الولد للفراش أم لـ DNA؟.. تجدد الجدل بين الشرع والعلم في قضايا إثبات النسب.. قضاة: البصمة الوراثية دليل تأكيد وليس نفي.. ودار الإفتاء: إذا وُلد الطفل في زواج صحيح فلا يُنسب إلى غير الزوج
جلس الأب على أحد مقاعد محكمة الأسرة، وقد بدت على وجهه ملامح الانكسار والحيرة، يتأمل الوجوه المارة وكأنه يبحث بينها عن إجابة لتساؤلاته التي لا تنتهي، كيف يُثبت القاضي نسب طفل لا تؤكده تحاليل الـDNA؟ كيف تُهزم الحقائق العلمية أمام قاعدة شرعية عمرها قرون؟
شهدت الأيام الماضية واقعة غريبة تضافرت فيها جميع عناصر الإدانة ضد زوجة اعترفت لزوجها بالخيانة وأثبتت فحوصات “الدي إن إيه” إن الطفل الذي أنجبته مؤخرا ليس ابنه ولا من صلبه ورغم ذلك أقر القاضي بأن الولد للفراش استنادا إلى القاعدة الشرعية الشهيرة.
إنها قصة جديدة من قصص الولد للفراش، تلك القضية التي شغلت الرأي العام وأشعلت نقاشا واسعا بين من يرى في الحكم حماية للأسرة واستقرارا للمجتمع، ومن يراه صداما بين منطق الشرع وصوت العلم، وبين هذا وذاك خيط رفيع يفصل بين زمام قضايا إثبات النسب، يحاول المختصون من القضاة ورجال القانون والعلماء فك تشابكه بحذر وعدل بعيدا عن أي شطط أو تجاوز أو افتئات.
حالات إثبات ونفي النسب في قانون الأحوال الشخصية
في هذا السياق، قال المستشار عبدالله الباجا، رئيس محكمة الأسرة بالجيزة، إن أحكام ثبوت النسب أو نفي النسب تقوم بناء على بنود معينة حددها قانون الأحوال الشخصية يستند عليها القاضي في أحكامه، موضحا ثبوت النسب في القانون المصري يقوم على ثلاثة أركان أساسية، هي الفراش، والبينة، والإقرار.
وأوضح الباجا أن المقصود بـ الفراش هو الزواج، سواء كان رسميا أو عرفيا، ففي حالة وجود زواج عرفي، يمكن إثبات النسب من خلال البينة، أي شهادة الشهود على قيام العلاقة الزوجية. أما الإقرار، فيتمثل في اعتراف الأب أو الأم بالنسب، كأن يقر الرجل بأنه والد الطفل ويقوم باستخراج شهادة ميلاد له، معتبرا أن هذا الإقرار يُعد بمثابة اعتراف قانوني بالنسب، حتي وإن عاد الزوج وأنكر النسب بعد ذلك، فلن يعترف القاضي بإنكاره للنسب طالما جاء بعد الولادة واستخراجه لشهادة ميلاد الطفل.
وأشار الباجا إلى أن هناك عدة حالات لا يثبت فيها النسب شرعا أو قانونا، من أبرزها: إذا حدثت الولادة قبل مرور 6 أشهر من تاريخ الدخول الفعلي بين الزوجين، موضحا أن أقل مدة للحمل هي 6 أشهر من وقت الدخول. مضيفا مثالا: "إذا تزوج الرجل في شهر أربعة ووضعت الزوجة مولودا في شهر عشرة، فهذا المولود ينسب إليه، أما إذا ولد قبل ستة أشهر من الزواج، فلا يثبت نسبه"، كذلك، لا يثبت النسب إذا تمت الولادة بعد مرور سنة من الطلاق أو الوفاة، موضحا أنه إذا طلق الرجل زوجته ثم أنجبت بعد عام من الطلاق، فلا يعتد بالنسب في هذه الحالة، كما لا يثبت النسب في حالة عقد القران دون دخول فعلي، حتى وإن تم الزواج على الورق فقط دون معاشرة.
وأضاف الباجا أن هناك طريقا آخر يعرف بـ اللعان، يستخدم في حالة اتهام الزوج لزوجته بالزنا وطعنه في نسب الطفل، فيقسم الزوج أربع مرات بالله أنه صادق في دعواه، وترد الزوجة القسم أربع مرات كذلك لتكذّبه، وتكون المرة الخامسة لعنة من الله على الكاذب منهما، مشيرا إلى أن هذه الحالة وردت في سورة النور، ويشترط أن يكون اللعان قبل الولادة أو قبل الإقرار بالنسب.
