صراع العلماء يحرم مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.. دعوات لتشكيل لجنة محايدة لتسجيل الأصناف الزراعية.. وخبراء: الأنواع الجديدة تساهم في حل أزمة الأمن الغذائي
منذ أكثر من عام، شهدت علاقة مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة بالعلماء في الجامعات المصرية انفراجة كبيرة واستثنائية بعد سنوات من الشد والجذب، وذلك بعد أن أقرت لجنة تسجيل أصناف الحاصلات الزراعية تسجيل أصناف أرز الجفاف عرابي 3 وعرابي 4، بعد توجيهات من عدد من الأجهزة التنفيذية للدولة وتدخل مباشر من وزير الزراعة السابق السيد القصير.
وبالنظر إلى أصناف أرز عرابي المقاومة للجفاف التي ابتكرها الدكتور سعيد سليمان أستاذ الوراثة بكلية الزراعة بجامعة الزقازيق، وذلك بعد 14 سنة من الرفض من جانب اللجنة التي كانت ترى أن الأصناف غير مؤهلة للتسجيل، قبل أن تثبت لجنة علمية محايدة تم تشكيلها من علماء كليات الزراعة والمركز القومي للبحوث أن أصناف أرز عرابي تضاهي أصناف مركز البحوث الزراعية في الجودة والكفاءة المطلوبة لتسجيل الأصناف.
وبعد هذه الانفراجة التي أدت إلى تسجيل أصناف أرز عرابي، تواجه أصناف قمح عرابي المقاومة للجفاف والملوحة، التي ابتكرها الدكتور سعيد سليمان أيضًا، نفس مصير أصناف الأرز بعد أن تم رفض تسجيلها أكثر من مرة، وآخرها قبل عامين، وهو ما يعيد التساؤلات حول أسباب الرفض.
ويقول الدكتور سعيد سليمان في تصريحات خاصة لـ«فيتو» إن أصناف قمح عرابي أثبتت كفاءتها عمليًا على أرض الواقع مع المزارعين، خاصة أنها تتحمل الملوحة بقيم تصل إلى 10 آلاف جزء في المليون، وهي نسب عالية تجعل زراعة القمح في المناطق الصحراوية الأعلى في الملوحة ممكنة وبإنتاجية جيدة جدًا، وهو ما اختبرناه في منطقة المغرة بمطروح، وهي من أعلى أراضي الاستصلاح في الملوحة.
ولفت إلى أنه يعمل حاليًا على أبحاث هدفها زيادة قدرة أصناف قمح عرابي على تحمل الملوحة إلى 15 ألف جزء في المليون، لافتًا إلى أن هناك من أصناف قمح عرابي ما يُزرع على مياه الأمطار فقط، وهي مناسبة للزراعة في الساحل الشمالي الغربي والشرقي، وتعطي إنتاجية مميزة، وهو ما اختبرناه عمليًا في مناطق برج العرب والشيخ زويد، ونجحت التجارب مقارنة بأصناف مركز البحوث الزراعية، خاصة أصناف سخا وسدس، نظرًا لأن عمر زراعة تلك الأصناف يصل إلى 150 يومًا، فيما يبلغ عمر أصناف قمح عرابي 125 يومًا، مع قدرة أكبر على مقاومة الجفاف والملوحة، وهي أصناف عرابي 1881 وعرابي 52 وعرابي 56 وعرابي 73.
وأكد سليمان في تصريحاته لـ«فيتو» ضرورة أن تكون لجنة تسجيل الأصناف الزراعية محايدة وليست من علماء مركز البحوث الزراعية فقط، وهو ما حدث عند تسجيل أصناف أرز عرابي التي تم رفضها 5 مرات، وعند تشكيل وزير الزراعة السيد القصير لجنة محايدة من علماء الزراعة في مصر أثبتت أصناف أرز عرابي كفاءتها وتم تسجيلها، بعد أن تفوقت في استهلاك المياه والإنتاجية وتحمل الجفاف على أصناف أرز سخا التي ينتجها مركز البحوث الزراعية.
