حكاية جامع الورد بدمشق وأسمائه وقصة بنائه
يعرف جامع الورد تاريخيًا بجامع «برسباي» أو الحاجب، وذلك نسبة لبانيه الأمير برسباي الذي تولى نيابة طرابلس وحلب، ويقع جامع الورد خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في حارة الورد ضمن حي يُدعى (سوق ساروجة) إلى الشمال الغربي من سور المدينة القديم وفيما يلي نستعرض معكم حكاية جامع الورد بدمشق وأسمائه وقصة بنائه.
سويقة صاروجا
هذا الحي العريق أطلق عليه في الماضي اسم "سويقة صاروجا " نسبة إلى باني السويقة الأمير المملوكي (صارم الدين صاروجا المظفري).
وقد ازدهرت السويقة وصارت سوقًا كبيرًا وسكنًا وازدهرت في القرنين الثامن والتاسع عشر فأصبحت من أكثر مناطق دمشق حيويةً وازدهارا، فطغى عليها اسم (استانبول الصغيرة) لكثافة التواجد العثماني في معظم أحياء السويقة، وخاصة سكن الضباط والموظفين الحكوميين (الميريي) الأتراك فيها.
وقد ازدهرت تلك السويقة في العصر الأيوبي وكانت تسمى العوينة وبدأ فيها ظهور المدارس أولًا، فبنت السيدة فاطمة خاتون ست الشام ابنة نجم الدين أيوب مدرستها الشهيرة (المدرسة الشامية الكبرى البرانية ) كذلك تم إنشاء الترب: كالتربة النجمية، والتربة المعينية (التربة العلائية)، علاوة على جامع التوبة أهم وأشهر مساجد الدولة الأيوبية، كونه تحفة إسلامية تضاف إلى الكثير من التحف التاريخية المنتشرة في دمشق والعالم الإسلامي.
وسُميت المنطقة بأسرها (حارة الورد) لوجود "حكر الورد" بها وكانت مشهورة بزراعة الورد الشامي الجوري المشهور عالميا باسم وردة دمشق ( روزا دام أسينا ) ذو الرائحة النفاذة، ويقال إن المنطقة بأسرها كانت تشرب من عين صافية فياضة رقراقة باردة تُدعى "عين الكرش " في سوق صاروجا وتبعد هذه العين عن جامع الورد شمالًا حوالي 300 متر، حيث مياه هذه العين كانت تشكل بحرات متتابعة تغمر المنطقة بأكملها قبل الغزو العمراني للمنطقة، وكانت الملاذ الصيفي لسكان الشام في نهايات القرن التاسع عشر ويقضون – سيران - أوقاتًا سعيدة بجانب هذه العين.
لكن للأسف الشديد جفت هذه العين وغارت مياهها مع الزمن، وانحسرت المياه التي كانت تغذي جامع القرمشي بحارة الورد القريب من سينما السفراء حاليا، وحتى مبنى وزارة المالية بساحة السبع بحرات الحالية، ومياه هذه العين كانت تحوي كمية كبيرة من (الـ بي كربونات الهاضمة) ويشعر شاربها بارتياح كبير في معدته (كرشه) بعد طاسة ماء واحدة منها (ولهذا سميت بعين الكرش).
أسماء جامع الورد وقصة بنائه
ذكرت بعض المصادر أن الأمير سيف الدين برسباي أقام بناء جامع الورد على أنقاض مسجد مملوكي صغير، كان قد شيده من قبل كان يطلق عليه مسجد السبع قاعات، شُيد في موضعه جامع الورد الحالي.ن وقد وسع الأمير سيف الدين برسباي صحنه، ورفع منارته، وبنى بيت الصلاة وجعل له قبة غير موجودة حاليا، وتم إنجاز البناء بيوم الجمعة منتصف شهر رمضان، وجاء بناء الجامع في غاية الحسن والظرف، وكان الجامع يجمع بين الطريق المؤدي من بوابة طريق الصالحية وحتى المدرسة الشامية البرانية لست الشام والموجود حاليا بحي سوق صاروجا.
وقد اختلفت تسميته.. فمنهم من يدعوه: بجامع الورد الكبير كما هي اللوحة القاشانية المعلقة فوق باب الجامع نسبة إلى حكر الورد.
