فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

عباقرة ولكن مجهولون، الأسود بن سريع التميمي مدح الرسول وفرَّ من الفتنة

الأسود بن سريع، مدح
الأسود بن سريع، مدح رسول الله وهرب من الفتنة، فيتو

على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.

 

 

الأسود بن سريع التميمي، مدح الرسول وفر من الفتنة 

لم تردد ذاكرة التاريخ الإسلامي كثيرا، أسماء بعض الصحابة، رغم أنهم كانوا نجومًا مضيئة في فجر الإسلام، من بين هؤلاء؛ أبو عبد الله الأسود بن سريع التميمي، أحد فرسان الإسلام وشعرائه الأوائل، ورائد رواية القصص في مسجد البصرة، الذي جمع بين الفروسية والبيان، فكان سيفًا في ميادين الجهاد ولسانًا بليغًا في محراب الخطاب والدعوة.

في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم

كان الأسود بن سريع من أهل البصرة، ومن بني تميم، اشتهر بشجاعته وبلاغته، وكتب الله له شرف الصحبة، فشارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في أربعة مشاهد، كما روى بنفسه: “غزوتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع غزوات”.

ولم يكن مجرد مقاتل في صفوف المسلمين، بل كان شاعرًا يلهج بالحمد والثناء على الله ورسوله، يرفع المعنويات بأبياته كما يرفع السيف في وجه الأعداء. وقد ورد أنه أنشد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بعضًا من مدائحه، فابتسم له الرسول الكريم وقال: “أما إن ربك يحب الحمد”.

كلماتٌ بسيطة، لكنها كانت وسامًا أدبيًا خالدًا على صدر شاعرٍ جمع بين الإيمان والإبداع.

أول من روى القصص في مسجد البصرة

يُسجَّل للأسود بن سريع أنه أول من جلس لرواية القصص في مسجد البصرة، كما ذكر التابعي الكبير الحسن البصري.
وفي تلك الفترة، كان "القصّاص" يحتلون مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي الناشئ، فهم رواة البطولة وأصوات الدعوة، يروون أخبار الغزوات ويذكّرون الناس بسير الأبطال وأيام الله.

قيل عنه: "كان شاعرًا، وكان في أول الإسلام قاصًّا".

وقد عُرف الأسود ببلاغته وصدق حديثه، حتى إن مجلسه كان مقصدًا لأهل البصرة يستمعون فيه إلى رواياته وأشعاره التي تمزج بين الدين والفروسية والحكمة.

فرار من الفتنة

ما أن عصفت بالأمة فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، واشتد الخلاف بين عليٍّ، رضي الله عنه، ومعاوية، حتى انقسم الناس بين مؤيدٍ للإمام علي، ومنحاز إلى أعداء الحق.
أما الأسود بن سريع، فاختار طريق الاعتزال، ورأى أن دماء المسلمين أعظم من أن تُراق في صراعٍ سياسي.
فحمل زوجته وأولاده، وركب البحر مبتعدًا عن مواطن الفتنة، كما روى المؤرخون، حتى قيل: إنه

“ركب سفينة لا يُدرى أين اتجهت به”.

ذلك الموقف النبيل يعكس عمق إيمانه وحكمته، إذ آثر السلامة لدينه على المغامرة في أتون الصراع، فكان مثالًا للزهد في الدنيا والرغبة في لقاء الله بقلبٍ سليم.

 

على ضفاف البصرة

كانت للأسود دارٌ قريبة من الجامع الكبير في البصرة، وكانت المدينة آنذاك منارة للعلم والفقه والأدب.
وفي أزقتها كان يُسمع صوته الشجي يروي الأحاديث والمواعظ، ويُلهم الناس بصوته الهادئ وحكمته المتزنة.

رحيل في صمت

تعددت الروايات حول وفاته، فقيل إنه تُوفي في عهد معاوية، وقال الإمام أحمد بن حنبل وابن معي: إن وفاته كانت سنة 42 هـ.
ومهما اختلفت الأقوال، فإن المؤكد أن الأسود بن سريع غادر الدنيا كما عاش فيها: هادئًا، زاهدًا، نقيّ السريرة.

سيرة خالدة

خلّد التاريخ ذكر “أبي عبد الله الأسود بن سريع التميمي” بوصفه شاعرًا من شعراء الإيمان، ومجاهدًا من فرسان الحق، وواعظًا من رواد الكلمة الصادقة.
جمع بين البطولة والبلاغة، وبين الشجاعة والزهد، ليبقى شاهدًا على أن الإسلام لم يُبنَ بالسيوف وحدها، بل بالكلمة التي تُوقظ، والقصيدة التي تُبشّر، والروح التي آمنت بأن "ربها يحب الحمد".