فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من "أقوال الصحف" إلى "قلم رصاص".. رحلة حمدى قنديل من مذيع نشرة إلى صوت الحرية

الإعلامى حمدى قنديل
الإعلامى حمدى قنديل

 في مجلة الإذاعة عام 1962 كتب الإذاعي الراحل حمدي قنديل – الذي رحل في مثل هذا اليوم عام 2018 – مقالًا يعترض فيه على حال تقديم الأخبار في التلفزيون، ويشبه حال مذيع النشرة بالجالس على “شلتة”، فقال: «عندما أُذيع الآن "أقوال الصحف في التلفزيون"، أحس أني جالس أنتظر الأخبار على "شلتة"، والمفروض أن أنطلق إليها بصاروخ. إن تلقي أنباء كل هذه الأحداث التي تقع في الدنيا ساعة بعد أخرى، ونحن على مكاتبنا في القاهرة، أمر مثير للأعصاب».

حمدى قنديل 
حمدى قنديل 

وأضاف حمدي قنديل: «ومجرد قراءة هذه الأخبار واستعراضها في النشرات والبرامج لا شك أنه أمر بسيط وبدائي، ليس فيه جهد من مقدِّمه. لذلك فكل ما أحلم به في يوم ميلادي اليوم، طائرة تقذف بي إلى أي مكان في العالم الرحب حيث تقع الأحداث. وتحملني الأحلام – لا الطائرة – إلى كوناكري، أنقل مشهد استقبال شعب غينيا لشهيد الوحدة الإفريقية الحي نكروما، وأسجل نداءه إلى شعب غانا من استاد العاصمة الغينية، وأتخيلني معه هو وسيكوتوري في الطائرة في رحلة خاطفة إلى باماكو».

الاعلامى حمدى قنديل 
الاعلامى حمدى قنديل 

أحلامه مع أحداث سوريا ولبنان

وتابع حمدي قنديل في مقاله: «وتعود أحلامي تحملني – بأسرع من الطائرة – إلى حدود سوريا ولبنان، وأنا أسأل أول الناس الخارجين من دمشق بعد الانقلاب: ماذا حدث؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا قاموا بالانقلاب؟ وأجد نفسي أيضًا واقفًا على الحدود العراقية الإيرانية... هنا طرف الجناح الأيمن لأمتنا العربية».

ثم قال: «ومن هناك إلى القدس، أقف على بوابة مندلبوم وأضع العدسة فوقها لترى على الجانب الآخر... ماذا هناك؟ وأعرف رأي رجل الشارع في الأردن والكويت في الحلف الإسلامي، وأطير إلى إمارات الخليج أكشف بالصورة قبل الكلمة مخطط إيران لخلق إسرائيل ثانية، وأتسلل إلى عدن أصور المظاهرات وأسجل المعارك بين الوطنيين والإنجليز في الجنوب، وأقف على شاطئ البحر الأبيض في ليبيا أسجل خروج أول دفعة من القوات البريطانية التي نادى بجلائها جمال عبد الناصر».

وأضاف «لا زلت أحمل بصمات تلك الأيام، حلوة ومُرّة، عندما حوصرنا ليلةً مع الفريق أول عبد المحسن مرتجي في صرواح، يوم تركنا بن بيلا عام 1962 في وهران لنسبقه إلى العاصمة الجزائرية، لنسجل دخول الثوار الحقيقيين إليها في اليوم التالي. تعطلت سيارتنا، وحملنا آلاتنا وحقائبنا فوق سيارة نقل بطيخ، وجمَّدت البرودة وجوهنا ونحن على ظهرها طوال الليل».

ويواصل قنديل: «يوم دخلت مطار عدن بصفة رسمية وأعصابي تبدو كأنها باردة كمحامٍ ضمن وفد المحامين العرب، يوم رشق الشيوعيون بالرصاص سيارة كنت فيها مع زميلي المصور رشاد القوصي، وكانت مقاومتهم مستمرة لعدة أيام بعد مقتل قاسم. ويوم سافرت إلى تونس في الطائرة "الأنطينوف" واقفًا – فلم يكن فيها متسع للجلوس – حتى إنني نمت واقفًا أيضًا كالخيل! ويوم تسللنا إلى قاعدة المرسى الكبير الفرنسية في الجزائر».

يحلم بركوب الصاروخ

وقال: «لكل ذلك، فأنا أحلم بأن أترك "الشلتة" لأركب الصاروخ. ولذلك أريد أن أقول إن التلفزيون ليس صورة مذيع، ولكنه صورة حدث يقع، وهذه الصورة لا بد أن تتحرك وتتكلم في الوقت نفسه».

شخصية الإعلامي حمدي قنديل

حمدي قنديل إعلامي لامع واستثنائي، ذو طلة مميزة وصوت رخيم وخلق رفيع. اشتهر بالدفاع عن الحقوق والحريات والمبادئ القومية. اصطدم بالسياسة من خلال برامجه المتعددة، وكانت النتيجة إيقافها تباعًا ومن أشهر برامجه "قلم رصاص" و"رئيس التحرير". 

تخرّج في قسم الصحافة بكلية الآداب، وعمل بالتلفزيون المصري عام 1961، حيث قدّم برنامج "أقوال الصحف" ثم نشرة أخبار التاسعة مساءً، واستمر فيها ثماني سنوات، قبل أن يُعين مديرًا للإذاعات العربية عام 1971.

تخصص في الإعلام الدولي بمنظمة اليونسكو، ثم عمل في قناتي MBC وART، قبل أن يعود إلى مصر ليقدم برنامج "رئيس التحرير".
وبسبب تشدد الرقابة معه، انتقل إلى دبي ليقدم برنامج "قلم رصاص"، الذي أُلغي لاحقًا بسبب انتقاده للحكومات العربية وتخليها عن القضية الفلسطينية. 
ورحل حمدي قنديل في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات، تاركًا وراءه إرثًا إعلاميًا وإنسانيًا خالدًا.