قبل ساعات من لقاء ترامب - بينغ، هكذا ربحت الصين الحرب التجارية مع أمريكا وقاومت الضغوط.. بكين تضع قدميها كقوة كبرى في عالم جديد متعدد الأقطاب.. ومصر تحتل مكانة مهمة في مبادرة الحزام والطريق الصينية
يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الصيني شي جين بينغ خلال الساعات القادمة، بينما يعمل المسئولون في البلدين على وضع إطار عمل لاتفاق تجاري، والذي في حال إقراره سيعلق الرسوم الجمركية الأمريكية على بكين، وفي المقابل القيود الصينية على صادرات المعادن الاستراتيجية.
ولكن وفي ظل ارتفاع نبرة الحرب التجارية التي تشنها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبقى السؤال: هل تكسب الصين الحرب التجارية مع أمريكا؟ والإجابة حتى الآن: نعم.
وقد يلتقي الرئيس الأمريكي والصيني وقد يتوصلان لاتفاق ولو جزئي لتخفيف حدة التوتر التجاري بين بلديهما، لكن يجب ألا يُخدع أحد: ما يتكشف أمامنا ليس مصالحة بين قوتين، بل سباق محموم بين عملاقين يسعيان إلى تسليح نفوذهما الاقتصادي.
ورغم أن الصين تبدو الرابح في حرب ترامب التجارية، فإن الانسحاب من نظام التجارة المفتوحة يجعل الجميع في نهاية المطاف خاسرين.
والواقع يشير إلى أن الصين استطاعت صنع معجزة اقتصادية وتكنولوجية على مدى سنوات قليلة حيث تحولت من دولة نامية تعاني من زيادة السكان ومشاكل اقتصادية إلى قوى كبرى تناطح القوة العظمي وقد تتفوق عليها، فما هو السر؟
ببساطة هو العمل والانضباط فهذا هو سر الشخصية الصينية، فقد سافرت إلى الصين أربع مرات على مدى خمسة وعشرين عاما، وكل مرة أجد صين مختلفة أكثر تقدما ونظافة، ولم أرَ كافيهات في كل مكان بل في أماكن قليلة، ولديهم اهتمام كبير بالزراعة ففي كل مكان هناك ورود وأشجار لدرجة أنهم يحيطون الأشجار بأسياج من الحديد حتي تنمو واقفة ولا تميل فتأخذ مساحة أكبر مما يريدون، ويقوم المجتمع الصيني على الزراعة في الأساس فحوالي ٨٠ % من الصينيين فلاحون، ولكن الدولة استطاعت إعادة تأهيلهم ليعملوا ايضا في اعمال البناء وفي المصانع، وهناك اهتمام شديد بالتعليم للشباب وخاصة في مجالات التكنولوجيا والعلوم، ولا يوجد حاليا الكثير من الأشخاص بلا مأوى خاصة في المدن الكبرى على عكس الدول الغربية، فالدولة تضع النظام والشعب يتبعه والجميع يستفيد.
لهذا فقد برزت الصين كقطب جديد في عالم يتشكل ويتغير من عالم القطب الأمريكي الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في السبعينات الي عالم متعدد الأقطاب تحتل فيه الصين مكانة مرموقة،و لكن وفي ظل ارتفاع نبرة الحرب التجارية التي تشنها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبقى السؤال هل تكسب الصين الحرب التجارية مع أمريكا؟ والإجابة حتى الآن نعم.
فهناك مثل صيني يقول: (لا تقتل عدوك فقط انتظر عند حافة النهر وستأتيك جثته)، وهو ما تقوم به الصين بالفعل فهي توجه ضرباتها الاقتصادية بتركيز وبطء في مواجهة الصخب للادارة الأمريكية الحالية وحرب الرسوم التجارية لإدارة ترامب وتنتظر مزيد من إضعاف الاقتصاد الأمريكي، وفي نفس الوقت تركز الصين على مبادرة الحزام والطريق وتؤكد في خطواتها الثابتة انها أصبحت القطب الأكبر المنافس اقتصاديا للولايات المتحدة، حيث تداين الصين امريكا بمبلغ ٨٢٢ مليار دولار نظرا لأن الصين تحتل المرتبة الثانية بعد اليابان في قائمة أكبر الدول التي تملك سندات الخزانة الأمريكية، بمبلغ حوالي 822 مليار دولار. ولكن واصلت الصين خفض حيازتها من هذه السندات حيث انخفضت حيازتها بمقدار 13.6 مليار دولار في يوليو وحده، وبنسبة 17% أي ما يعادل 175 مليار دولار على مدار عام كامل.
