لطفي بوشناق يفتح قلبه لـ"فيتو": التاريخ لن ينسى دور مصر في وقف الحرب على غزة.. الفن أهم من السلاح.. وهذا سر تراجع الأغنية الوطنية
الفنان الكبير لطفي بوشناق، عُرِف بمواقفه المدافعة عن قضايا الشعوب العربية، فغنى عدة أغانٍ دعمًا لأطفال العراق وفلسطين، ومن أشهر أغانيه: "أخويا الإنسان"، و"اعتذار"، و"نشيد السلام"، و"سراييفو" وأغانٍ أخرى عن شهداء قانا وجنين. ورغم ذلك، فهو يؤكد أنه لا يتبنى أي أيديولوجيا سياسية.
قدم بوشناق خلال مسيرته الممتدة أغاني ذات توجه سياسي مثل: "أنا مواطن"، و"السياسي والكراسي"، وغيرهما. وفي عام 2014، أطلق أغنية "غزة اصمدي" دعمًا للمقاومة والشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي. منحت السلطة الفلسطينية لطفي بوشناق جوازًا دبلوماسيًا من فلسطين لدعمه القضية.
وفي 2018، غنَّى بوشناق في حفل لبنان أغنية "أجراس العودة"، التي تفضح موقف بعض الحكام العرب من صفقة القرن، وتنتقد تفرقهم وانشغالهم بما لا يتناسب مع أوجاع الأمة. كما حاز لطفي بوشناق عددًا كبيرًا من الجوائز في الوطن العربي والعالم، فنال جائزة أفضل مطرب عربي عام 1997، وجائزة معهد العالم العربي في باريس وفاز بوشناق أيضًا بجائزة مهرجان الموسيقي العربية الذي تقيمه دار الأوبرا المصرية بالقاهرة.
وفي عام 2006، نال جائزة الرباب الذهبي المقدمة من إدارة مهرجان مراكش الدولي للفنون الشعبية، وحصل على وسام الاستحقاق الثقافي في تونس عام 2009.
تواصلت "فيتو" مع المطرب العربي الكبير، وكان لها معه هذا الحوار الذي خاض في السياسة كما خاض في الفن...
• قلت من قبل إن لعائلتك أصلا غير عربي، هل أثَّر ذلك في وجدانك الفني؟
- أنا لي جذور في البوسنة لكنها غير عميقة.. فالمنطقة العربية مرت عليها عدة حضارات، ولكن دائما أنا أتشرف بعروبتي وبأصلي العربي، أصلي الأصيل.. فأنا وُلدت في تونس وأتشرف بتونس وبعروبتي. وعموما أنا إنسان، وبعد عمر طويل ربي لن يسألني: أصلي منين.. وربنا يقدرنا على أن نحب بعض ونقدر بعض، وندعم بعض، ونقوم بواجبنا مع بعض على أحسن ما يرام.
• وصفت مصر بأنها "وتد الأمة العربية"، ما رأيك في سهام النقد التي توجه إليها من بعض المغرضين هذه الآونة؟
- مصر هي مصر، أحبها من أحبها، وكرهها من كرهها، 7 آلاف سنة حضارة، وربنا ذكرها في القرآن، تبقى هي الوتد بتاع الأمة العربية، ربي يحميها، واللي يحاول يشوه صورتها مسكين، غلطان، مصر دولة عظيمة ماضيا وحاضرا ومستقبلا بإذن الله.
• صف لنا شعورك بعد تكريمك فى مهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة 2024.
- تكريمي في مهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة العام الماضي شرف لي، ونقطة مهمة في تاريخي، وإن شاء الله أكون عند حسن الظن، وأحمل الرسالة بكل أمانة، وبكل صدق ومهنية وحرفية، وربنا يوفق الجميع.
• احكِ لنا بعضا من ذكرياتك التي لا تنساها عن مصر، والفنانين المصريين الذين تعتز بهم.
- ذكرياتي في مصر لا تحصى ولا تعد، أشبه بمسلسل، مش نحكي عن ذكرياتي.. التقيت فنانين كبار؛ سيد مكاوي، أحمد صدقي.. هاني شنودة.. الموجي.. ربي يرحمهم، ومن لا يزالون أحياء، ربي يطول في أعمارهم.. والقائمة تطول وتطول.. إنه تاريخ.. مكثتُ في مصر 5 سنوات، من أجمل أيام حياتي، وحبي لمصر بدون مجاملة، وأردد ذلك في كل مكان..
