فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

معركة الدولار والأسعار.. تساؤلات حول أسباب استمرار ارتفاع أسعار السلع رغم الانخفاض المستمر للعملة الأمريكية.. الشافعي: دورة رأس المال وتحريك الوقود وزيادة تكاليف الشحن وراء فوضى السوق

ارتفاع أسعار السلع
ارتفاع أسعار السلع مستمر رغم تراجع الدولار، فيتو

يشهد الشارع المصري حالة من القلق والتخوف بسبب استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، أو ثباتها عند مستوياتها المرتفعة، على الرغم من التحسن النسبي الذي سجله سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار في السوق الرسمية خلال الأسابيع الماضية، حيث يثير هذا التناقض العديد من التساؤلات حول أسباب استمرار ارتفاع أسعار السلع بالرغم من الانخفاض المستمر للعملة الأمريكية.

وعلى الرغم من تراجع سعر الدولار في البنوك المصرية ليتداول ما بين 47.5 جنيه إلى 48 جنيها للشراء، لا تزال أسعار العديد من السلع والخدمات في ارتفاع مستمر، مما يخلق مفارقة اقتصادية تستدعي التحليل، والتعمق في العوامل والحلقات المفقودة في هذه القصة التي تشغل الملايين في الشارع المصري.

وعند سؤال الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي، قال إنه بالرغم من التناقض الكبير بين تراجع الدولار وارتفاع أسعار السلع، إلا أن هناك عدة عوامل من الممكن الحديث عنها حول أسباب استمرار جنون الأسعار، والتي تتمثل في الاعتماد على سعر الصرف السابق المرتفع، بمعنى أنه في الغالب تكون السلع المتداولة حاليا في الأسواق، خاصة المستوردة والمصنعة بمكونات مستوردة، قد تم شراؤها وتخليصها جمركيا بأسعار صرف الدولار المرتفعة جدا التي شهدتها السوق السوداء في فترات سابقة، بجانب عامل التكلفة ودورة رأس المال حيث يصر التجار والمصنعون على تسعير منتجاتهم بناء على التكلفة الأعلى التي تحملوها بالفعل، لضمان استعادة رأس المال وتجنب الخسائر، خاصة مع وجود حالة من عدم اليقين بشأن استقرار سعر الصرف على المدى الطويل، كما أن دورة رأس المال والإنتاج تستغرق وقتا لترجمة انخفاض التكلفة إلى سعر بيع نهائي.

وعن باقي أسباب الارتفاع، أضاف الشافعي في تصريحات خاصة لـ"فيتو"، أن من بينها زيادة تكاليف الشحن واللوجستيات، حيث أدت التوترات الجيوسياسية وبالتحديد في البحر الأحمر إلى تحويل مسار السفن وزيادة تكلفة الشحن البحري عالميا، ما يرفع التكلفة النهائية للواردات رغم تراجع سعر الدولار، ناهيك عن زيادة أسعار الطاقة والوقود محليا، والتي بدورها تؤدي أية زيادات في أسعار المحروقات، مما يغذي التضخم بشكل مباشر وغير مباشر، ويطغى على أثر تراجع سعر صرف الدولار.

وتابع: كما يتحكم أيضا في الأسواق عوامل العرض والطلب، وهذا لأن السوق المصري يعاني من فجوة بين حجم الطلب المتزايد وحجم الإنتاج أو المعروض الكلي من السلع والخدمات، وهو ما يخلق ضغوطا تضخمية بغض النظر عن سعر الصرف، بجانب الغياب الفعلي للمنافسة ورقابة السوق.
وأكد الشافعي أن انخفاض سعر الدولار هو شرط ضروري، ولكنه غير كاف لانخفاض الأسعار بشكل فوري ومستدام، حيث يتطلب الأمر وقتا عادة عدة أشهر لترجمة انخفاض أسعار الصرف إلى أسعار المستهلك، شريطة استقرار سعر الصرف عند المستويات المنخفضة لفترة طويلة، وتوافر الرقابة المشددة على الأسواق، وتوفير الموارد الدولارية الكافية لكسر حلقة التضخم وفتح الباب لدورات إنتاجية جديدة بتكلفة استيراد أقل.

