فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

محمد عبد الجليل يكتب: قصة الأم التي رفضت الحياة بعد فراق ابنتها وماتت في حضنها بالعناية! المنوفية تبكي لوداعهما في مشهد جنائزي لن تنساه القرية!

الأم التي رفضت الحياة
الأم التي رفضت الحياة بعد فراق ابنتها

هنا، خلف ذلك الباب الزجاجي البارد، كانت وحدة العناية المركزة.. الأم تقف، في لهفة وشوق يمزقهما القلق، تستجدي دقائق معدودة لتكون بجوار قطعة من روحها. دقائق مرت كأنها دهر، ثم جاء الإذن من الأطباء، خطت الأم خطواتها المرتعشة، تتنقل بين الأجهزة المعقدة، حتى وصلت إلى السرير الذي يحمل ابنتها.


انحنت الأم بكل ما أوتيت من ضعف وقوة، رفعت يدها لتمسح جبين ابنتها بهدوء حائر، وكأنها تزيل عنه عناء الدنيا. طبعت قبلة حانية عميقة على خديها، وانسابت الكلمات من قلبها لا من لسانها: "اصحى يا حبيبتي، أنا أمك... أرجوكِ افتحي عينيكِ". كان ذلك النداء الأخير، الهمس الذي انتظرت الأجهزة أن يسمعه الجسد الواهن.


لم تمر سوى لحظات قليلة بعد هذه القبلة، وكأن الابنة كانت تنتظر وصول أمها لتودعها، لتطبع تلك القبلة الأخيرة على خديها، ومن ثمّ تنام مستريحة وإلى الأبد. أسلمت البنت الروح لبارئها. وفي اللحظة ذاتها، انهار ركن الأمومة كله. لم تستوعب الأم فكرة أن ابنتها قد رحلت، لم يستطع قلبها أن يحتمل هذا الفقد، فانكفأت على جسد ابنتها البارد، وكأنها تحاول أن تحضنها إلى الحياة من جديد. هي لحظة فاصلة، حيث يقرر فيها الحب أن يلحق بمن أحب، ويسقط الجسد تحت وطأة الحزن الذي كان أكبر من الحياة. الجميع  في صدمة، لم يكن ما حدث للأم مجرد إغماءة عابرة.


لم يكن مجرد غيبوبة حزن مفاجئة. فالقلب الذي عاش طويلًا على صوت ابنتها وضحكتها، وعلى أمل شفائها المستحيل، رفض فجأة أن ينبض في عالم أصبح خاليًا منها.

 

الروح اتخذت قرارها الأخير!

في تلك اللحظة المؤلمة التي اعتقد فيها الجميع أن الأم تحتاج إلى دعم لتقوم من صدمتها، كانت الروح قد اتخذت قرارها الأخير. بعد ساعتين اثنتين فقط من رحيل ابنتها، كانت الأم تُسجل هي الأخرى كمتوفاة على سريرها في المستشفى ذاته.


الأطباء والممرضون الذين اعتادوا على مشاهد الوجع في العناية المركزة، توقفوا مدهوشين أمام هذه النهاية الدرامية. إنها ليست حالة طبية يمكن تفسيرها بتقرير، بل هي تجسيد ملموس لـ "الموت حزنا". الأم لم تمت فحسب، بل ماتت رفضا للاستمرار في عالم لم تعد ابنتها جزءًا منه.

قلب الأم رفض الاستمرار في النبض!

 ففي مستشفى الباجور بمحافظة المنوفية، حيث وقعت الفاجعة، أكد الأطباء أن قلب الأم رفض الاستمرار في النبض بعد تلقي الخبر الصاعق. ساعتان فقط كانت هي الفترة الفاصلة بين موت الابنة ورحيل الأم، وكأن القدر أراد أن يؤكد أن هذه العلاقة كانت روحًا واحدة في جسدين. لم تكن الأم قادرة على تقبل فكرة العودة إلى قريتها تلبنت أبشيش، حيث سيعمها الفراغ القاتل. هي لم تمت بمرض عضوي، بل ماتت حزنًا ووفاءً مطلقًا لروح ابنتها التي كانت ترعاها وتعيش من أجلها.

 

الوداع التاريخي: القرية كلها تخرج لوداع الأم والابنة!

ومع انتشار الخبر الصادم، تحولت قرية "تلبنت أبشيش" بأكملها إلى مأتم جماعي. خرج الأهالي في مشهد جنائزي مهيب لم ولن ينسى من الذاكرة. لقد كان مشهدا تاريخيا؛ مئات، بل وآلاف، من القرويين والمناطق المجاورة، رجالا ونساء وشبابا، تدفقوا لوداع الأم وابنتها في جنازة مزدوجة انطلقت من مسجد العرب.
هذا الحضور الهائل لم يكن مجرد مشاركة في العزاء، بل كان اعترافا جماهيريا بقوة هذا الحب وتجسيدا للتعاطف الإنساني النادر. دموع القرية كلها امتزجت بالدعاء الصادق أثناء توديع النعشين اللذين حملا الأم والابنة إلى مثواهما الأخير. دفنتا جنبًا إلى جنب في مقابر العائلة، لتختم هذه الحادثة المؤثرة قصة حب أبدي، وتؤكد أن الترابط الروحي بين الأم وطفلتها يمكن أن يكسر كل قوانين الحياة والموت.
لقد ظلت قصة الأم التي لحقت بفلذة كبدها في ظرف ساعتين فقط، محفورة في ذاكرة أهل المنوفية، دليلا على أن القلوب النقية تختار أحيانا اللحاق بمن تحب، لتنعم بالسلام في رحاب رب العالمين.