وقد شددت واشنطن قيود تصدير التكنولوجيا وهددت بفرض رسوم جمركية أعلى، بينما استخدمت بكين أدواتها التجارية والاقتصادية للرد بالمثل.
منذ بداية الولاية الثانية لترامب، كان واضحًا أنه سيضاعف الضغط على الصين عبر المزيد من الرسوم الجمركية والقيود على التكنولوجيا واستخدام العقوبات الاقتصادية بحماسة. الهدف كان شل آلة التصنيع الصينية، وانتزاع تنازلات مالية وتجارية، وإبطاء تقدمها التكنولوجي. بعض مساعديه حلموا بـ”صفقة كبرى” تلتزم فيها الصين بإصلاح رأسماليتها الحكومية مقابل تخفيف واشنطن قبضتها عنها.
لكن بعد ستة أشهر من التصعيد، تبدو الصين أكثر راحة من أمريكا،حيث أثبتت قدرتها على مقاومة الضغوط الأمريكية والرد بمهارة فيما يعرف بـ”الهيمنة التصعيدية”.
وبينما يقول البعض إن الصين تمر بأزمة، فإن بورصتها ارتفعت هذا العام بنسبة 34% بالدولار، فالصين تعلمت كيف ترد بخطوات دقيقة. فبعد أن فرض ترامب رسومًا على السفن الصينية القادمة إلى الموانئ الأمريكية، ردت بكين برسوم مماثلة. وهددت بفتح تحقيقات احتكارية ضد شركات أمريكية كـ«ديبونت» و«غوغل» و«نفيديا».
ورفضت شراء فول الصويا الأمريكي — أكبر صادرات أمريكا إلى الصين بقيمة 12 مليار دولار العام الماضي — مما أضر بقطاع انتخابي مهم لترامب.
وبين كل خطوة ورد فعل، تعمل الصين — بالتجربة والخطأ — على بناء نظام تجاري عالمي جديد بقيادتها. وهذا هو مجال نجاحها الثاني.
فهي تسعى لتشييد نظام صيني بديل للنظام التجاري الليبرالي القديم، ينافس “إمبراطورية الرسوم الجمركية” التي أقامها ترامب. وقد غيرت بالفعل خريطة تجارتها: فصادراتها السلعية زادت أكثر من 8% في عام حتى سبتمبر، رغم تراجع صادراتها إلى أمريكا بنسبة 27%.
كما ان تهديداتها بتقييد تصدير المعادن النادرة أثارت الذعر لأنها تهيمن على السوق ويمكنها شل سلاسل التوريد الصناعية الغربية. لكنها أيضًا لافتة لأنها تُظهر سعي الصين إلى فرض نظام عالمي جديد للتراخيص التجارية — نسخة أكثر صرامة من الأسلوب الذي استخدمته أمريكا للسيطرة على صناعة أشباه الموصلات.
ومن المتوقع أن تواصل الصين إعادة صياغة قواعد التجارة العالمية مع استغلال موقعها كمصنع متقدم وأكبر شريك تجاري لأكثر من 70 دولة.
ولعل أبرز دليل على ذلك ما أعلنه بنك الشعب الصيني بشكل مفاجئ منذ أيام أن نظام التسوية عبر الحدود بالرنمينبي الرقمي (اليوان الصيني) سيتم ربطه بالكامل مع الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وست دول في الشرق الأوسط، مما يعني أن 38٪ من حجم التجارة العالمية سيتجاوز نظام "سويفت" الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة،
ففي حين لا يزال نظام سويفت يعاني من تأخير يتراوح بين 3 إلى 5 أيام في المدفوعات عبر الحدود، فإن الجسر الرقمي الذي طورته الصين قلّص سرعة التسوية إلى 7 ثوانٍ فقط.
وقد أكملت 87٪ من دول العالم حاليا تكييف أنظمتها مع النظام الصيني الرنمينبي الرقمي، وتجاوز حجم المدفوعات عبر الحدود 1.2 تريليون دولار أمريكي.
وبينما لا تزال الولايات المتحدة تناقش ما إذا كانت العملات الرقمية تهدد مكانة الدولار، بنت الصين بهدوء شبكة مدفوعات رقمية تغطي 200 دولة. هذه الثورة المالية الصامتة لا تتعلق فقط بالسيادة النقدية، بل تحدد من يمكنه التحكم في شريان الحياة للاقتصاد العالمي في المستقبل، ويعني هذا بداية حقيقية لعملية التخلص من هيمنة الدولار. وقد يعيد تشكيل النظام العالمي بالكامل.
