فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

روايات مأساوية من ضحايا «سد الدمار» في أسيوط.. المياه تغمر 9 جزر.. تتلف الزراعات والمنازل.. ارتفاع منسوب النيل 18 سم.. ومخاوف من غرق مناطق سكنية أخرى

فيضان النيل
فيضان النيل

شهدت 9 جزر بنهر النيل تقع فى مناطق متفرقة من محافظة أسيوط، حالات غمر جزئى متزايدة خلال الأيام الأخيرة، نتيجة لارتفاع منسوب مياه نهر النيل، ويرجع هذا الارتفاع إلى التصرفات الأحادية من قبل الحكومة الإثيوبية عقب تشغيل سد النهضة وتفريغ كميات من المياه بعد افتتاحه فى التاسع من سبتمبر، وقد تسبب هذا الوضع فى غرق بعض الأراضى الزراعية بتلك المناطق، رغم تطمينات صادرة عن مسئولى المحافظة بعدم وجود ما يدعو للقلق.

وبحسب تصريحات اللواء هشام أبو النصر محافظ أسيوط، فإن هذه المناطق تتعرض للغمر سنويا، وهى عبارة عن أراضى طرح نهر منخفضة وواقعة على بعد قليل من القناطر وتعد بطبيعتها جزءا من القطاع المائى للنهر، ولا يوجد بها سكان، موضحًا أن عملية الغمر أمر طبيعى يتكرر كل عام فى نفس التوقيت خلال أشهر زيادة التصريفات المائية من شهر مايو لشهر أكتوبر، والذى يتراوح بين 10 إلى 40 سنتيمترا فقط.

رصدت فيتو من خلال تصريحات مسئولى الرى ومحافظ أسيوط، أن عدد الجزر التى ارتفع بها منسوب المياه بلغت 9 جزر فى مناطق متفرقة، وتضم جزيرة ساحل سليم بمركز ساحل سليم، وجزيرتى مجريس والبربا بمركز صدفا، وجزر العقال القبلى والهمامية ونجوع المعادى بمركز البداري، فضلا عن جزيرة بنى مر بمركز أبنوب، بالإضافة إلى عزبة الفيومى وعزبة سليمان بمركز القوصية، وعدد من المناطق صغيرة المساحة فى أنحاء متفرقة قريبة من المجرى المائى وتابعة لطرح النهر.

التقت «فيتو» عددا من سكان المناطق المتضررة لرصد الأوضاع على أرض الواقع، فى ظل ما تردد عن ارتفاع منسوب المياه مقارنة بالأعوام السابقة، وعلى الرغم من تأكيدات المحافظة بأن الأمور مستقرة ولا تشكل أى تهديد للسكان أو الأراضى الزراعية، إلا أن مشاهدات السكان وتغيرات الطبيعة فى الجزر تعكس صورة مغايرة، تثير التساؤلات حول دقة التصريحات الرسمية.

يقول عبد حسن عبد المنعم، فلاح وأحد مزارعى منطقة طرح النهر بجزيرة نجوع المعادي: إن الجزيرة تشهد بالفعل غمرا كل عام ولكن المياه لا تصل لهذا المستوى من الزيادة أبدا، وتعود للوضع الطبيعى فى شهر سبتمبر لذلك يتم زراعتها كل عام فى الموسم الشتوي، ولكن هذا العام غمرت المياه الجزيرة بشكل كبير حتى اختفت أجزاء منها تماما، مما أدى إلى عزوف المزارعين عن زراعة تلك المناطق حتى هذه اللحظة والخوف من النزول إليها.

وفيما أشار بسام عبدالحي، مزارع بقرية بنى مر ومن المزارعين بطرح النهر بجزيرة بنى مر، إلى أن المياه غمرت الجزيرة تماما حتى أن ملامح وفواصل الأراضى فى الجزيرة اختفت وتداخلت، وأصبحت على بعد كبير من سطح النيل واذا نزل المزارع للجزيرة المياه تغطى أكثر من نصف جسده مما يهدد القاطنين على أراضى طرح النهر بالغرق خاصة الأطفال إذ لم يتخذوا حذرهم.

ولفت عبد الحى أن الجزيرة كانت تزرع بالبرسيم والجراو لتربية المواشي، وتستخدم كمرعى لها فى هذا التوقيت وحتى فى أشهر الصيف كانت ملاذا لهم للتنزه والهروب من الحر، ولكن هذه الأيام لا يعلم كل منا حدود منطقته داخل الجزيرة بعد غمرها بالمياه والتى تزداد يوما بعد يوم.

وفى ذات السياق، حصلت “فيتو” على تصريح خاص من المهندس الهيثم عبد الحميد نصر، مدير عام المشروعات والتوسع الأفقى بوزارة الموار المائية والرى ونقيب المهندسين بأسيوط، حيث أكد خلاله على أن محافظة أسيوط شهدت ارتفاعا فى منسوب مياه النيل بما يزيد عن 12 سنتيمتر تقريبا فى الأيام الأخيرة، مبينا أنه لا يوجد أى احتمال لغرق المناطق السكنية أو الأراضى المستقرة فوق طرح النهر إلا إذا زاد المعدل عن ذلك.

