فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الحب في زمن النبوة، لمحات من قصة مغيث وبريرة

مغيث وبريرة.. الحب
مغيث وبريرة.. الحب في زمن النبوة، فيتو

برغم أن البعض يرى أن الحديث عن الحب في زمن النبوة لم يعرف الاختلاف ولا الافتراق إلا أن قصة مغيث وبريرة، التي حدثت في زمن النبوة، وكان  صلى الله عليه وسلم شفيعا فيها ولم تقبل شفاعته تظل واحدة من القصص الملهمة في زمن النبوة، ولعل المتأمل لقصة مغيث وبريرة، في زمن النبوة يستطيع من خلالها استخلاص العبر والعظات.

فهي واحدة من أروع القصص التي وردت في السيرة النبوية، فقصة مغيث وبريرة، كانت مثالا حيا على كيفية تعامله ﷺ مع مشاعر الناس، واحترامه لحقوقهم واختياراتهم، مما يعكس فهمًا عميقًا للطبيعة البشرية واحتياجاتها.

 

حديث مغيث وبريرة

 هذا الحَديث رواه البخاري ومسلم وورد في الكتب الصحاح، وفيه يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ، رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ زَوجَ بَرِيرةَ كانَ عَبْدًا يُقالُ له: مُغيثٌ، ويَصِفُ حالَه بعد فراقِها له كَأنَّه يَنْظُرُ إلَيهِ يَطوفُ خَلْفَها ويتتَبَّعُها في الطُّرُقاتِ، يَبكي، وَدُموعُه تَسيلُ عَلى لِحيَتِهِ، يَتَرَضَّاها لِتَختارَهُ وترجِعَ له، فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعَمِّهِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنه: «يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغيثٍ بَرِيرةَ، وَمِن بُغضِ بَرِيرةَ مُغيثًا!»، أي: ألا تتعَجَّبُ من كثرةِ محبَّتِه إيَّاها، وكثرةِ كُرهِها له، وَعَدَمِ رَغْبَتِها فيهِ؛ وذلك لِأنَّ الغالِبَ أنَّ المُحِبَّ لا يَكونُ إلَّا حَبيبًا.

فكلَّمها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أن ترجِعَ إليه وتظَلَّ زوجَتَه، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أتَأمُرُني بذلك؟ قال: لا، إنَّما أنا أَشْفَعُ فيهِ، يعني: أتوسَّطُ وأطلُبُ منكِ استِحبابًا، لا عَلى سَبيلِ الحَتْمِ، فَلا يَجِبُ عَلَيكِ.فأخبَرَت أنَّها لا تريدُه ولا ترغَبُ فيه!

من هما مغيث وبريرة؟

 بريرة كانت جارية بيضاء، كما يقول ابن جماعة، قيل من الأنباط وهم عوام الروم، وقيل: من القبط وهم أهل مصر، وربما كانت رومية الأصل استوطنت مصر، ثم بيعت لأحد العرب كجارية لكنها حررت نفسها بمقابل تدفعه بالتقسيط، وكانت أول من فعل ذلك في الإسلام وطلبت مساعدة السيدة عائشة، رضي الله عنها، لكي تنال حريتها بأسرع وقت. 

وكانت السيدة عائشة تدرك قيمة بريرة، فعرضت عليها أن تدفع لها ثمن حريتها نقدًا وحالًا. قال الراوي: “ونفست فيها”.

وأتصور أن لها هذا القدر من القيمة العالية فقد سعت إلى الحرية مع صعوبة الطريق وطوله؛ إذ عليها أن تدفع كل عام أوقية من فضة لمدة تسعة أعوام. 

قالت بريرة للسيدة عائشة: “تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني“. ومن دأبها وسعيها أنها سددت أربعة أقساط وعليها خمس أواقي نجمت [قسمت]. 

قال ابن حجر في الفتح: “كانت بريرة جميلة غير سوداء بخلاف زوجها”

 

 حب مستمر رغم الانفصال

أما مغيث الذي كان زوجًا لبَرِيرَة فكان عبدًا أسود. عاشا سويًا ورُزِقا بأبناء، لكن هذه المدة وهؤلاء الأبناء لم يوثقوا الرابطة الزوجية بينهما، وكان الحب من طرف واحد، بينما الطرف الآخر في واد آخر. 

ومع غياب الحب إلا أن الحقوق تصل لأصحابها، وهذا ما نظنه بدين بريرة وخلقها رضي الله عنها.

 استمر هذا الزواج مدة ثم اختارت بريرة الطلاق بعد أن تحررت من العبودية، فطلقت وظل مُغِيث على حبه لها بعد الانفصال، وكان هذا الحب عاصفًا بقلبه، فتمنى أن تعود له زوجة لكنها رفضت رفضًا تامًا، وتدخل النبي ﷺ كشفيع لكي تعود إلى زوجها إلا أنها أصرت على موقفها.