فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الأمن المائي المصري في مرمى الخطر.. السفير أحمد حجاج: إثيوبيا تمارس سياسة فرض الأمر الواقع وتضر بالاستقرار الإقليمي.. منى عمر: فتح توربينات سد النهضة دون تنسيق فضح غياب الإدارة الرشيدة لدى أديس أبابا

سد النهضة
سد النهضة

يُعد ملف مياه نهر النيل من أكثر القضايا الاستراتيجية حساسية فى مصر، حيث ظل لعقود محورًا رئيسيًا فى السياسة الخارجية المصرية، لكنه دخل مرحلة جديدة من التصعيد عقب أزمة سد النهضة الإثيوبي.

تفاقمت هذه الأزمة نتيجة الإهمال السياسى فى إدارتها خلال فترات سابقة، مما أدى إلى تحولها من خلاف فنى إلى أزمة إقليمية ودولية، تهدد الأمن القومى لمصر والسودان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وحتى البيئية.

وتأتى التطورات الأخيرة، خصوصًا بعد فتح إثيوبيا للسد دون تنسيق، لتُغرق مناطق فى السودان وتدق ناقوس الخطر من جديد، ما يثير تساؤلات ملحة حول التداعيات الكاملة للمشروع، وسبل المواجهة المطلوبة من القاهرة والخرطوم.

فيتو فتحت حوارا موسعا مع عدد من المختصين لرصد أبعاد الأزمة، ومعرفة جذورها الممتدة منذ توقيع اتفاقية عنتيبى عام 2010، وانعكاساتها الحالية، مع تحليل ما يجب اتخاذه من خطوات عاجلة لحماية حقوق مصر والسودان المائية فى ظل خطاب الرئيس الأخير الذى شدد خلاله على قدرة مصر على حماية أمنها المائى.

إجراءات أحادية

فى البداية، أوضح السفير أحمد حجاج، مساعد وزير الخارجية الأسبق والخبير الاستراتيجي، أن أزمة سد النهضة الإثيوبى لا تزال قائمة بسبب الإجراءات الأحادية التى تتخذها إثيوبيا دون التنسيق أو التشاور مع دولتى المصب (مصر والسودان).

وأشار إلى أن أحدث هذه الخطوات تمثلت فى تشغيل توربينات السد لتصريف المياه، ما أدى إلى أضرار كبيرة فى السودان، كما امتدت آثار هذه التدفقات لتصل إلى بعض محافظات مصر، منها المنوفية مؤكدا أن مثل هذه التصرفات تتطلب وقفة حاسمة، خاصة أن مصر كانت على استعداد مسبق لمثل هذه التحركات، ولكن استمرار النهج الأحادى من الجانب الإثيوبى يفاقم الأزمة ويهدد استقرار المنطقة.

إدارة مشتركة

من جانبها ترى السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية، أن التداعيات الأخيرة الناتجة عن قيام إثيوبيا بفتح توربينات سد النهضة، وما تبعها من تدفقات مائية هائلة تجاه السودان ومصر، قد أكدت صحة موقف مصر منذ البداية عندما طالبت بإدارة مشتركة للسد وفقًا لاتفاق إعلان المبادئ.

وأضافت أن الإجراءات الأحادية التى تقوم بها إثيوبيا، وتسريب المياه نتيجة الامتلاء الكامل للسد، تسببت فى غرق مناطق واسعة بالسودان ووصول المياه إلى بعض المناطق فى مصر، مشيرة إلى أن ما حدث يبرهن على غياب حسن الإدارة لدى الجانب الإثيوبي.

وشددت “منى عمر” على أن المرحلة الحالية تتطلب من إثيوبيا تبنى نهج جديد يشمل إشراك مصر والسودان فى إدارة السد، واعتماد مبدأ المرونة فى التفاوض بدلًا من سياسة التعنت، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد تشغيل السد.

وأكدت أنه على مصر والسودان تكثيف التحرك فى المحافل الدولية مثل مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، من أجل فضح التصرفات الإثيوبية أحادية الجانب، قائلة: “مصر لم تلجأ إلى القوة الخشنة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فكل الخيارات تبقى مطروحة”.