ولم يقف حديثنا عند السلع في الأسواق بشكل عام، ولكن عند اختيار سلعة معينة يستخدمها كل بيت مصري، وهي الطماطم، والتي شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الأيام الماضية، حتى يتم التعمق في البحث حولها، واتخاذها كنموذج للسلع التي لم يتمكن تراجع الدولار من التأثير عليها.

وبدأت رحلتنا مع الطماطم للغوص في المنبع، وهو مكان زراعتها، والتي تمر بالعديد من المراحل ما بين تكاليف التقاوي، والمياه، والسماد، وغيرها من التكاليف الأخرى، مرورا بمصاريف النقل حتى وصولها إلى التاجر، ومن ثم الأسواق حتى تصل للمستهلك.

بدأت رحلتنا مع الطماطم من داخل محافظتي سوهاج والمنيا بصعيد مصر، حيث تدور الطماطم برحلة طويلة بين الحلقات الوسيطة لتغزو الأسواق الشعبية أو حتى السلاسل الغذائية لتصل إلى المستهلك بأسعار لا تعبر عن سعرها الحقيقي وسط تبريرات كثيرة.

فالطماطم تزرع في مصر على مدار العام، باختلاف المحافظات وفقا لدرجة الحرارة، لتنقسم زراعتها إلى 4 عروات تبدأ بالعروة الصيفية المبكرة ثم الصيفية مرورا بالنيلية أو الخريفية لنصل إلى العروة الشتوية التي ينتظر المواطنون طرح محصولها مع بداية الشتاء.

وتباع الطماطم إما وهي ثمار أي يتفق المزارع وتاجر الجملة الذي يريد شراء المحصول، على سعر تقديري دون وزن المحصول، وتحديد السعر بالتراضي، أو أن يقوم المزارع بعد حصاد الطماطم بوزن محصوله ثم عرضه للبيع وتحديد السعر.

الأزمة الكبرى في الطماطم تبدأ من البذرة

وفي هذه المرحلة، وبالتحديد بداية من الزراعة، سألنا محمود الحناوي، أحد المزارعين بمركز جرجا في محافظة سوهاج، والذي قال: إن الأزمة الكبرى في الطماطم تبدأ من البذرة، وهي التي للأسف يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة، ولا يوجد هنا توجه من الحكومة لتوطينها وتوفيرها للمزارعين بالجنيه المصري، وهذا بالإضافة إلى عدم وجود الدعم الكافي من الدولة للمزارعين خارج الجمعيات الزراعية سواء من ناحية التقاوي أو السماد، مما يضطر المزارع لشرائه بأسعار مرتفعة جدا حتى يتمكن من الحفاظ على المحصول.

وأوضح أنه يتم استيراد التقاوي من عدة دول أجنبية، وبالتحديد من هولندا، حيث يتم شراء التقاوي بالبذرة، على أن يصل سعر الباكت الذي عدده 5000 بذرة بنحو 8500 جنيه، على أن يصبح سعر البذرة الواحدة 1.5 جنيه، كما تكلف البذرة على صاحب الصوبة 75 قرشا حتى تصبح شتلة، ليصل إجمالي التكلفة 2.25 جنيه، ويتم بيع صينية الشتلات ذات الـ200 عود للمزارع بحوالي 600 جنيه، ليصبح سعر الشتلة الواحدة 3 جنيهات.

ويضيف الحناوي: وبالنسبة للمزارع يتحمل تكلفة كبيرة في زراعة محصول الطماطم، حيث وصل سعر صفيحة السولار إلى 350 جنيها، ويومية العامل إلى 350 جنيها أيضا، وفي النهاية يقوم المزارع ببيع "عداية" الطماطم بـ150 جنيها، مما يجد نفسه في النهاية قد يدفع من جيبه مع انتهاء المحصول أو الحصول على التكاليف التي صرفها فقط.

وعن تكلفة وإنتاج فدان الطماطم، أوضح أن فدان الطماطم يكلف على المزارع حوالي 100 ألف جنيه، وينتج في المتوسط 30 طنا، مضيفا أنه في الموسم يقوم المزارع ببيع العداية ذات الـ25 كيلو جرام بحوالي 25 جنيها، مما يصبح الكيلو الواحد بنحو جنيه واحد فقط، وبذلك فإن الطن سوف يتم بيعه وقتها بحوالي 10 آلاف جنيه.

