فخٌّ لتقسيم البلاد أم فرصة لوقف الحرب.. سيناريوهات الهدنة الأمريكية بين الجيش السوداني والدعم السريع.. وخبراء يطالبون بتفكيك الميليشيات المسلحة
تثير الهدنة الإنسانية التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن مبادرة الرباعية الدولية التي تضم واشنطن والرياض وأبوظبي والقاهرة لمدة ٣ أشهر حالة من الجدل خاصة في الشارع السوداني؛ فهناك من يرى أن الهدنة فرصة لوقف نزيف الدم السوداني وإنهاء جرائم مليشيا الدعم السريع بعد سيطرتها على أغلب ولاية دارفور، والبعض الآخر يرى أنها فخ يعطي الفرصة لمليشيا الدعم بإعلان دولة جديدة في دارفور وهو ما يسمح بمرور سيناريو تقسيم السودان.
وتسببت المجازر التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في ولايات إقليم دارفور وخاصة مدينة الفاشر في تحريك المجتمع الدولي والقوى الدولية لإنهاء الحرب السودانية السودانية التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين.
ودفعت التقارير التي نشرتها المنظمات الحقوقية والإنسانية بشأن الأوضاع المأساوية في السودان المجتمع الدولي للضغط على طرفي الصراع لوقف الحرب فورا وبدء هدنة لوقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة.
من جانبه قال السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية الأسبق، الهدنة الإنسانية المقترحة بين أطراف النزاع في السودان هي جزء لا يتجزأ من خارطة طريق وضعتها لجنة الرباعية الدولية (مصر، أمريكا،السعودية،الإمارات) وهذه الهدنة لمدة 3 أشهر لوقف إطلاق النار يعقبها هدنة لمدة 9 أشهر، مضيفا أن الهدنة الأولى تتضمن إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة والتي تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية كما تمهد لحوار سياسي شامل بين كافة مكونات المجتمع السوداني من أجل تشكيل حكومة مدنية انتقالية تكنوقراط للمرحلة الانتقالية التي تكون مدتها سنة وتمهد لانتخابات حرة وشفافة وهذه الهدنة ليست فخا يستغله الدعم السريع لاستقلال دارفور.
وتابع صلاح حليمة: هناك مجموعة تأسيس والتي تضم الدعم السريع ومجموعة سياسية شكلت حكومة موازية وهو ما يشكل تهديدا لوحدة السودان وسلامة أراضيه، خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على إقليم دارفور وهناك معارك في شمال كردفان وجنوبها، مستطردا: الحكومة الموازية التي شكلها الدعم السريع لا تحظى بقبول أو اعتراف دولي بل هناك معارضة لها وفي المقابل هناك اعتراف إقليمي ودولي بالنظام القائم في السودان المتمثل في مجلس السيادة بقيادة عبدالفتاح البرهان.
وأكد صلاح حليمة أن معظم الدول والمنظمات الدولية متمسكة بوحدة السودان وسلامة أراضيه ورفض الاعتراف بأي كيان مواز للحكومة الحالية أو مجلس السيادة السوداني، والتأكيد على المحافظة على المؤسسات الوطنية السودانية وعلى رأسها الجيش السوداني، موضحا أن هناك توجهها في الوقت الحاضر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والذي ظهر على لسان وزير خارجيتها مارك روبيو، وهو فرض عقوبات على مليشيا الدعم السريع ووضعها على قوائم الإرهاب وطالبت الدول بوقف إمداد الدعم السريع بالسلاح وهو ما يؤكد على الموقف الأمريكي الداعم لخارطة الطريق التي وضعتها الرباعية الدولية.
ونوه صلاح حليمة إلى أنه طبقا لرؤية الرباعية الدولية وهي تتطابق مع الرؤية المصرية أن يتم إحياء المسار الأمني العسكري وكذلك إحياء النتائج التي توصل إليها منبر جدة، والتي كان من ضمنها انسحاب مليشيا الدعم السريع من الأعيان والمنشآت الحيوية، وهناك حديث أن يتم تطوير القوات المسلحة السودانية باعتبارها المؤسسة الوطنية التي تحافظ على أمن ووحدة البلاد، مذكرا بأن المحادثات الحالية تدور حول فصل القوات المسلحة السودانية عن أي قوى سياسية والدعم السريع مليشيا يتم تفكيكها ثم دمجها بالقوات المسلحة، هذا ما يتم التباحث بشأنه في الوقت الراهن.
