فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

"نعينع" الكنز في الرحلة.. القارئ الطبيب لـ"فيتو" بعد تعيينه شيخا لعموم المقارئ المصرية: خدمة القرآن شرف عظيم ونسعى إلى استعادة الريادة المفقودة

الدكتور أحمد نعينع
الدكتور أحمد نعينع

اختار الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، خلال الأيام القليلة الماضية، الدكتور أحمد نعينع كي يترأس عموم المقارئ المصرية، تقديرًا لمسيرته الحافلة في خدمة كتاب الله تعالى التي تتجاوز نصف قرن.

وأكد الوزير أن هذا القرار يأتي تتويجًا لعطاء علمي وعملي ممتد للقارئ الكبير الذي أفنى عمره في خدمة كتاب الله تعالى أداءً وتعليمًا وتجويدًا، فكان مثالًا للإتقان والأدب والتواضع، ومصدر إلهام لجيلٍ كامل من المقرئين وطلاب القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي.

فيتو تلقي الضوء في هذا التقرير على رحلة “نعينع” وتتحدث معه عن خطته المقبلة.

ولادة كوكب قرآني

وُلد الدكتور أحمد نعينع في مركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وسُمّي “أحمد” على اسم والده، الذي كان يعد أحد كبار التجار في مركز مطوبس ورئيس مجلس إدارة جمعية قباني كفر الشيخ، وبدأت رحلته مع القرآن الكريم في الكُتّاب وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، وحفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في الثامنة، وتعلم التجويد على يد الشيخ أحمد الشوا، وبجانب حفظ القرآن الكريم، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مطوبس، ثم حصل على الثانوية العامة من مدينة رشيد بمحافظة البحيرة.

التحق نعينع بعد ذلك بكلية الطب بجامعة الإسكندرية، ولم ينس عشقه لتلاوة القرآن الكريم، حتى إنه جمع بين دراسته لطب الأطفال ودراسة علوم التجويد، حتى أتقن القراءات السبع على يد الشيخ محمد فريد نعمان وزوجته الشيخة أم السعد، أشهر محفظة قرآن في الإسكندرية في ذلك الوقت ولوقت قريب أيضًا، والتي تتلمذ على يديها وزوجها الكثير من مشاهير قراء القرآن الكريم.

بعدها ذاعت شهرته في الثغر، وتخاطفته الجمعيات والمساجد، وكان يقرأ في جمعية الشبان المسلمين التي كان يرأسها الدكتور أحمد درويش، وزير الصحة آنذاك، وفي المساجد الشهيرة بالإسكندرية.

محطات في حياة نعينع

ظل الشيخ نعينع على هذا الحال إلى أن جاءت المحطة الأهم في حياته، وهي معرفته بالرئيس الراحل أنور السادات، الذي رآه واستمع إليه في حفل للقوات البحرية بالإسكندرية، وكان الشيخ نعينع قد أتم دراسته للطب وأصبح مجندًا بالقوات البحرية برتبة ملازم أول طبيب، أُعجب السادات بصوته العذب وشد على يده مصافحًا، وكان ذلك عام 1976، ثم جاء الرئيس السادات مرة أخرى إلى الإسكندرية فقرأ نعينع أمامه للمرة الثانية، فأعجب به مجددًا.

أما المرة الثالثة فكانت في القوات البحرية، حيث اصطحب الرئيس السادات الملك خالد بن عبد العزيز، عاهل السعودية، الذي أثنى على صوته ثناءً شديدًا، ثم كانت المرة الرابعة في نقابة الأطباء بالقاهرة، وبعدها استدعاه الرئيس السادات وضمّه إلي سكرتاريته الخاصة كطبيب خاص ضمن ثلاثة أطباء، إلا أن الشيخ الدكتور نعينع تميّز بصوته الجميل، فأصدر الرئيس السادات أوامره بأن يقوم الشيخ نعينع بقراءة القرآن في كل احتفال أو صلاة جمعة يحضرها الرئيس، ومنذ ذلك الوقت أُطلق عليه لقب “مقرئ الرئاسة”، وهو اللقب الذي احتفظ به حتى الآن.

كان الرئيس السادات شغوفًا بصوت القارئ أحمد نعينع، لذا كان يصطحبه معه إلى وادي الراحة في سيناء، حيث اعتاد الرئيس الراحل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وكانت هناك استراحات خشبية بسيطة، يجلس فيها الرئيس السادات على حصيرة فوق الرمال بجوار جبال سيناء، وكان يطلب من الشيخ نعينع أن يقرأ سورتي “طه” و“القصص”.