وكما ان الصين تمتلك وسائل التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا” الخاصة بها فلا يوجد فيسبوك او واتس اب في الصين ولكن العديد من التطبيقات الأخرى الصينية، كما ينتشر بالطبع تطبيق التيك توك الصيني الأصل، وبالتالي فالصين أصبحت لا تعتمد على الغرب ولا تحتاج أحد بل إن الكثير من الدول تحتاجها، سواء كمصدر للمعادن النادرة التي تدخل في معظم الصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة أو كمصدر للمنتجات الرخيصة التي تصدرها لكل العالم من أول الصناعات العسكرية والطائرات والروبوتات والسيارات، حتى أبسط المنتجات مثل الباور بانك للموبايلات، وتسعى الصين بقوة إلى وضع قدميها كقوة كبرى في عالم جديد متعدد الأقطاب وليس عالم القطب الأمريكي الواحد الذي بدأ في منحنى الهبوط ولهذا تعتمد الصين على فكر جديد واستراتيجية اقتصادية تتمثل في مبادرة الحزام والطريق الذي تحتل فيه مصر مكانة مهمة .
ولهذا فإن مصر تحرص علي تعزيز علاقتهما مع الصين وقد التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الصيني شي جين بينغ إحدى عشر مرة على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي أسفر عن مزيد من الاستثمارات الصينية فى مصر وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية، وتشير بعض الشواهد إلى بعض التشابه بين الحضارة المصرية الأقدم من الحضارة الصينية بأكثر من ألف عام، حيث نشأت الحضارتين على ضفاف الأنهار، كما توجد رموز متكررة في الحضارتين مثل زهرة اللوتس رمز النور والنقاء والبصيرة والصقر أو حورس الذي يراقب من السماء، ويعتبر رمزا للقوة والهيبة والسيادة والبصيرة، وأيضا رمز الجعران أو الخنفساء، وهو رمز التجدد والحياة، وهناك اهتمام كبير بالاحتفال منذ بداية العام القادم بمناسبة مرور سبعين عاما على عقد العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين الشعبية، ويعد البلدان من مؤسسي حركة عدم الانحياز، منذ أول لقاء جمع الجانبين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورئيس مجلس الدولة الصيني "شو إن لاى" في عام 1955، على هامش مشاركتهما فى المؤتمر الأفرو آسيوي في مدينة باندونج بإندونيسيا.
وقد كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تعترف بالصين في 30 مايو 1956، الأمر الذي فتح الباب أمام الصين لإقامة علاقات رسمية مع دول عربية وأفريقية أخرى.
من المنتظر أيضا عقد القمة الصينية العربية الثانية في بكين العام القادم، حيث عقدت القمة الأولى في الرياض في ديسمبر ٢٠٢٢، وهناك اهتمام كبير من الجانب الصيني بتعزيز العلاقات مع مصر باعتبارها دولة مهمة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتعرف المبادرة أيضًا بـ طريق الحرير الجديد، وهي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية وتشمل عدة مناطق ودول من بينها مصر ومنطقة قناة السويس بأكملها والمنطقة الاقتصادية التابعة لها جزء من المبادرة لأن المبادرة تقوم على الطريق الحريري البري والبحري، ومصر جزء أصيل من هذه المبادرة، ولذلك كانت مصر بالفعل من أوائل الدول المنظمة لتلك المبادرة، فقد أعلنت المبادرة في 2013 بدأت حيز التنفيذ في 2014، وكانت أول ثلاث دول هي: كازاخستان وباكستان ثم مصر، وهي الدولة الثالثة، ولذلك فقد بدأت الصين تنفيذ المبادرة مع مصر منذ وقت مبكر من إطلاقها، ففي إطار هذه المبادرة، والمشروعات التي تتم في الوقت الحالي يعمل الصينيون على إدخال جميع مشروعاتهم الثنائية ضمن هذه المبادرة، والتي بدورها ستقوم بفتح الطريق أمام مصر لقروض واستثمارات إضافية،
وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين حوالي 17 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 9.9% عن عام 2023 الذي بلغ فيه الحجم حوالي 15.7 مليار دولار.
وشهدت التجارة نموًّا في كل من الصادرات والواردات، مع زيادة ملحوظة في الصادرات المصرية إلى الصين.