ونوه صلاح حليمة إلى أن الخارطة التي وضعتها الرباعية الدولية حددت آلية تفكيك مليشيا الدعم السريع ودمجها في القوات المسلحة السودانية والشرطة والمجتمع المدني وفقا للآلية الدولية المعروفة باسم " DDR" موضحا أن الخارطة التي وضعتها الرباعية الدولية تحدد على فصل أي قوة سياسية عن المكونات العسكرية سواء الجيش السوداني أو الدعم السريع وفي الحالتين يحق للقوة السياسية المنفصلة عن الجيش أو تلك المنفصلة عن الدعم السريع المشاركة في المسار السياسي بدءا من المرحلة الانتقالية وحتى يتم إجراء الانتخابات.
وتابع: وفي حال رفض أي قوة سياسية الانفصال عن المكونين العسكريين (الجيش والدعم السريع) لا يحق لها المشاركة في المسار السياسي.
وأكد صلاح حليمة أن اللجنة الرباعية وظيفتها أن يتم تنفيذ خارطة الطريق في السودان كما هو مخطط لها وممارسة الضغوط على طرفي الصراع بالإضافة إلى أن المجتمع الدولي سيشكل مجموعة اتصال دورها مراقبة الأوضاع في السودان والضغط لتنفيذ خارطة الطريق بمساراتها الأربعة السياسي والأمني والعسكري والبعد الإنساني وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتردية ثم مسار إعادة الإعمار.
وأوضح صلاح حليمة أن هناك ضغوطا على الدول والقوى الإقليمية التي تدعم مليشيا الدعم السريع خاصة بعد أن أصبحت صورة هذه الدول مشوهة بسبب الجرائم التي ارتكبتها المليشيا ضد المدنيين في السودان.
وفي السياق ذاته قال الدكتور عادل الفكي، الخبير السوداني، إن الحديث عن الهدنة إذا وافق عليها الجيش السوداني خلال هذه الفترة ستمثل فرصة لمليشيا الدعم السريع لتوطيد وجودها في منطقة الفاشر ونياله والجنينة.
وأضاف الدكتور عادل الفكي أن مجلس الأمن والدفاع السوداني رفض مقترح الهدنة بصورة كاملة وتحدثت الحكومة السودانية أنها تجري محادثات ثنائية مع كل من مصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وذلك لبحث الترتيبات التي تلي وقف الحرب في السودان.
وأوضح الدكتور عادل الفكي أن محادثات الحكومة السودانية أثمرت عن نتائج إيجابية إزاء الملف السوداني وساهمت في تركيز المجتمع الدولي مع الملف السوداني بدليل زيارة وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي لبورتوسودان، وأسهمت كذلك في ظهور تصريحات من وزير الخارجية الأمريكي أدان فيها بصورة واضحة مليشيا الدعم السريع وأدان الدول الداعمة لها.
وأكد الفكي أن الهدنة بهذا المفهوم بأن تبدأ بـ3 أشهر ثم 9 أشهر ليست مقبولة للحكومة السودانية ومجلس الدفاع السوداني.
وتابع الفكي: مليشيا الدعم السريع لم تتوقف عن العمليات بتاتا بعد السيطرة على مدينة الفاشر، فهي تحاصر الآن مدينة بابنوسة في جنوب غرب السودان بولاية كردفان الكبرى واحتلت مدينة بارا وهي تتجه الآن إلى مدينة الأبيض.
وأشار الفكي إلى أن الجيش السوداني يعمل بطريقة منظمة الآن سواء عمليات برية أو طلعات جوية عن طريق سلاح الطيران والمسيرات للتصدي لتحركات مليشيا الدعم السريع وبالفعل خلال الأيام الماضية تم تنفيذ ضربات محكمة ضد خطوط إمداد مليشيا الدعم السريع خاصة القوات القادمة من منطقة المثلث الحدودي وأي فترة هدنة ستساهم في زيادة قوة الدعم السريع.
واستطرد: الجيش السوداني قام بتحديث قواته خاصة الطائرات والمسيرات للتصدي لمليشيا الدعم السريع.
ونوه عادل الفكي إلى أنه حدث تغير في الموقف الدولي تجاه مليشيا الدعم السريع والدول الداعمة لها بسبب جرائم الحرب والمجازر التي ارتكبتها المليشيات بحق الشعب السوداني.