وعن ارتفاع أسعار الطماطم في الأسواق إلى 30 جنيها للكيلو، تابع: أما في الوقت الحالي وهو ليس الموسم الأساسي وهي شهور فواصل العروات، وهذا لأنه ترتفع الأسعار نظرا لقلة المعروض، حيث تصل قيمة عداية الطماطم من المزارع إلى حوالي 300 جنيه، ليصبح فيها الكيلو بنحو 12 جنيها، كما تصل تكلفة الكيلو الواحد حتى يصل إلى الشوادر الرئيسية في القاهرة أو محافظات وجه بحري ما بين 5 إلى 7 جنيهات، لتصل في النهاية تكلفة الكيلو إلى حوالي 19 جنيها.

وعن مصاريف النقل في الوقت الحالي، يقول: تكلفة نقل الطماطم من محافظات الصعيد إلى القاهرة تصل إلى حوالي 10 آلاف جنيه للحمولة الكاملة، والتي تصل إلى 250 عداية طماطم، على أن تصل تكلفة العداية الواحدة حوالي 40 جنيها للنقل، كما يحصل التاجر الموجود في الشادر على نسبة تتراوح من 5% إلى 8% من قيمة العداية.

وطالب بضرورة اهتمام الحكومة بالمزارعين بشكل عام، ومزارعي محافظات الصعيد مثل سوهاج وقنا والمنيا، وأصحاب المحاصيل الجبلية لأنها تعود على الدولة والاقتصاد بشكل كبير لما لها من أهمية تصديرية عالية، مشيرا إلى أن تجاهل الحكومة لهذه الفئة من المزارعين قد تضطرهم إلى الابتعاد عن الزراعة لما يتعرضون له من خسائر بسبب ارتفاع التكاليف وتراجع أسعار البيع للتاجر، الذي يقوم ببيعها بأسعار مرتفعة للمستهلكين.

 فجوة سعرية

وبذلك فإن هناك فجوة سعرية في أسعار كيلو الطماطم عند احتساب تكلفتها من الحقل إلى التاجر تصل إلى 11 جنيها، وهذا ما يثير عدة تساؤلات حول إلى أين تذهب هذه الفجوة في الأسعار، ومن يحصل عليها، وهل هي هامش ربح للتاجر أم يتم دفع بعض منها في أمور أخرى؟
وعند الانتقال إلى المرحلة الثانية والمتمثلة في أسواق الجملة، فإنه عندما يصل محصول الطماطم إلى تجار الجملة الكبار الذين يشترون الخضروات ويقومون بتخزينها ثم طرحها للبيع في مزادات مثلا أو بالاتفاق لتجار الجملة الآخرين، أو أن يقوم التاجر بطرحها في مزادات أسواق الجملة مباشرة (مثل سوق العبور، سوق أكتوبر.. إلخ).

وفي أسواق الجملة تباع الطماطم بالعرض في المزادات ليعلن سعر الطماطم اليوم، ويحدد السعر وفقا لقاعدة «العرض والطلب»، وهي تعني وفق الكميات المعروضة من الطماطم وطلبات الشراء عليها، فلو كانت هناك زيادة في الكميات وطلبات شراء مناسبة تعني انخفاض السعر، والعكس يعني ارتفاعها.
ومن يشتري من سوق الجملة؟ زبائن أسواق الجملة هم تجار النصف جملة، وتجار الخضروات في أسواق التجزئة، إضافة إلى الباعة الجائلين، وهم الذين ينقلون الطماطم إلى الأسواق بمختلف المناطق.

وعند البحث عن سؤال كيف يحدد سعر الطماطم النهائي للمستهلك؟ يحسب على السعر الأصلي؛ الذي يحدده تاجر الجملة الذي يعلن سعره بعد حسابه لتكلفة (النقل+ المشال+ هامش ربحه)، وعلى حسب عدد الحلقات الوسيطة من التاجر للمستهلك، فإن كل تاجر يحدد سعره على حسب التكلفة التي تكبدها لإيصال الطماطم للسوق، لذلك نجد أسعار الطماطم متغيرة في أسواق التجزئة من سوق لسوق ومن منطقة لأخرى، وذلك بحسب قرب المنطقة من سوق الجملة، وأيضا بحسب الكمية التي اشتراها التاجر لطرحها في السوق (كلما زادت الكمية المشتراه كلما استطاع التاجر طرحها بسعر ينافس نظراءه في السوق).