وفي حفل أقيم بنقابة الأطباء بالقاهرة قبل سفر الرئيس السادات إلى إسرائيل قبيل معاهدة كامب ديفيد عام 1979، قرأ الشيخ أحمد نعينع مصادفةً بعض آيات من سورة النمل تقول: “إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَإِنَّهُۥ لَهُدًۭى وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِۦ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ، فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ”، وكانت بعض الدول في ذلك الوقت تعارض الرئيس السادات في الرأي وتقاطع مصر، فأكمل الشيخ نعينع الآيات قائلًا: “"إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ”، وعندما استمع الرئيس السادات لهذه الآيات وجدها تمس ما يدور بداخله، وبعد الحفل توجه إلى الشيخ نعينع وسأله: “من أرشدك إلى هذه الآيات الكريمة؟”، ثم سأل الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء، إن كان هو من اختارها، فنفى ذلك، فقال السادات: “إنني دائمًا أقرأ القرآن، لكنني أشعر وكأنني أسمع هذه الآيات لأول مرة”، ثم أثنى على الشيخ أحمد نعينع بشدة وصافحه بحرارة.

وفي عام 1979، تم اعتماد الدكتور أحمد نعينع بالإذاعة والتلفزيون، وفي “يوم الطبيب الأول” الذي أُقيم في الثامن من مارس من العام ذاته، قدّمه الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء، ليقرأ القرآن، وبعد التلاوة قام الرئيس السادات بمصافحته وقال له: “أنت مصطفى إسماعيل في الأربعينيات”.

يحكي الشيخ نعينع أن العاهل المغربي سمعه ذات مرة عبر الفضائيات فأُعجب بصوته وأمر بدعوته إلى المغرب لإحياء ليالي رمضان، إلا أن الظروف حالت دون ذلك، لكنه سافر بعد رمضان وقرأ القرآن وأمتع آذان المغاربة وقلوبهم.

وتكرر الأمر مع الملك حسين في الأردن، كما سافر القارئ الطبيب إلى العديد من الدول العربية والإسلامية والأجنبية، مثل باكستان والهند والولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا وإندونيسيا وبروناي وكندا، خاصة في شهر رمضان، وما زال حتى الآن يمتعنا بصوته الشجي.

وحتى يومنا هذا، يتربع القارئ الطبيب أحمد أحمد نعينع على عرش دولة التلاوة، بمدرسته الخاصة التي أسسها رغم تأثره وتتلمذه على يد الشيخ مصطفى إسماعيل، يحبه الصغير والكبير، ولا تكاد تنظر إليه وهو يتلو القرآن الكريم إلا وتتذكر العملاق الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل، يؤمن بأن التلاوة والأحكام السليمة فقط هي ما تُحلّي الصوت، وأنه حين تكون الأحكام صحيحة تتنزل الملائكة فتغشى المكان الرحمة والسكينة، فيلقى القبول بين المستمعين.

وقال الدكتور أحمد نعينع لـ"فيتو": «أحمد الله على ما استعملني فيه من خدمة القرآن العظيم، ووفقني إليه من تلاوة كتابه الكريم، وأسأله سبحانه أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن يديم على مصرنا الغالية نعمة الأمن والاستقرار في ظل القيادة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية»، مؤكدًا عزمه على بذل أقصى الجهود في سبيل الحفاظ على تلاوة القرآن وتعليمه على الوجه الصحيح، ونشر علومه في أرجاء مصر والعالم الإسلامي.

شدد شيخ عموم المقارئ المصرية الجديد على تقديره وامتنانه لكل من تقدم له بالتهنئة أو الدعاء، سواء من داخل مصر أو خارجها، قائلًا: «أسأل الله أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته»، داعيًا إلى استمرار دعم المقارئ المصرية التي كانت ولا تزال مناراتٍ للقرآن في مختلف العصور.

وأضاف نعينع، في تصريحات خاصة لـ “فيتو”، في أول تعليق له بعد قرار تعيينه، أنه يسأل الله العون والتوفيق في أداء هذه الرسالة الجليلة على الوجه الذي يرضيه، وأن يكون عند حسن ظن الجميع، مشيرًا إلى أن خدمة القرآن الكريم شرف ما بعده شرف، وأن الله أكرمه بأن يكون في موقع يستطيع من خلاله أن يخدم كتابه العظيم وأهله.

كما أعرب عن خالص شكره وتقديره لوزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري على الثقة الغالية التي منحه إياها بتكليفه شيخًا لعموم المقارئ المصرية، مؤكدًا أن هذا المنصب يمثل شرفًا كبيرًا وأمانة عظيمة يتمنى أن يكون أهلًا لها.

واختتم الدكتور أحمد نعينع تصريحاته بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة ستشهد، بإذن الله، تطويرًا شاملًا في عمل المقارئ المصرية، سواء في أساليب التعليم أو آليات المتابعة وجودة الإجازات، مشددًا على أن الهدف هو استعادة المقارئ لريادتها التاريخية لتظل منارةً لتعليم القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، مؤكدًا أن الدعم الكبير من وزارة الأوقاف واهتمام الوزير الدكتور أسامة الأزهري يمثلان دافعًا قويًا لتحقيق هذه النقلة النوعية في خدمة كتاب الله وأهله.