• هل ترى أن الفنان الكبير لطفي بوشناق أدى دوره تجاه القضايا العربية، ولاسيما القضية الفلسطينية كاملا؟
- لا أستطيع أن أحكي عن نفسي، أنا قمت بواجبي أم لا، ولكن تاريخي هو الذي يتكلم بالنيابة عني، فمستحيل أن أتجاهل ما يحصل في العالم العربي، وفي العالم بأسره.. أنا كنت بكل تواضع.. و"مادحُ نفسه يُقرئك السلام".. تاريخي هو الذي يحكي عني، وأعمالي.. في كل مرة هناك موقف أخذتُه بكل قناعة في كل القضايا؛ الإنسانية، بشكل عام، فما بالك بالقضايا العربية التي هي جزءٌ مني، ولازم أكون أنا شاهدا على العصر، وأن أكون صوت الشعب الذي أنتمي إليه، وأن أكون الذاكرة للحقبة الزمنية التي نعيشها، والمرآة التي تعكس الواقع الذي نحياه.. ويكون لي موقف، ومن ليس له موقف لا وجود له، ولا يستحق الحياة.
• وصفت ما يجري في غزة بأنه قبل وقف إطلاق النار عار على جبين الإنسانية، كيف تابعت ما كان يجري في قطاع غزة من حرب إبادة ودمار شامل قبل أن تنجح مصر مع شركاء السلام في وقف الحرب؟
- أكرر ما قلته من قبل؛ ما حدث في المحرقة الإسرائيلية بغزة سيبقى عارا على جبين الإنسانية.. لم أكن أتمنى أن نعيش ونشاهد تلك المأساة.. شيء مؤلم جدا جدا، عامان كاملان من الحرق والقتل والدمار. وربي ينصرنا على أعدائنا، وربنا يوحد صفوفنا، وأن يوفق ولاة أمورنا لدعم هذه القضية، وللعمل على عدم اشتعال العدوان من جديد؛ فمنذ فجر التاريخ ليس لليهود كلمة ولا يصونون اتفاقا ولا عهدا.
• وكيف ترى ما يحدث في السودان واليمن وسوريا ولبنان؟
- ما يحدث في الدول العربية أدعو الله العلي القدير؛ ربي أن يوحد الصفوف، ويبعد الفتنة والبلاء عن كل الدول العربية، فما يحدث في السودان واليمن ولبنان وسوريا موجع جدا.. نتمنى على الله أن كل هذه المشاكل يوجد لها حل، وأن يعم السلام كل الدول العربية.. فما يحدث مؤلم جدا، وموجع جدا.. يارب ابعد كل البلاء عن الدول العربية.
• كفنان عربي وإنسان، كيف أثرت فيك مشاهد الأطفال تحت الأنقاض، والجوع، والدمار الذي لحق بالمستشفيات ودور العبادة والمدارس بغزة؟
- أنا كفنان وإنسان ما شاهدته في غزة خلال العامين الماضيين لا أجد كلاما لأصف الألم.. كما ذكرت لك: سيبقى ما حدث عارا على جبين الإنسانية كلها.. جوع، دماء في كل مكان.. المستشفيات منهارة، وحتى دور العبادة.. لا أجد من الكلام ما يعبر عما يختلج بصدري من الألم والحزن، والوجع.. شيء يندى له الجبين. أتمنى ألا تعود الحرب وأن يبدأ إعمار غزة وأن يستعيد أهلها الأمان الذي فقدوه. لقد تحملوا ما لا يحتمله إنسان في الكرة الأرضية.
• هل تعتقد أن للفن دورًا في مواجهة هذا النوع من الحروب؟ وهل الأغنية قادرة على أن تُدوّي حيث يسكت الإعلام الرسمي؟
- أكيد الفن من أهم الأسلحة في يد العرب حاليا، لمواجهة هذا النوع من الحروب، ورسالة الفن مهمة جدا.. هو سلاح لابد من استغلاله، وأنا متأكد أن الشارع العربي يعج بالشرفاء، من شعراء، وكتاب، ومسرحيين، وسينمائيين، وغنائيين، ملحنين.. ويجب أن نعطيهم الفرصة في وسائل الإعلام، ليظهروا ويعبروا عما يخالج صدور شعوبهم ومشاعرهم، والأغنية قادرة على أن تدوي حين يصمت الإعلام الرسمي.. طبعا لازم نعطيهم فرصة في وسائل الإعلام الرسمية لأن الفنان هو صوت الشعب، وهو الذاكرة والمرآة التي تعكس الواقع الذي نعيشه، ونعطي الفرصة لكافة الفنانين في شتى المجالات ليؤدوا رسالتهم عبر وسائل الإعلام.. الفن دوره مهم جدا، فهو سلاح لابد من استغلاله أحسن استغلال.