وتحدث الباجا أيضا عن تحليل البصمة الوراثية (DNA)، موضحا أنه وسيلة لإثبات النسب وليس لنفيه، مؤكدا أن "تحليل الـDNA وسيلة مساعدة يمكن للمحكمة الاستناد إليها لتأكيد النسب الشرعي، لكنها لا تستخدم لنفيه بأي حال".
وأشار إلى أن هذا التحليل قد يستعان به إذا كانت الزوجة قد أنجبت من علاقة زوجية رسمية أو عرفية، وادعى الزوج أن الطفل ليس ابنه، فيمكن للمحكمة أن تطلب التحليل كوسيلة تدعيمية لإثبات النسب مشددا على أن كل قضية نسب تدرس وفق ظروفها الخاصة، وما تحتويه من مستندات وأوراق، مؤكدا أن القاضي لا يستطيع إصدار حكم عام في جميع القضايا، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى من حيث الوقائع والأدلة المقدمة.
واختتم تصريحاته قائلا:"القانون المصري واضح في مسألة ثبوت النسب، فهي تقوم على الفراش، أو البينة، أو الإقرار، والـDNA وسيلة تأكيد لا نفي، أما الحالات التي تخرج عن هذه الضوابط فلا يثبت فيها النسب قانونا".
قانون الأحوال الشخصية يستمد بنوده من الشريعة الإسلامية
وفي نفس السياق، يقول شادي طلعت مدير اتحاد المحامين للدراسات القانونية، أن مصر تستند على الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية، لتكون هي الحكم في نهاية الأمر، موضحا أن مصر تأخذ بالمذهب الحنفي في مجمل أحكامها، وهذا متعارف عليه منذ عقود طويلة، وعندما يطالب دفاع أحد الطرفين في نزاع ما، بشيء لا يتطابق مع الشريعة الإسلامية، نجد المحكمة ترد الطلب لكونه يخالف الشريعة الإسلامية.
ولفت مدير اتحاد المحامين إلى أن الأحكام التي تصدر من المحاكم المصرية بأن الطفل للفراش والحكم بنسب ولد الزنا من الأم إلى الزوج الذي لا يمت للطفل بصلة، فهو حكم شرعي طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ولا غبار عليه، فهي قاعدة فقهية راسخة منذ أكثر من 1400 عام، كما أنها مرتبطة بشكل أكبر بالأمن القومي المصري والاستقرار الداخلي للأسر.
وأكد "طلعت" أن المحاكم المصرية لا تعترف بنتائج تحليل البصمة الوراثية (DNA) في كل قضايا النسب، استندا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»، حتي وإن نفي التحليل النسب، وأضاف أن اعتماد تحليل البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات أو نفي النسب قد يؤدي إلى انهيار الثقة داخل الأسر، وربما تنشأ عنه جرائم مثل القتل بين الأزواج أو تجاه الأبناء، مؤكدا أن الأمر لم يعد مسألة فقهية أو دينية فقط، بل أصبح قضية أمن قومي تمس استقرار المجتمع، موضحا أن إجراء هذا النوع من التحاليل لا يتم إلا من خلال الجهات الرسمية ووفق بروتوكولات قانونية محددة، وليس من حق أي مواطن أن يتوجه بشكل فردي لأي جهة لإجرائه دون إذن قانوني أو قضائي.
قوة البصمة الوراثية
أكد الدكتور رفعت عبد الحميد، أستاذ العلوم الجنائية والأمن القضائي، أن البصمة الوراثية (DNA) تعد من أقوى الأدلة العلمية التي أخذت بها معظم دول العالم، ومن بينها مصر، في قضايا النسب والإثبات الجنائي، موضحا أنها تظل ثابتة منذ تكون الجنين داخل رحم أمه وحتى بعد الوفاة.
وأوضح الخبير الجنائي، خلال حديثه، أن البصمة الوراثية تتكون عندما يبلغ الجنين 5 أشهر في بطن أمه، وتعتبر بمثابة الهوية البيولوجية للإنسان التي لا يمكن محوها أو استبدلها، مضيفا:"البصمة الوراثية لا تذوب حتى بعد الوفاة، وتظل باقية لمدة قد تصل إلى 15 يوما بعد الدفن، لأنها تتكون من خمس طبقات جلدية معقدة لا تتأثر بسهولة بعوامل التحلل".