ومنهم من يدعوه: بجامع حمام الورد نسبة إلى حمّام يقع إلى الشمال منه هو حمام الورد الشهير الماثل الى الآن.
ومنهم من يدعوه: بجامع برسباي نسبة إلى الأمير سيف الدين برسباي بن عبد الله بن حمزة الناصري.
ومنهم من يدعوه: بجامع الحاجب نسبة إلى الحاجب الكبير الأمير برسباي الناصري (حاجب الحجاب بدمشق) أثناء ولايته للشام، وهي التسمية القديمة للجامع.
ومنهم من يدعوه: بجامع السبع قاعات ( السبع آعات ـ بالعامية الشامية ) نسبة لأسم الجامع الأقدم منه في نفس الموقع.
ومن المعروف أن بناء المسجد جاء بعد اجتياح تيمورلنك لدمشق، أي أنه نوع من إعادة الإعمار التي بدأت منذ سنة ۸۱۱ هـ (بعد سبع سنوات على رحيل تيمورلنك).
من هو الأمير برسباي الناصري
شيد جامع الورد الأمير برسباي الناصري حاجب الحجاب بدمشق أثناء ولايته للشام، وكان من مماليك (الملك الناصر فرج) ومن خاصكيته، ثم صار من جملة أمراء دمشق، ثم أمسكه (الملك المؤيد شيخ) وحبسه سنين.. ثم أطلقه، فدام بطالًا إلى أن أنعم عليه الأتابك ططر بإمرة بدمشق.
ثم ولاه الملك الأشرف المملوكي حجوبية الحجاب بدمشق، فدام على الحجوبية سنينة طويلة، ونالته السعادة إلى أن نقله (الملك الظاهر جقمق) نيابة طرابلس بعد (الأمير قاني باي الحمزاوي ) بحكم انتقال الحمزاوي إلى نيابة حلب بعد تولية جلبان على نيابة دمشق بحكم موت آقبغا التمرازي.
دام برسباي في طرابلس سنين إلى أن نقل إلى نيابة حلب بعد موت قاني باي البهلوان فدام على نيابة حلب مدة ومرض وطال مرضه إلى أن استعفى عن نيابة حلب لطول مرضه فأعفي واشتغل بالتجارة فخرج من حلب إلى جهة دمشق بتجارة له فتوفي بمدينة سراقب أثناء سفره لدمشق، فغسل وكفن وحمل جثمانه إلي الشام حسب وصيته في تابوت ثم وضع في نعش وصلي عليه بجامع يلبغا ودفن رحمه الله تعالى بتربته لصيق جامع الورد الذي بناه .
وكان رحمه الله جليلًا حشمًا دينًا عفيفًا عن المنكرات والفروج وكان شديدًا على المسرفين فإنه كان يدخل إليه بالسارق أو قاطع الطريق فيقول: خذوه إلى الشرع.. ويدخل إليه بالسكران فيضربه حدودًا كبيرة.. وكان دينًا خيرًا رحمه الله تعالى.
ورد ذكر الجامع في كتاب الآثار الإسلامية في مدينة دمشق للبعثة الألمانية العثمانية التي قامت بإجراء مسح ميداني شامل للأبنية الأثرية والإسلامية صفحة 83، وذكر المؤلف أن جامع الورد يرجح أن يكون هو جامع برسباي الكبير، حسب ما ورد عند الباحث التاريخي النمساوي ألفريد فون كريمر في كتابه طوبوغرافية دمشق عام 1854 للميلاد.
وبحسب ما ذكره المؤرخ الأسكتلندي جيوسيس ليسلي بورتر في كتابه خمس سنوات في دمشق 1850 للميلاد فإن التسمية التي أطلقت عليه في كلا المصدرين آنفي الذكر اسم (جامع القاعات السبع)، ولقد سمي الحي باسم حارة حمام الورد والجامع (جامع الورد) ( راجع بورتر 245 ).
أما وصف البناء فالجامع هو من نموذج المساجد ذات الحرم البسيط. تنتصب في الجنوب مئذنة تطل على الشارع وبجوارها تربة قبتها زائلة، ولم يبق من التربة إلا جدرانها الأربعة ورقبة القبة وكلتاهما من الحجارة النحتية.