تهديد دولتي المصب

من جانبه قال اللواء عادل العمدة، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا: إن سد النهضة يمثل أحد أبرز التهديدات الأمنية التى تُهدد استقرار دولتى المصب (مصر والسودان)، مشيرًا إلى أن ذلك يعود إلى عدة أسباب جوهرية فى مقدمتها خرق إثيوبيا للاتفاقيات المنظمة لعلاقات دول حوض النيل، خاصة فيما يتعلق بإنشاء السدود دون إخطار مسبق، وهو ما وصفه بـ”التعدى السافر” على حقوق دولتى المصب.

وأوضح العمدة أن إثيوبيا نفذت مشروع السد بدعم ومساندة من بعض القوى الإقليمية والدولية التى لا ترغب فى استقرار المنطقة، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين دول المنبع والمصب، وفتح الباب أمام تحديات كبيرة على الساحة الإقليمية.

وأضاف أن احتجاز ما يقرب من 74 مليار متر مكعب من المياه داخل سد النهضة يمثل خطرًا كبيرًا، خاصة فى ظل تجاوز السعة التخزينية المحددة التى كانت تبلغ 14.5 مليار متر مكعب فقط، فى مقابل حصص مصر والسودان من مياه النيل والبالغة 55.5 و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.

وأشار إلى أن معدلات الفيضان الأخيرة والتدفقات المائية التى تجاوزت 570 مليون متر مكعب يوميًا أدت إلى غرق مناطق فى السودان، وامتدت إلى مصر، إلا أن الاستعدادات المصرية المسبقة خففت من الآثار السلبية لهذه التدفّقات، عبر إقامة بحيرة صناعية ومفيض توشكى بسعة 22 مليار متر مكعب لكل منهما، بالإضافة إلى السعة التخزينية لبحيرة ناصر التى تصل إلى 162 مليار متر مكعب.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الأزمة الحالية تعود إلى تعنت إثيوبيا وعدم التزامها باتفاق إعلان المبادئ الموقع فى مارس 2015، رغم أن عام 2020 شهد تقدمًا فى المفاوضات، حيث وافقت أديس أبابا مبدئيًا على صيغة تفاهم مع مصر والسودان، لكنها انسحبت من التوقيع فى اللحظات الأخيرة، ما يؤكد استمرار النهج الأحادى فى إدارة ملف السد.

قضية مصيرية

من جانبه أكد الدكتور علاء رزق، مدير المركز الاستراتيجى للتنمية الاقتصادية، أن قضية مياه نهر النيل أصبحت من أبرز القضايا المصيرية المطروحة على الساحة الإقليمية، لا سيما بعد دخول قوى دولية وإقليمية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ملف دول حوض النيل، مشددًا على أن هذا التدخل الخارجى يساهم فى تعقيد المشهد وزيادة حدة التوتر بين دول المنبع ودول المصب.

وأشار رزق إلى أن إعلان إثيوبيا بشكل منفرد تحويل مجرى النيل الأزرق وإنشاء سد النهضة دون تنسيق أو اتفاق مع دولتى المصب (مصر والسودان)، يُعد خروجًا واضحًا عن الأعراف الإقليمية والتوافقات التاريخية التى نظمتها اتفاقيات 1902، و1929، و1959، والتى تنص على حظر إقامة مشروعات أحادية قد تؤثر على حصص المياه دون إخطار مسبق.

وأضاف: “هذا السلوك الإثيوبى يخالف كذلك قواعد القانون الدولي، خاصة مبدأ حسن النية فى تنفيذ المعاهدات، وهو ما يعكس حالة من التعنت وغياب الشفافية”.

وتابع رزق قائلًا: “منذ بدء تشغيل سد النهضة فى 9 سبتمبر، شهدنا تصريفًا يوميًا تجاوز 750 مليون متر مكعب من المياه، وهو ما يعادل ضعف الإيراد الطبيعى للنيل فى هذه الفترة”، مؤكدًا أن هذا الوضع يعكس فشلًا فنيًا فى إدارة وتشغيل السد، ويكشف تجاهل إثيوبيا الكامل للمخاطر التى قد تنجم عن هذه التصرفات، وعلى رأسها احتمالية انهيار السد وتعرض مدن سودانية ومصرية للغرق.