يشار إلى أن شهر أكتوبر 2025 هو وشهر سبتمبر الماضي يندرجان تحت مسمى شهور فواصل العروات، وتعني أن هذين الشهرين مع بدايتهما تكون نهاية عروة الصيف وبداية عروة الشتاء، وعليه تكون الكميات المطروحة في الأسواق قليلة، لذلك ترتفع أسعار الطماطم في مثل التوقيت من كل عام.

وننتقل إلى أسعار الطماطم الحالية في أسواق التجزئة، حيث بلغ متوسط سعر كيلو الطماطم في أسواق المحافظات نحو 18.9 جنيه، وسجل أعلى سعر لها في الأسواق، نحو 27 جنيها.

وفيما يخص سعر الطماطم اليوم في المحال التجارية والسلاسل الغذائية، يتراوح سعر كيلو الطماطم سائبة من 20 جنيها إلى 33 جنيها، وبلغ سعر طماطم درجة أولى معبأة طازجة وزن كيلو نحو 38 جنيها، وتراوح سعر كيلو طماطم فاخرة «أورجانيك/ زراعة عضوية» من 60 إلى 66 جنيها.

وعند الحديث عن أسباب الارتفاعات في الأسواق مقارنة بتسليمها في الحقول، أكد حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن الارتفاع الملحوظ في أسعار الطماطم مؤخرا يعد ظاهرة مؤقتة ومرتبطة بنهاية العروة الصيفية للإنتاج.

وأوضح النجيب أن الأسواق ظلت تتمتع باستقرار نسبي في أسعار غالبية المنتجات الزراعية طوال الثمانية أشهر الماضية بفضل وفرة الإنتاج.

وأشار إلى أن انتهاء المواسم الصيفية يسبب بالضرورة نقصا في المعروض من أصناف معينة، أبرزها الطماطم، وهو ما ينعكس على أسعارها، مؤكدا أن هذه التحركات السعرية أمر طبيعي ومتكرر في هذا التوقيت من كل عام.

توقع النجيب أن يعود الاستقرار إلى الأسواق مع بداية دخول منتجات العروة الشتوية تباعا خلال الأسابيع المقبلة. ولهذا، من المتوقع أن تشهد أسعار الطماطم تذبذبا صعودا وهبوطا حتى نهاية شهر أكتوبر، قبل أن تعود إلى معدلاتها الطبيعية مع زيادة الإنتاج.

من جانبه، أكد أسامة سيد، تاجر خضراوات، أن أسعار الطماطم متفاوتة بناءً على جودة الثمرة (طازجة أم مخزنة)، حيث تكون الطازجة أعلى سعرا.

انخفاض الكميات المعروضة

وأرجع التاجر السبب الأساسي في ارتفاع الأسعار إلى انخفاض الكميات المعروضة، مشيرا إلى أن درجات الحرارة المرتفعة أثرت سلبا على الثمار، وزادت من الإصابات، مما أضر بإنتاجية الطماطم بالتزامن مع انتهاء العروة الصيفية.

وتوقع سيد أن يستمر ارتفاع الأسعار لكنه لن يصل إلى مستويات قياسية كالتي بلغت 50 جنيها في الماضي، وأن أعلى سعر قد تصل له الطماطم هو 40 جنيها، مضيفا أن أزمة الأسعار المستمرة منذ سبتمبر وأكتوبر، ستبدأ في الانخفاض بدءا من الأسبوع الثاني من نوفمبر مع طرح إنتاج العروة الشتوية.

في سياق متصل، قلل حسن نصر، رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية، من حجم تأثير قرار تحريك أسعار السولار على تكلفة نقل الطماطم، مؤكدا أن الزيادة في التكلفة محدودة جدا.

وأوضح أن تأثير زيادة السولار على سعر كيلو الطماطم لن يتجاوز 5 قروش كحد أقصى، لأن تكلفة النقل تتوزع على كميات كبيرة، مشيرا إلى أن زيادة تكلفة السولار لن تتراوح سوى 3 أو 4 جنيهات لنقل طن كامل من الطماطم.

لكنه حذر في الوقت نفسه من إمكانية استغلال التجار لزيادة أسعار السولار كذريعة لرفع الأسعار في الأسواق بشكل غير مبرر بهدف تحقيق هامش ربح كبير، مؤكدا على أهمية الرقابة على الأسواق لضمان بيع السلع بأسعارها الحقيقية.