عباقرة ولكن مجهولون، زيد بن الخطاب "شهيد اليمامة"
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. الشافعي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد.
في هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
زيد بن الخطاب، شهيد اليمامة
عمر بن الخطاب من أشهر شخصيات الإسلام، لكن أخاه، من أبيه، زيد لا يكاد يعرفه أحد.. فهو الصحابي زيد بن الخطاب بن نفيل بن عمرو، كان أكبر سنا من أخيه عمر، وهو من المهاجرين الأوَّلين، وأسلم قبل عمر، وكان أسمر اللون، شديد الطول.
وكان عمر يحبه كثيرا، وآخى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بينه وبين معين بن عدي، وعاشا معا، واستشهدا في موقعة اليمامة معا.
كان زيد من بين المقاتلين في بدر وما بعدها من المشاهد.. وروى نافع عن بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لأخيه زيد بن الخطاب يوم أُحد: "خذ درعي هذه يا أخي". فقال له: "إني أريد من الشهادة مثل الذي تريد" فتركاها هما الاثنان.
فتنة مسيلمة الكذاب
في نحو عام 12 هـ، أعلنت بنو حنيفة بقيادة مسيلمة الكذاب وبتحريض عدو الله الرَّجال بن عنْفُوة، الردة، فأرسل أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، جيشا لقتالهم بقيادة خالد بن الوليد، وكان عدد المرتدين ١٠٠ ألف، وعدد المسلمين ٢١ ألفا فقط، واستشهد في هذه الملحمة زيد بن الخطاب، وكان ذلك في شهر ربيع الأول.
استشهاد زيد بن الخطاب
في موقعة اليمامة، كان زيد بن الخطاب، رضي الله عنه، يحمل راية المسلمين، ولما انكشف المسلمون حتى ظهر بنو حنيفة على الرحال، جعل زيد بن الخطاب يقول: "أما الرحال فلا رحال، وأما الرجال فلا رجال"، ثم أخذ يصيح بأعلى صوته: "اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل".
ولم يتزحزح، بل تقدم يشد بالراية في نحر العدو، ثم ضارب بسيفه حتى استشهد، وسقطت الراية، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، رضي الله عنه، فقال المسلمون: "يا سالم إنا نخاف أن نؤتي من قبلك" فقال: "بئس حامل القرآن أنا إن أوتيتم من قبلي" وصاح: "زينوا القرآن بالفعال"، وما زال يقاتل حتى أصيب وممن استشهد يومئذ: حزن بن أبي وهب المخزومي جد سعيد بن المسيب، وكان شعار الصحابة يومئذ: "وامحمداه".
وفي ذلك اليوم استشهد خلق كثير من الصحابة قيل إنهم سبعمائة.
حزن عمر لاستشهاد أخيه
حزن عمر بن الخطاب حزنا شديدا على مقتل الصحابة في اليمامة، لاسيما أخوه زيد بن الخطاب. وكان دائما ما يتذكره وتحكي كتب السيرة بعض هذه المواقف ومنها:
عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: كان عمر، رضي الله عنه، يصاب بالمصيبة فيقول: "أصيب زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- فصبرت".. وأبصر قاتل أخيه زيد (وهو أبو مريم الحنفي من بني حنيفة)، فقال له: ويحك لقد قتلت لي أخا ما هبت الصبا إلا ذكرته".
ومما يُروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لقاتل أخيه زيد بن الخطاب: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم! فقال القاتل: أفتظلمني حقي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: لا! فقال الأعرابي: "إنما يأسى على الحب النساء".
وعن ابن أبى عوف وعبد العزيز بن يعقوب الماجشون، قالا: قال عمر بن الخطاب لمتمم بن نويرة: يرحم الله زيد بن الخطاب لو كنت أقدر أن أقول الشعر لبكيته كما بكيت أخاك.
فقال متمم: يا أمير المؤمنين لو قتل أخي يوم اليمامة كما قتل أخوك ما بكيتُه أبدا، فأبصر عمر وتعزى عن أخيه، وقد كان حزن عليه حزنا شديدا، وكان عمر يقول: إن الصبا لتهب فتأتى بريح زيد بن الخطاب.
وروى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: بعث أبو موسى من العراق إلى عمر بن الخطاب بحلية، فوضعت بين يديه وفى حجره أسماء بنت زيد بن الخطاب، وكانت أحب إليه من نفسه، لَما قتل أبوها باليمامة عطف عليها، فأخذت من الحلية خاتما فوضعته في يدها، فأقبل عليها فقبلها والتزمها، فلما غفلت أخذ الخاتم من يدها فرمى به في الحلية، وقال: "خذوها عني".
روايته للحديث
روى زيد بن الخطاب بعض الأحاديث، وحدث عنه ابن أخيه عبد الله بن عمر خبر النهي عن قتل عوامر البيوت.. وروى عنه ولده عبد الرحمن بن زيد حديثين.
ذرية زيد بن الخطاب
أنجب زيد من زوجته لبابة الأنصارية، ابنا اسماه "عبد الرحمن"، وهو من صغار الصحابة، ويقال إن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وُلِدَ فكان ألطف مَنْ وُلِد (أي: أصغر المولودين وأدقّهم جسمًا وضعفًا)، فأخذه جده أبو لبابة في خرقة فأحضره عند النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: ما رأيت مولودًا أصغر خلقة منه، فحنكه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومسح رأسه ودعا له بالبركة، قال: فما رؤي عبد الرحمن في قوم إلاّ فَرِعهم طُولًا".
وروي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مسح على رأس عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو صغير، وكان دميمًا، ودعا له بالبركة، ففرع الرجال طولًا وتمامًا.
ولد عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب القرشي، سنة خمس، وقال مصعب: كان له عند موت النبي، صلى الله عليه وسلم، ست سنين. زَوَّجه عمر ابنته فاطمة، وولاّه يزيد بن معاوية إمرة مكّة. ومات في ولاية عبد الله بن الزبير.
وأيضا، من نسل زيد بن الخطاب، رضي الله عنه، الإمام الخطابي أبو سليمان. نسبة إلى زيد بن الخطاب (319- 388) من أهل بست (من بلاد كابل) إمام. فقيه. محدث، له في الحديث اليد الطولى. فهو أول من شرح البخاري.
من تصانيفه: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ومعالم السنن في شرح سنن أبي داود، وغريب الحديث، ورسالة في العزلة، وشأن الدعاء، والغنية عن الكلام وأهله.