وأكد رزق أن مصر تعرضت بالفعل لأضرار نتيجة الفتح المفاجئ لتوربينات السد، تمثلت فى غرق مساحات من الأراضى الزراعية ومنازل فى دلتا النيل، لافتًا إلى أن القاهرة اتهمت سد النهضة بالوقوف وراء تلك الخسائر.

وأضاف أن التصرفات الإثيوبية تفتقر إلى المسئولية وتُعد تهديدًا مباشرًا لأمن شعوب دول المصب، وكشفت زيف مزاعم إثيوبيا بعدم الإضرار بالغير، مشيرا إلى أن السودان يواجه خطرًا داهمًا بعد تجاوز منسوب المياه بالخرطوم حاجز الخطر، مما يزيد القلق فى مصر من سيناريوهات مشابهة، لكن وجود السد العالى بسعته التخزينية البالغة 162 مليار متر مكعب يمثّل عامل أمان كبيرا، حيث يمكنه امتصاص حتى مليار متر مكعب يوميًا دون تأثير سلبي.

وأكد أن الكميات المتدفقة حاليًا من السد تتراوح بين 700 إلى 750 مليون متر مكعب يوميًا، بينما المعتاد أن يحصل السودان على 300 إلى 400 مليون فقط فى مثل هذا التوقيت، وهو ما يفوق قدرة السدود السودانية مثل الروصيرص على الاستيعاب.

وفى ختام تصريحاته، شدد الدكتور علاء رزق على ضرورة وجود تنسيق حقيقى وفعّال بين الدول الثلاث (مصر، السودان، إثيوبيا)، خاصة فى ما يتعلق بتبادل البيانات والمعلومات الخاصة بالملء والتصريف والتشغيل، مؤكدًا أن التفاوض بشفافية هو الطريق الوحيد لتفادى أزمات أكبر قد تهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة بالكامل.

ملف معقد

من جانبه أوضح الدكتور محمد رشوان، الخبير فى الشأن الإفريقي، أن الأثار السياسية لسد النهضة الإثيوبى على دولتى المصب (مصر والسودان) باتت تمثل أحد أعقد الملفات الإقليمية التى تجمع بين الجوانب الأمنية، القانونية، السياسية، والاقتصادية، مع امتداد تأثيرها إلى الأمن القومى والاستقرار الداخلى للدول الثلاث.

وقال رشوان: إن سد النهضة، منذ افتتاحه فى سبتمبر 2025 كأكبر سد فى إفريقيا، أصبح مصدرًا دائمًا للتوترات الدبلوماسية بين إثيوبيا ومصر والسودان، فمصر ترفض تمامًا الإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا فى ملء وتشغيل السد، واعتبرتها انتهاكًا صارخًا لحقوقها المائية وتهديدًا لأمنها القومي، أما السودان، فيقف فى وضع معقد، حيث يسعى للاستفادة من السد فى توليد الطاقة، لكنه يعانى من فيضانات مدمرة وتدفقات مائية غير منسقة تهدد الأمن المائى والزراعي.

وأشار رشوان إلى أن أزمة سد النهضة فرضت ضغوطًا داخلية على الحكومة المصرية، دفعتها إلى إطلاق تحذيرات دبلوماسية وتحركات قانونية دولية، بالإضافة إلى تعزيز قدرة السد العالى على مواجهة التقلبات المائية وقد تحولت القضية إلى عنصر محورى فى الخطاب السياسى والإعلامى المصري، ما يعكس حالة الاستنفار السياسى والشعبى المرتبط بملف المياه.

ولفت رشوان إلى أن العديد من الجهات الدولية والإقليمية – مثل الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة – حاولت التوسط فى الأزمة، لكن دون الوصول إلى توافق حقيقي.

وحذر من أن تطورات أزمة السد لا تؤثر فقط على الأمن المائي، بل على مستقبل إدارة الموارد الطبيعية فى إفريقيا، ويرى رشوان أن مستقبل الأزمة يقف عند مفترق طرق، إما التوصل إلى اتفاق عادل يضمن حقوق مصر والسودان فى المياه، أو استمرار التوترات التى قد تنزلق إلى أزمات إقليمية أوسع، فمصر تؤكد تمسكها بحصتها التاريخية البالغة 55.5 مليار متر مكعب، بينما تسعى إثيوبيا لتحقيق ما تسميه “السيادة المائية”، أما السودان، فلا يزال موقفه متأرجحًا بين المكاسب والمخاطر.

