محمود السعدني: الولد الشقي الذي دون التاريخ بسخرية بين "الزنازين" ومرارة المنفى
محمود السعدني ـــ ولد في مثل هذا اليوم 20 نوفمبر 1927 ــ من أشهر الكتاب الساخرين في العالم العربي، أحد ظرفاء العصر، أحد كبار كتاب الصحافة المصرية، لقب بالولد الشقي، طاف بلاد العالم وكتب عن كل ما رآه في رحلاته، سجن أكثر من مرة بسبب آرائه، كوَّن حوله شلة من كتاب عصره واتخذ من قهوة عبد الله مقرًّا للقاءاتهم، رحل عام 2010.
ولد محمود عثمان إبراهيم السعدني الشهير بـ محمود السعدني في محافظة المنوفية، وهو شقيق الفنان الراحل صلاح السعدني، وعمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في بداياته، وكانت انطلاقته الكبرى من مجلة الكشكول التي كان يصدرها مأمون الشناوي.
من الكشكول إلى جريدة الجمهورية
وعمل الكاتب محمود السعدني في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي، لكنْ بعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان استبعد السعدني من الجريدة مع عدد من زملائه منهم بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي، انتقل بعدها إلى الكتابة في مجلة روز اليوسف مديرًا للتحرير وكان إحسان عبد القدوس رئيسًا للتحرير.

تعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب كتاباته حتى إنه ترك مصر إلى بيروت والكتابة بصعوبة في جريدة “السفير”، ثم سافر عام 1976 إلى أبو ظبي للعمل كمسؤول عن المسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم بالإمارات، ثم عمل صحفيًّا في تحرير جريدة “الفجر” الإماراتية، ثم عمل في جريدة السياسة الكويتية، ثم أصدر مع آخرين من لندن مجلة "23 يوليو" معارضة لحكم السادات.
قهوة كتكوت آخر مؤلفاته
من أشهر مؤلفات الكاتب محمود السعدني: الولد الشقي في أربعة أجزاء، الطريق إلى زمش، مسافر على الرصيف، أمريكا يا ويكا، الموكوس في بلاد الفلوس، المضحكون، حمار من الشرق، تمام يا أفندم، رحلات ابن عطوطة، وكان آخرها قهوة كتكوت.

في مجلة صباح الخير عام 1968 وفي مذكرات محمود السعدني باسم "الواد الشقي" كتب مقالًا ساخرًا يحكي فيه تجربة حياته قال فيه: السفر هو هوايتي الوحيدة ومتعة حياتي التي لا أشعر بتخمة منها، بل البهجة والسعادة، ولكن أشعر دائمًا أنني في حاجة إلى المزيد منه.
أحب الحياة مع الناس
يقول محمود السعدني: أنا من النوع الذي لا يهوى الفرجة على الآثار، ولا قضاء الوقت في المتاحف، لكن أحب الحياة مع الناس، أعيش وسط الزحام، ولي في كل بلد سافرت إليها أصدقاء وأحباء أحن إليهم وأشتاق إلى رؤيتهم، وأتمنى أن أذهب إلى لقائهم بين الحين والحين".

وعلى طول ما لفيت ونطيت في الداخل والخارج، إلا أنني آسف وحزين لأني لم أذهب إلى بعض بلاد مصر وقراها التي أتمنى لو تتاح لي الظروف لزيارتها في وقت قريب، فأنا مثلًا حتى هذه اللحظة لم أزرْ مدينة المنيا، ولم أشاهد سوهاج إلا من خلال نوافذ القطار على الطريق إلى أسوان مثلًا.
ولم يقع بصري بعد على شاطئ السلوم، ولم أتفرج على واحة سيوة، والواحة الوحيدة التي زرتها هي واحة الخارجة، وقد زرتها في ظروف أتمنى على الله ألا تعود حيث كنت نزيل سجنها. إلا أن أحب البلاد إلى نفسي هي مديرية الجيزة لأني عشت حياتي فيها وخاصة قهوة عبد الله.
المكان الذي أعشقه والتي تتوسط ميدان الجيزة. ولمنطقة القنال منزلة خاصة في نفسي وكذلك مسقط رأسي قرية قناطر القربين محافظة المنوفية، حيث أشعر نحوها بحنين دافق فياض. ولا أكره في حياتي إلا رؤية المقابر ولقاء رجل أكرهه، ولا أشعر باحتقار في حياتي إلا للرجل الندل والمرأة التي تخون بلا سبب.
لم أرث إلا الفقر والديون
وأضاف محمود السعدني: لا أهتم في حياتي إلا بالطعام الجيد والملابس الفاخرة، ولكني لا أشعر بأي رغبة في اقتناء النقود، ولا أسعى للحصول على شيء أتركه لأولادي إلا السمعة الطيبة والذكر الحسن. وقد تعلمت من تجربة حياتي أن الميراث لا يصنع الرجال، ولكنها التجربة والرغبة في قهر الظروف السيئة وأنا نفسي لم أرث شيئًا إلا الفقر والديون، ومع ذلك استطعت أن أخرج من مصيدة الحياة الضيقة.