وأوضح المهندس الهيثم أن بعض الجزر الواقعة جنوب قناطر أسيوط الجديدة تقع فى منطقة طرح طبيعى للنهر، لذا فإن غمرًا جزئيًا لأطراف تلك الجزر أمر كان متوقعا عند زيادة التصريفات، مشيرا إلى أن الكميات المتدفقة من السد الإثيوبى حتى الآن تُعد مطمئنة وآمنة، وأن الهدف من الزيادة الحالية هو إراحة السد العالى تحسبًا لأى كميات مائية إضافية قد تصل مستقبلا إلى مصر.

وأكد نصر أن إجمالى ما تم تصريفه من سد النهضة هى كميات يمكن للدولة المصرية التصريف بها بأمان دون أى تهديد، مشيرا إلى أن التصرفات المتهورة من الجانب الإثيوبى  ممارسات غير منضبطة، ولافتا إلى أن منسوب السد الإثيوبى قد تراجع بحوالى متر كامل، وهو ما يعادل تصريف نحو 2 مليار متر مكعب من المياه دون مبرر فنى واضح.

وأوضح “نصر” أن وزارة الرى أصدرت بيانات تشير إلى أن التصريفات اليومية من السد الإثيوبى ارتفعت إلى حوالى 780 مليون متر مكعب يوم 27 سبتمبر، ثم تراجعت بعد ذلك إلى نحو 380 مليون متر مكعب يوم 30 سبتمبر، مبينا أن هذا التذبذب يتماشى مع نمط إدارة مائى متحرك يُراعى الاختلافات فى الإيراد والتوزيع.

ورغم التحذيرات التى أطلقتها وزارة الموارد المائية والرى لسكان المناطق القريبة من مجرى النهر حول ارتفاع منسوب المياه وغرق عدد من الجزر فعليًا، بالإضافة إلى ما شهدته محافظة المنوفية من غرق لبعض المنازل، إلا أن محافظة أسيوط لا تزال تتذبذب فى موقفها بين التأكيد والنفي، حيث تصر المحافظة على أن الأنباء المتداولة حول ارتفاع المنسوب ليست سوى شائعات لا أساس لها.

وفى هذا السياق، أصدر اللواء هشام أبو النصر بيانًا أكد فيه أن الوضع داخل أسيوط مستقر بالكامل، وأن منسوب المياه لا يزال ضمن معدلاته الطبيعية دون أى تهديد يطال المواطنين أو الأراضى الزراعية، مبينا أن الصور المنتشرة للجزر المغمورة غير دقيقة ولا تعكس الواقع، مشيرًا إلى أنه وجه فرقا للنزول ميدانيا من أجل توثيق الحالة عبر بث مباشر من بعض المناطق بهدف طمأنة السكان، وهو ما قد يبدو متعارضا جزئيا مع تعليمات مجلس الوزراء ووزارة الرى التى شددت على مراقبة تصرفات نهر النيل بعد رصد ارتفاعات فى منسوبه وغرق بعض المناطق، فضلًا عن تكرار المشهد مسبقًا فى عدة قرى بالسودان.

وعقب هذا البيان بيومين، أكد اللواء هشام أبو النصر أن أجهزة المحافظة تواصل جهودها لمتابعة تصرفات ومناسيب مياه النيل، وقد تم تشكيل لجنة ميدانية متخصصة برئاسة السكرتير العام المساعد وعضوية وكلاء وزارة الزراعة والرى والتضامن ومديرى إدارات حماية النيل وشركة مياه الشرب والصرف الصحى ورؤساء المراكز والمعنيين لمتابعة مناطق طرح النهر لحظة بلحظة، والتأكد من سلامة المنشآت واتخاذ الإجراءات اللازمة فور رصد أى ملاحظات تستوجب التدخل، لافتا إلى أن اللجنة تتابع عدد من المناطق تم تحديدها كمناطق ذات أهمية خاصة لمراقبة الموقف المائى ومنها محطات مياه نزلة عبداللاه والهلالى والوليدية، وتلاحظ استقرار الوضع مع وجود بعض الأعشاب وورد النيل بجوار المآخذ وتم التوجيه برفعها.

وشدد محافظ أسيوط على أن اللجنة ستواصل عملها الميدانى بصفة يومية وعلى مدار الساعة لمتابعة الموقف خاصة فى المناطق ذات الأولوية، مع إعداد تقارير دورية، وحال وجود أى تغيرات طارئة يتم تطبيق الإجراءات الاحترازية لضمان سلامة المنشآت والمرافق والتعامل مع أى مستجدات لحفظ سلامة المواطنين والمنشآت الخدمية.