وحدد الدكتور رشوان مجموعة من الاستراتيجيات العاجلة لمواجهة الأزمة على عدة مستويات كالتالي:

الأولى هى الإدارة الفنية والمائية بحيث يتم إجراء رصد لحظى لتدفقات النيل باستخدام الأقمار الصناعية والنماذج الهيدرولوجية، وتشغيل ديناميكى للسد العالى ومفيض توشكى لتصريف الفيضانات، وصيانة قناطر النيل وتوسيع الترع وتحسين الشبكات المائية، وتحذير المجتمعات النهرية وإخلاء المناطق المعرضة للغمر.

والثانية هى السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال تعويض المتضررين من الفيضان، ودعم الزراعة المقاومة للملوحة ومشروعات الرى الحديث، وإنشاء صندوق طوارئ لمواجهة الخسائر المفاجئة.

والثالثة هى التحركات السياسية والدبلوماسية من خلال تصعيد الملف إلى مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي، والتفاوض على اتفاق ملزم بآليات واضحة للتشغيل والتصرف.

واختتم رشوان حديثه بالتأكيد على أن سد النهضة، رغم مخاطره، يمكن أن يتحول من تهديد إلى فرصة إذا ما تحقق تنسيق حقيقى بين الدول الثلاث، داعيًا إلى التحرك الجماعى لمواجهة التحديات المائية والسياسية فى القرن الإفريقى بروح التعاون وليس التصعيد.

أولوية قصوى

من جانبه شدد الدكتور رمضان قرني، الخبير فى الشأن الإفريقي، على أهمية أن تستمر التحركات المصرية المكثفة على الصعيدين الإقليمى والدولى لمواجهة تداعيات سد النهضة الإثيوبي، مشيرًا إلى أن التعامل مع هذا الملف يجب أن يظل أولوية قصوى للدبلوماسية المصرية نظرًا لما يحمله من تهديد مباشر للأمن المائى والقومى المصري، فضلًا عن تأثيره على أمن واستقرار نحو 250 مليون مواطن فى مصر والسودان وإثيوبيا.

وأكد قرنى ضرورة تعزيز الدور المصرى داخل الاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن الدولي، بما يشمل تجديد الخطاب المرسل إلى مجلس الأمن فى سبتمبر الماضي، والذى شدد على أن سد النهضة إجراء أحادى مخالف للقانون الدولي، لا يجب أن تنتج عنه أية آثار قانونية تؤثر على النظام الحاكم لمياه نهر النيل الشرقي.

وعلى المستوى الإقليمي، يرى قرنى أن هناك ضرورة ملحة للحفاظ على التنسيق الاستراتيجى والسياسى مع السودان، وذلك من خلال تفعيل مشروعات الربط الكهربائى مع السودان، لقطع الطريق أمام الدعاية الإثيوبية المضللة التى تسعى لإقناع الخرطوم بأن مصر تعرقل التنمية وتعزيز التواصل السياسى المستمر، للحفاظ على وحدة الصف فى مواجهة الإجراءات الإثيوبية الأحادية.

ودعا قرنى إلى الاستفادة من المواقف الدولية المؤيدة للموقف المصري، ومنها تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى أعلن مرارًا تفهمه الكامل للموقف المصري، بل وأعرب عن رفضه صراحة تقديم تمويل أمريكى للسد دون اتفاق ملزم.

ورغم الإقرار بمحدودية فاعلية الاتحاد الإفريقى نتيجة مشكلات هيكلية داخلية، أكد قرنى أهمية إشراكه فى المسارات التفاوضية المستقبلية، بهدف منع إثيوبيا من استغلال الساحة الإفريقية لتصدير دعايتها بأن مصر تقف فى وجه التنمية والحفاظ على الحضور المصرى فى المحافل الإفريقية، كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لحماية المصالح القومية.

وشدد قرنى على أهمية الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع دول القرن الإفريقي، وخاصة إريتريا والصومال، عبر التنسيق المشترك والتأكيد على رفض أية ترتيبات تهدف إلى منح إثيوبيا منفذًا بحريًا على حساب سيادة الدول المجاورة، لا سيما السيادة الصومالية على سواحل البحر الأحمر.