• سبق لك أن غنيت "خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن"... هل تشعر اليوم أن الوطن العربي في محنة؟
- لا أحب أن أقول إن الوطن العربي في محنة، بل أقول: يارب وحد الصفوف.. والشرفاء موجودون في الوطن العربي، نقول لهم: "ضموا الصفوف أزيلوا الفتن، وضحّوا جميعًا لأجل الوطن، وكونوا حماة وكونوا بُناة ولا تستهينوا بغدر الزمن.. إذا الشعب يومًا أراد الحياة ينال الأماني بدفع الثمن".. إن شاء الله صفوفهم فعلا تضم، وربنا يوفق ولاة أمورنا للخير ومستقبل هذه الأمة.
• كيف ترى مسؤولية الفنانين العرب في لحظات الدم الكبرى؟ هل يكفي التضامن اللفظي أم أن المطلوب أعمق من ذلك؟
- مسئولية الفنان كبيرة، بل وأكبر من السياسي، السياسي دائما نقول إنه "عابر سبيل"، فلو سألتُك من كان يحكم أيام سيد درويش لن تتذكر، ومن كان وزير ثقافة أيام أم كلثوم........... لكن مواقف الفنانين موجودة، وعلى أيام الشيخ إمام مثلا، من كان يحكم؟ ومن كان يدير ملف الثقافة وقتها؟ لا نتذكر، لكنه هو بقي في الذاكرة..
طبعا، التضامن اللفظي لا يكفي، لازم العمل، وبالأعمال بتاعتك والمواقف، وبالإنتاج، الذي تنتجه وتعبر به عن الوضع الذي تعيشه لأنك صوت الشعب والمعبر عن الواقع.
• هل تفكر في تقديم عمل فني جديد يُجسد مأساة غزة ويدعم صمود الفلسطينيين؟
- أنا عامل 14 عملا عن غزة، وموجودة على "يوتيوب"، وكلها أعمال عن الأحداث اللي صايرة في غزة، كل يوم نسمع شيئا.. والفنان لأنه شاهدٌ على العصر، لذلك لابد أن يكون لك رأي في ما يحصل، وأن تتابع بالعمل لا الكلام فقط.
• لماذا تراجع صوت الأغنية الوطنية في السنوات الأخيرة، رغم ازدياد الأزمات والتدخلات الخارجية؟
- صوت الأغنية الوطنية لم يتراجع، فالوطن العربي يعجُّ بالمبدعين في الأعمال الوطنية.. ولكن الإعلام، وخطورة الإعلام، وأهمية الإعلام؛ لازم نفسح المجال للمبدعين ليظهروا في وسائل الإعلام الرسمية، العالم العربي مليءٌ بالملتزمين ومن لهم القدرة على التعبير، والكرة في ملعب الإعلام، ومن يهمهم الأمر.. وأنت تعلم ماذا أقصد من كلامي هذا..
• ما الذي يمنع من إنتاج أوبرا غنائية أو ملحمة موسيقية عربية كبرى عن فلسطين؟ هل هو ضعف الجرأة؟ أم غياب الدعم؟
- أتمنى أن تكون هناك أوبريتات على مستوى الوطن العربي ويشارك فيها فنانون من كل الوطن العربي، نجسد فيها، ونعبر فيها عن ما يحدث في غزة.. عاجباني الفكرة، وإن شاءَ اللهُ أتبناها، ونجد الدعم اللازم لنوصل الفكرة ويشوفها العالم بأسره.
• شاهدنا تدميرًا ممنهجًا لدور السينما والمسارح والمراكز الثقافية خلال الحرب على غزة، برأيك لماذا يخشى الاحتلال الثقافة والفن؟
- كما قلت لك، فالثقافة سلاح خطير جدا، أقوى من الرصاص، ومن الصواريخ، وليس من باب الصدفة أن يدمروا المسارح والمراكز الثقافية لأن دورها مهم جدا، جدا.. وعلينا أن نغتنم هذا السلاح، ونستعمله، للكفاح والصمود من أجل القضايا الإنسانية، وقضية فلسطين بالدرجة الأولى.