وأشار “عبد الحميد” إلى أن البصمة الوراثية والبصمة الكيميائية للـDNA يتم التعامل معهما علميا باعتماد واسع في المختبرات، وتستخدمهما جميع البنوك المصرية والدولية في أنظمة التعريف والتداول المالي.
وعن مدى اعتماد المحاكم المصرية لتحليل الـDNA في قضايا النسب، قال الخبير: “تحليل البصمة الوراثية يُعتبر دليلا علميا قويا ودقيقا جدا، ونسبة الخطأ فيه ضئيلة للغاية، لكنه في النهاية يظل دليلا استرشاديا، فللقاضي سلطة تقديرية في الأخذ به أو طرحه جانبا، وفقا لظروف الدعوى وما يتوافر من أدلة أخرى”.
وأوضح أن هذا المبدأ يسري أيضا في القضايا الجنائية، مؤكدا أن القاضي المصري غير ملزم قانونا بالأخذ بنتيجة التحليل، رغم أن نتائجه العلمية مضمونة مثل بصمة اليد، مردفا: أن البصمات البشرية لا تقتصر على بصمة الإصبع فقط، بل إن هناك أنواعا أخرى مثل بصمات الشعر، وبصمة العين، وبصمة القدم، وبصمات الرأس، الإ أن أكثرهم دقة من الناحية الفنية بصمة اليد، التي تعد الأكثر موثوقية وثباتا بين جميع الأنواع.
وأكد أن البصمة الوراثية أصبحت دليلا علميا ثابتا في علم الجريمة، وتم اعتمادها في جميع دول العالم منذ سنوات طويلة، ولا يمكن إنكار قوتها أو التشكيك في فاعليتها، لكنها تظل في النهاية خاضعة لتقدير القاضي في ضوء ظروف كل قضية على حدة.
وأكد علي أن تحليل الحمض النووى "DNA"، المستخدم لتحديد هوية الفرد، ويتم عن طريق أخذ عينة بطرق وأساليب مختلفة، سواء عن طريق الفم، أو اللعاب، أو الشعر، أو حتى عن طريق الأظافر، أو الدم، وتعتبر العينات المأخوذة من اللعاب وخلايا الفم هى الأسهل والأكثر دقة.
أستاذ العلوم الجنائية والأمن القضائي اختتم تعقيبه قائلا: نتائج تحاليل الحمض النووي دقيقة مضمونة، ولكن قد يحدث فيها بعض الأخطاء التي تؤدي إلى فسادها مثل عدم كفاية العينة أو فساد الحمض النووي للعينة، وهي عيوب فنية للعينات وليس للتحليل نفسه، وقد تكون سببا في تغيير نتائجها.
ثبوت النسب ونفيه بين العلم والدين
في نفس السياق، يقول عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، إن القاعدة الشرعية الثابتة بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الولد للفراش" يراد بها فيما يبدو لي أن المرجع في النسب هو الزواج الشرعي وليس علاقة الزنا المحرم، حرصا على حفظ الأنساب، واستقرار الأسر، ومنع النزاعات والادعاءات الباطلة، وليس كل حالات النسب، إذ اتفق الفقهاء على نفي النسب إذا كان الزوج لا يولد لمثله، وإذا لم يكن التلاقي ممكنا بين الزوجين، رغم وجود الفراش.
وأجاب أستاذ الفقة المقارن على تساؤل: هل يمكن الاستفادة بالبصمة الوراثية في إثبات النسب ونفيه؟ قائلا: أولا، فرق جماهير أهل العلم بين أمرين، الأمر الأول: هو مشروعية الاستفادة من البصمة الوراثية في إثبات النسب، في حالات الزواج العرفي مثلا، أو في حالات عدم وجود عقد زواج، أو التنازع في نسب مجهول، وجماهير أهل العلم يرون أن نفي النسب اعتمادا على البصمة الوراثية ليس جائزا شرعا كوسيلة أساسية أو مطلقة، لاسيما إذا كان النسب ثابتا شرعا بزواج صحيح، أو إقرار، أو دخول، ولذلك يرى هؤلاء أنه لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان، وهذا ما ذهبت إليه المجامع الفقهية المختلفة، ودور الإفتاء في العالم، وكذا جل الفقهاء والقضاء.
قال أستاذ الفقه إن دار الإفتاء المصرية في فتوى صريحة لها ذكرت: «إذا اتضح أو ثبت للمحكمة أن الطفل وُلد في زواج صحيح، فلا يُنسب إلى غير الزوج حتى لو أثبت تحليل DNA خلاف ذلك».