واختتم الدكتور رمضان قرنى رؤيته بالتأكيد على أن التعامل مع قضية سد النهضة يجب ألا يكون من منظور مائى أو فنى فقط، بل ينبغى أن يكون قضية أمن قومى شامل تتكامل فيها الأدوات الدبلوماسية، القانونية، التنموية، والإعلامية وتُبنى على تحالفات استراتيجية داخل أفريقيا وخارجها، لمواجهة مشروع إثيوبى يهدف إلى فرض الهيمنة على منابع النيل بشكل أحادي.

استفزاز إثيوبى

وبرلمانيا، أكد النائب شريف الجبلي، رئيس لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب، أن مصر سجلت موقفها منذ اللحظة الأولى فى رفض التصرفات الأحادية من جانب إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة، مشيرا إلى أنه مؤخرا سجلت مصر موقفها بمخاطبة مجلس الأمن، بعد إعلان افتتاح سد النهضة وتشغيله رسميا، وهو الذى يمثل استفزازا واضحا من جانب إثيوبيا لدولتى المصب مصر والسودان ولكن كافة المفاوضات والمباحثات باءت بالفشل، بسبب التعنت الواضح من الجانب الإثيوبي، على الرغم من التحذيرات بشأن تضرر دولتا المصب مصر والسودان.

وفيما يتعلق بتأثر مصر بعد التشغيل الفعلى لسد النهضة، قال: سيظهر كل شيء بعد التشغيل الفعلى واكتشاف إمكانيات السد، لاسيما فى حال تم تفريغ جزء من مياه السد مؤكدا أن حصة مصر من مياه النيل والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب، لا يمكن المساس بها، وأى انتقاص منها سيكون له تأثيرات سلبية، خصوصا فى ظل تزايد عدد السكان، والحاجة إلى كميات أكبر من المياه.

وأشار عضو مجلس النواب، إلى أن الجميع يشهد لمصر تحركاتها الإيجابية والمدروسة فى هذا الملف منذ سنوات طويلة، إلا أن الجانب الإثيوبى دائما يغلق الباب أمام المفاوضات، والتصرف بشكل أحادي، مردفا: المياه تمثل أمنا قوميا لمصر، وأى تأثير على الحصة المقررة، يمثل مساسا بالأمن القومى المصري، وهو ما لن يتم السماح به، مشيرا إلى أن القيادة السياسية المصرية لديها أدواتها فى التعامل مع أى تصعيد أو أى شيء من شأنه المساس بحصة مصر وحقها التاريخى فى مياه النيل.

ولفت إلى أنه حتى الآن لم تتأثر مصر بصورة كبيرة، ولم يحدث ضرر بشكل مباشر، إلا أن ذلك من المتوقع أن يحدث مستقبلا فى حال قلة الفيضان، وهو ما يتبعه من حالة جفاف، مضيفا: مصر حريصة فى التأكيد على حق إثيوبيا فى التنمية، ولكن فى الوقت نفسه، الإبقاء على حقوقنا فى مياه نهر النيل، وعدم المساس بحصتنا منه.

 

عربية النواب: قادرون على حماية الأمن المائي

من جانبه أكد النائب أحمد فؤاد أباظة، رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، أن القيادة السياسية حريصة منذ اللحظة الأولى على إعلاء الحوار والتفاوض من أجل حل مشكلة سد النهضة مشيرا  إلى أن الرئيس السيسى كان واضحا وحاسما فى التأكيد على حماية حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، مع الإقرار فى الوقت نفسه بحق الدول الأفريقية فى التنمية، بما يضمن تحقيق مصالح جميع شعوب القارة الإفريقية.

وشدد النائب على أن مصر ترفض رفضا قاطعا أية إجراءات أحادية فى حوض النيل، قائلا: ومصر لن تتنازل عن حقوقها التاريخية فى مياه نهر النيل، مؤكدا أن مصر لا تعارض مشروعات التنمية فى دول حوض النيل، لكنها تشدد على ضرورة ألا تؤثر تلك المشروعات على حصتها المائية. قائلا: مواقف الرئيس وتحركاته فى هذا الملف، رسالة طمأنة للشعب المصرى بشأن ملف المياه، ومشددا على  ثقة جموع الشعب المصرى فى جهود الدولة المصرية والقيادة السياسية من أجل الحفاظ على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، والسعى نحو الحفاظ على حصتنا.

