنجح في البداية.

لجأ الدالي إلى الزميل والصديق العزيز المشترك خالد إدريس، مدير تحرير جريدة الوفد وقتها، الذي كان برفقته. خالد اتصل بي ونقل لي الرسالة العاجلة: "اللواء كمال بيبحث عنك... أنت عملت مصيبة كبرى!"

المشهد المتفجر: أكد الدالي في اتصاله بي أن الأمناء الغاضبين يتظاهرون بالفعل في فناء المديرية، والموقف على وشك الانفجار.

كان قراره الفوري، الذي لم يكن خيارًا: "لابد من الذهاب إلى وزارة الداخلية لمقابلة وزير الداخلية."وكان اللواء محمد إبراهيم في ذلك الوقت!

كانت تلك اللحظة هي الدليل القاطع على حنكة هذا الرجل. لم يكن يريد مواجهة ولا اعتذارًا، بل أراد نقل الأزمة من الشارع الملتهب إلى مائدة صناعة القرار، مُعترفًا ضمنيًا بقوة الصحافة كطرف لا يمكن تجاهله. لقد أثبت الدالي أنه رجل سياسي من طراز فريد، يستطيع أن يلاعب العفريت!

كيف استوعب "القوة التي لا تُقهر"؟

في 2013، كانت قوة أمناء الشرطة قوة مُفجّرة بسبب عددها، تنظيمها، وشعورها بالاستهداف بعد الثورة، نجح الدالي في احتواء الأزمة لسبب واحد رئيسي: إنه يفضل الدماغ على العضلات.

 قراءة الخصم (الأطراف): أدرك أن المشكلة ليست في الأمناء فقط، بل في قوة الكلمة التي أطلقتها جريدة "التحرير". الحل ليس في قمع الأمناء، بل في انتزاع فتيل الغضب من الصحيفة عبر إشراكها في عملية الحل.

نقل المعركة إلى الوزارة كان بمثابة "مناورة تكتيكية"؛ سحب الأزمة من الشارع أمام الجريدة – حيث الكاميرات والتغطية المباشرة – إلى الغرف المغلقة والرسمية.

اللغز الأشد إثارة: لماذا هرب "اللاعب الأول" من النهاية؟

هذا هو السؤال الذي يبقى معلقًا: رجل بهذه الكفاءة والحنكة السياسية، تدرج ليصبح مديرًا للأمن العام ثم محافظًا للجيزة لسنوات، لماذا يختار الاستقالة من حزب الجبهة في ذلك الوقت  والاعتذار عن خوض انتخابات الإعادة لمجلس النواب الحالي! هل هناك صراع الرجل اكتشفه ففضل الابتعاد ام هناك شيء آخر!!

الانسحاب الصامت لرجل "راوغ العفريت" يوحي بـ "أمر ما شديد جدًا" خلف الكواليس، يتجاوز مجرد الرغبة في التقاعد.ف

الرجل  القيادي القادم من خلفية أمنية يعرف جيدًا أن البقاء في القمة لفترة طويلة يُعرض صاحبه للتقييم المستمر وقد يؤدي إلى "الإعفاء" بقرار. 

الدالي آثر تأمين تاريخه بـ "الاستقالة المُشرّفة"؛ ليقول إنه هو من اختار متى ينتهي الدور، لا أن يُختار له..