وأوضح جرى العمل في مصر وكذا سائر الدول العربية، فقها وقضاءً أن تحليل الـ DNA لا يستخدم في نفي النسب وإن جاز الاعتماد عليه في بعض حالات الإثبات على النحو الذي تقدم.
أسباب عدم الاعتماد على تحليل DNA في إثبات او نفي النسب
وأوضح "منصور عبدالحليم" سبب عدم الاعتماد على تحليل DNA في إثبات أو نفي النسب، وذلك لعدة أسباب، أبرزها الحفاظ على الأنساب واستقرارها، خوفا من أن يؤدي الاعتماد المطلق للبصمة إلى تفكيك العلاقات الزوجية أو الإخلال بحماية النسب، كما أنه لا يصح اعتبار الـ DNA بديلا عن اللعان، لأن اللعان له ضوابطه الشرعية، والنسب الثابت لا يُنزع بسهولة، كما أن احتمال الخطأ أو التحريف أو الشك في الإجراءات والتحاليل العلمية (رغم أنها دقيقة نسبيا) فالشريعة لا تربط الأحكام بنسبية الإمكان العلمي فقط، بل بمعايير شرعية مثل “اليقين لا يُزال بالشك”، الي جانب أن عدم الاعتماد على البصمة الوراثية يرجع للرغبة في منع التوسع في نفي الأنساب الثابتة والمستقرة وفقا لقاعدة "الولد للفراش"، كما أن الشارع يتشوف إلى إثبات النسب بخلاف نفيه، فلذلك أجاز العلماء إثباته بالبصمة الوراثية، لتشوفه لذلك، بخلاف حالات النفي فلم يجز الاعتماد على البصمة الوراثية.
واستكمل عميد كلية الشريعة والقانون قائلا: وقوف الموضوع عند هذا الحد غير سائغ لأن المسألة بحاجة إلى بحث فقهي وعلمي أكثر عمقا، وجراءة وهذا يدعونا إلى افتراض عدد من الفرضيات منها:
هل تحليل البصمة الوراثية أو الـ DNA تصل نتائجه إلى درجة القطع واليقين، أو ما يقاربه أو لا تزال في قيد الظن الراجح؟ هل الشرع عندما حدد اللعان كوسيلة لنفي النسب هل معنى ذلك حصر نفي النسب وقصره على هذه الوسيلة أم يمكن أن توجد وسائل أخرى في درجتها أو أكثر دقة منها؟
وأشار إلى أن الاعتماد على الوسائل العلمية القطعية في مجالات شتى مثل اعتماد الفلك في إثبات دخول الشهر القمري أو نفيه وكذا مواقيت الصلاة مواعيد الصوم والإفطار، فهل يمكن بناء على ذلك القول بالاعتماد على الـ DNA في مسائل نفي وإثبات النسب اعتمادا على ما يأتي؟
أولا الدين والعلم صنوان لا يمكن لهما بحال أن يتعارضا بشكل حقيقي، وإن كان ثمة تعارض فهو تعارض شكلي ظاهري، وليس حقيقيا جوهريا.
ثانيا الشارع يعتمد البينة كوسيلة للإثبات في الزواج، وغيرها، رغم كونها ظنية، وحيث يوجد الظن يوجد الاحتمال، ومع ذلك نجد أن رجل الفقه يقول بجواز الاعتماد على القرائن القطعية في الإثبات حتى في باب الحدود والقصاص، فهل يدعونا ذلك إلى اعتماد البصمة الوراثية التي تفيد اليقين أو القطع، أو ما يشبه ذلك؟
ثالثا – هل يمكن ونحن أرباب قياس ونعتبره أصلا من أصول التشريع الإسلامي، أن نقيس حالات نفي النسب على حالات الإثبات باعتبار أن كلا منهما يعتمد على ذات الوسيلة القطعية؟
رابعا – رغم الاعتماد على قاعدة:" الولد للفراش" فإن الفقهاء يقولون بعدم ثبوت النسب رغم وجودها في بعض الحالات: مثل حالات عدم إمكان التلاقي بين الزوجين، وحالات كون الزوج لا يولد لمثله، فالفقهاء يقولون بنفي النسب في هذه الحالات رغم وجود ذات القاعدة، لاستحالة كون الزوج لا يولد لمثله، ولاستحالة حدوث الوطء بين الزوجين وعدم إمكان التلاقي بينهما، فهل يقاس على ذلك حالات نفي النسب بالبصمة الوراثية التي وصلت إلى حد القطع واليقين، والوصف الجامع بين الأمرين هنا هو استحالة نسبة الولد إلى صاحب الفراش في الواقع ونفس الأمر؟ لاسيما إذا انضم إلى ذلك اعتراف الزوجة بذلك؟
خامسا – الحفاظ على النسب لوجود الفراش، ليس أولى من نفيه عند القطع بنفيه، بل النفي في هذه الحالة أولى، بدلا من نسبة طفل إلى رجل ليس منه، وثبوت إرثه منه، وانتشار الحرمة بينه وبين سائر قرابته، وهو ليس كذلك في الواقع ونفس الأمر.