من جانبها أكدت النائبة إيلاريا حارص، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أن التحركات المصرية على كافة المستويات تكشف صلابة الموقف فى الحفاظ على أمن مصر المائي، وعدم المساس بحصتها من مياه نهر النيل مشيرة إلى أن الرئيس حريص على طمأنة المصريين فى التعامل لمواجهة التحديات الإقليمية والمخططات التى تستهدف المنطقة، وبينها ملف سد النهضة.

إثيوبيا ليست وحدها

بدوره قال  المهندس محمد سامي، الرئيس الشرفى لحزب الكرامة: إن إثيوبيا لا تتحرك بمفردها فى هذا الملف، بل تقف خلفها جهات خارجية توفر لها التمويل والدعم، ليس فقط لبناء سد النهضة، بل لتشجيعها على تشييد مزيد من السدود مستقبلًا، مضيفا فى  تصريح لـ”فيتو”، أن إثيوبيا دولة فقيرة للغاية وتفتقر إلى الموارد الكافية، ما يجعل من الصعب عليها اتخاذ قرارات كبيرة بشكل مستقل، مشيرا إلى أن هناك أطرافا أجنبية وجهات خارجية هى التى تمول إثيوبيا، مستغلة غياب الدور المصرى الفاعل، مما يفتح المجال لتدخل دول مثل إسرائيل وغيرها لدعم وتمويل مشاريع مثل بناء السدود، مشددا على أن الحضور المصرى القوى على الساحة الدولية هو العامل الأساسى فى منع مثل هذه التدخلات التى تستغل ضعف الدول لفرض أجندات خارجية.

وأشار سامى إلى أن ملف سد النهضة قد وصل إلى مرحلة لا رجعة فيها، وأصبح للأسف واقعًا مفروضًا، مبينا أن أى تصعيد أو تحرك ضده الآن قد يترتب عليه عواقب وخيمة خاصة على السودان، منوها إلى أن الأهم فى هذه المرحلة هو إدراك أن إثيوبيا قد تمضى فى إنشاء سدود أخرى، بدعم وتمويل من جهات خارجية معروفة، وهو ما يشكل التهديد الأكبر فى المستقبل، لافتا إلى أن إثيوبيا استطاعت فرض الأمر الواقع نتيجة غياب الدور المؤثر من الجانب المصرى والسودانى فى مراحل حاسمة من الملف.

وكشف سامى عن أنه حين تدخلت أمريكا ووصل الأمر إلى مرحلة حاسمة، تراجعت أمريكا وتبعتها إثيوبيا، مؤكدا أن سد النهضة يؤثر بالفعل على نصيبنا من المياه، وإذا أنشئت سدود أخرى فسيكون التأثير بالغ جدا، مضيفا أن إثيوبيا تبدو وكأنها تسعى للمتاجرة فى المياه مع مصر، رغم أن السودان لديها مصادر متعددة للمياه، لكن المشكلة هى أن مصدرنا الرئيسى للمياه بنسبة 90% من النيل، مؤكدا أن إثيوبيا قد تدفع نحو تحويل المياه إلى سلعة تباع لمصر، وحتى الآن لم تكتمل البنية التحتية لنقل الكهرباء الناتجة عن سد النهضة، وهو مشروع كبير يتطلب استثمارات وتمويلات خارجية ضخمة للغاية.

وقال: إن ما نقوم به الآن هو توطيد علاقاتنا مع الصومال وإرتريا بهدف إقامة وجود عسكرى محدود واستراتيجى فى المنطقة، يسمح بأن نفعل قوة ردع لإثيوبيا فيما لو أقدمت على بناء سدود أخرى، أما سد النهضة فقد بات واقعا لا يمكن تجاهله، ولذلك علينا التعامل مع تبعاته بواقعية وحنكة، وأن يكون هدفنا واضحا وهو الحفاظ على أمن حصتنا من مياه النيل ومصالح بلادنا دون إشعال نزاع إقليمي.