وطالب سليمان بأن يتم تشكيل لجنة علمية محايدة ودائمة لتسجيل الأصناف الزراعية يشرف عليها جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، كونه يمثل الآن قاطرة التنمية الزراعية في مصر، وأن تضم اللجنة علماء محايدين من كافة الجامعات والمراكز البحثية المصرية لتقييم الإنتاج البحثي التطبيقي لعلماء الزراعة في الجامعات والمراكز البحثية المصرية، وترك الفرصة لتسجيل أصناف مختلفة من المحاصيل المختلفة يمكنها أن تساهم في حل مسألة الأمن الغذائي في مصر.
ومن جانبها، كشفت مصادر بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن لجنة تسجيل أصناف المحاصيل الزراعية تتبع وزارة الزراعة ويرأسها رئيس مركز البحوث الزراعية، وأن اللجنة تتبع أعلى معايير التقييم بشأن تميز الأصناف من حيث الإنتاجية والتماثل وثبات الصفات الوراثية، وتحملها للأمراض المختلفة المشهورة في كل صنف والتي تواجه المحاصيل في البيئة المصرية، وأن عملية التقييم تتم بسرية تامة من خلال عملية تكويد معقدة لا يظهر خلالها في الحقل ماهية الصنف المزروع أو تبعيته لأي جهة أو شخص، وهو ما يجعل عملية التقييم تتمتع بأعلى معايير النزاهة.
وأكد المصدر أن ما يُروّج عن عدم حيادية لجنة تسجيل أصناف المحاصيل الزراعية عارٍ تمامًا من الصحة، وأن اللجنة تضم منذ تأسيسها أعلى الكفاءات العلمية من أبناء وزارة الزراعة ومعاهدها البحثية التي تؤدي أدوارها البحثية والتطبيقية على أكمل وجه، ونجحت على مدار سنوات في مضاعفة قدرات مصر الإنتاجية من المحاصيل المختلفة.
وأشار إلى أن أصناف القمح المصرية التي ينتجها مركز البحوث الزراعية أثبتت كفاءة كبيرة خلال السنوات الماضية في كافة أوجه التقييم، وهو ما أهلها للتصدير في الوقت الحالي إلى العديد من الدول كأصناف متميزة وتجود في ظروف الزراعة المختلفة، حيث تم تصدير تقاوي أصناف القمح المصرية إلى دول السنغال وسلطنة عمان والعراق والإمارات وليبيا، وكثير من الدول التي لديها مشكلات على مستوى المناخ الحار إلى جانب ملوحة التربة ونقص المياه، وهو ما يثبت الثقة الكاملة لتلك الدول في أصناف القمح التي ينتجها مركز البحوث الزراعية.
فيما أكد الدكتور صبحي عبد الدايم، رئيس قسم القمح بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، أن أصناف القمح التي أنتجها القسم على مدار سنوات ساهمت بشكل أساسي في رفع متوسط الإنتاج العام للقمح في مصر من 11 أردبًا للفدان إلى أكثر من 19 أردبًا للفدان، وأن متوسط إنتاج الحقول الإرشادية يصل إلى 25 أردبًا للفدان الواحد بسبب تطبيق المعاملات والتوصيات الزراعية التي تصدرها الحملة القومية للنهوض بمحصول القمح.
وأكد عبد الدايم، الذي يشغل رئاسة الحملة القومية للنهوض بمحصول القمح، أن عدم التزام المزارعين بالتوصيات الزراعية الصادرة عن الحملة يؤدي إلى تراجع الإنتاجية في حقول المزارعين، وهو ما يعتبر خسارة شخصية للمزارع وللدولة التي تستورد كميات كبيرة من القمح لسد الفجوة الغذائية.
وأكد أن وزارة الزراعة تصدر سنويًا خريطة صنفية لزراعة القمح في كافة المناطق بالجمهورية بما يتناسب مع الطبيعة المناخية لكل منطقة وتجنب الإصابات الوبائية بالأصداء.