سادسا – أدعو الجهات المعنية ذات العلاقة من الفقهاء، والقضاة، والمحاكم، والقانونيين، والخبراء في مجال البصمة الوراثية للوقوف على التصور العلمي الكامل لهذه المسألة، والخروج منها بنتائج وتوصيات من شأنها أن تكشف عن حكم الله في هذه النوازل بشكل أكثر دقة، بما يحقق مصالح المسلمين على النحو المنشود.
واختتم أستاذ الفقة المقارن ما ذكرته في الفرضيات السابقة ليس رأيا فقهيا محررا متكاملا، وإنما دعوة صريحة لوضع المسألة على مائدة البحث العلمي الرصين للإجابة على التساؤلات السابقة بشكل علمي منهجي، وصولا للحكم الشرعي والكشف عنه بما يحقق مصالح الأمة.
قضية اجتماعية فقهية معقدة
وعلى الجانب الاجتماعى: تقول هند فؤاد أستاذ مساعد علم اجتماع بالمركز القومي للبحوث إن قضية "الطفل للفراش" من القضايا الاجتماعية والفقهية المعقدة التي تثير جدلا واسعا في المجتمعات العربية والإسلامية، خاصة في ظل التطورات العلمية الحديثة مثل تحليل البصمة الوراثية (DNA) التي مكنت من إثبات النسب بدقة علمية عالية.
تقول “فؤاد” يرفض قطاع عريض من المجتمع إقرار القاعدة الفقهية المشهورة «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، رغم أنها ترسخ مبدأ استقرار الأسرة وإلحاق الطفل بالزوج الشرعي، وخاصة أنه في الفقه الإسلامي الطفل ينسب إلى الزوج إذا ولد في فراش الزوجية الصحيح، أي في إطار علاقة زوجية قائمة أو بعد طلاق بمدة لا تتجاوز أقصى مدة الحمل (عادة 6 أشهر على الأقل من الزواج، و10 أشهر بعد الطلاق أو الوفاة)، أن الغاية من هذا المبدأ هي حماية النسب، وصون الأسرة من الشك والاتهام، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
وأوضحت أن قضايا إثبات النسب لها العديد من الأبعاد والأسباب الاجتماعية، منها تغير القيم الاجتماعية الأخلاقية، بعد انتشار العلاقات غير الشرعية وضعف الضوابط الأخلاقية أدى إلى حالات إنجاب خارج إطار الزواج، مما أثار إشكالية في تحديد النسب، فضلا عن التأثر بالنماذج الغربية التي تقلل من قيمة الزواج الشرعي، وتعزز فكرة الحرية الفردية والعلاقات المفتوحة، بالإضافة إلى ضعف الوعي الديني القانوني، وعدم إدراك الكثيرين لمقاصد الشريعة في حفظ النسب، والخلط بين حرية المرأة ومسئولية الأمومة، كما حالات الطلاق والانفصال العاطفي داخل الأسر إلى فقدان الثقة، وظهور شكوك حول نسب الأبناء في بعض الحالات.
واستكملت أستاذة علم الاجتماع قائلة: فحوص الـDNA أوجدت صراعا بين الدليل العلمي والدليل الشرعي، مما جعل المجتمع في حالة انقسام بين من يطالب بتطبيق العلم ومن يتمسك بالقاعدة الفقهية.
كما تأثر قضايا إثبات النسب في الأطفال أنفسهم، وتسبب لهم، معاناة نفسية نتيجة الشك في نسبه أو رفض المجتمع له، وفقدان الهوية الاجتماعية والانتماء الأسري، والحرمان من حقوقه الاسرية والورث، بجانب تعرضه للتنمر والعزلة وضعف تكيفه الاجتماعي.
وطالبت "فؤاد" بنشر الوعي بمقاصد الشريعة في حفظ الأنساب، وشرح أن قاعدة "الولد للفراش" تهدف إلى حماية الطفل لا إلى ظلم أي طرف.