• ما رأيك في الأصوات السينمائية الفلسطينية الشابة التي تحاول أن توثق النكبة والعدوان بلغة الصورة؟
- تحية تقدير واحترام للأصوات الفلسطينية الشابة التي تحاول أن توثق النكبة والعدوان وجرائم الاحتلال بالصوت والصورة، مهم جدا، جدا، لأن هذا هو الذي يبقى في التاريخ، ويبقى عارا على جبين المستعمر، والإنسانية، لأن المأساة دامت أكثر من سنتين، ووصل ضحاياها إلى نحو 70 ألف شهيد وحوالي 150 ألف جريح، وما زال تحت الركام عشرات الآلاف.. هنا شهادة للتاريخ بالصورة مهمة جدا، جدا، للأجيال القادمة.
• هل يمكن أن يتحول العمل الفني إلى شهادة تاريخية أقوى من الوثائق السياسية؟
- تحول العمل الفني إلى شهادة تاريخية أقوى من الوثائق السياسية.. هذا صحيح.
• مَن مِن الفنانين أو الأدباء الفلسطينيين أثَّر في وجدانك الفني والإنساني؟
- لا يمكن أن ننسى الفنان الكبير محمود درويش، هذا العملاق، أنا مهما حكيت عليه مقصرٌ، أثَّر في حياتي وأعشقه عشقا غير عادي.
• ما الرسالة التي توجهها لجماهيرك وللشعوب العربية من قلب هذا الجرح المفتوح؟
- الرسالة: لموا الصفوف أزيلوا الفتن، وضحوا جميعا لأجل الوطن
• هل ما زلت تؤمن أن "الفن أرقى أشكال المقاومة"؟
- كان رأيي، ولا يزال، أن الفن أرقى أشكال المقاومة، كما قلت سابقا.
• في ظل كل هذا الموت، ما الذي يبقيك متمسكًا بالغناء؟
- الفن هو وسيلتي الخاصة جدا للتعبير عما أشعر به ويشعر به الشارع العربي.
• ما هي أقرب أغنياتك إلى قلبك؟
- أغنية "أخويا الإنسان": "في كل عصر في كل مكان، تتخالف فينا الألوان والمطامح والأديان، لكن هذا ما يمنعنا من وحدة حب اتجمعنا، في سلم وأمان، شوف الوجود، صورة للحب المنشود.. بحري مع بحرك مشدود.. طيري يجردك يعود، عاشق ما تردوش حدود، ولولا المحبة ما غنى، ولا ربطت وطنك بوطنَّا، ولا كانت شمس ولا هوانا، ونغود نجمة وتسمعنا، من غير محبة وأمان، ما تكون حياة الإنسان، خللي حبك مثل سحابك يهدي الأوطان الأمطار، تلقى حبي مثل ترابك بذرة تهدي لك الأزهار.. وإذا نجم الحكمة ضوَّى وده بيني وبينك نوره سوى.. نشوف صورة آدم وحوا.. راجعة من عمق الأزمان، تحضنا واحنا إخوان".. كلمات الشاعر الغنائي والمترجم التونسي الكبير آدم فتحي.
• من هو الفنان العربي الذي ترى فيه امتدادا لفن وموهبة لطفي بوشناق؟
- مش بنحب نظلم أحد.. إن شاء الله أكون قدوة، وصادق في مسيرتي، وأستحق أن أحمل لقب فنان عن جدارة وربي يقدرني لكي أعبر وأكون شاهدا على هذه الحقبة الزمنية، وأعبر عما يجيش في صدور الجمهور الذي أحبني ودعمني، وأن أكون في مستوى حبه وتقديره.
• كيف تحلم أن تكون نهاية هذا الفصل الدامي من تاريخنا العربي؟
- إن شاء الله أخيرا نقول عندي أمل في هذا الشعب العربي، وأكيد وكل تاريخ الإنسانية كل الشعوب تمر بفترات صعبة، ولكن في النهاية ثقتي كبيرة في هذا الشعب العربي، وفي وعيه.. أكيد ورا كل فترة صعبة صعود مرة أخرى للقمة، وشدة أودت بالمهج، يارب فعجل بالفرج.. أكيد الفرج قادم بإذن الله. وإن شاء الله وقف الحرب يكون له ما بعده ويعيش أبناء القطاع الفلسطيني حياة طبيعية افتقدوها خلال عامين. وهنا لا بد من توجيه الشكر للإدارة المصرية التي قادت العالم في مشهد تاريخي لوقف الحرب.
• ما الأغنية التي تغنيها الآن، بينك وبين نفسك، كلما كنت تتابع مشاهد غزة؟
- قصيدة محمود درويش التي غنيتها: "عابرون في كلام عابر"، وتقول كلماتها: أيها المارون بين الكلمات العابرة.. احملوا أسماءكم وانصرفوا......"، كلام مهم جدا، وأنا سعيد أني غنيتها وسجلتها.