فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة المؤسسات الدينية على الإلحاد.. الأزهر يطلق وحدة "بيان" للمواجهة الفكرية.. الإفتاء تدشن حوارا عقلانيا ضد موجات التشكيك.. والأوقاف تقرر توسيع الدور التوعوي في المساجد

مرصد الأزهر
مرصد الأزهر

شهدت السنوات الأخيرة فى مصر تصاعدًا ملحوظًا لموجات النقاش حول ما يُعرف بظاهرة «الإلحاد»، التى وجدت بيئتها الخصبة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنامت بين بعض فئات الشباب أنماط من الانحراف الفكرى والتشكيك فى الثوابت، ومع بروز هذه الظاهرة، تحركت المؤسسات الدينية الرسمية بخطاب أكثر تنظيمًا وتنوعًا وتحررا وانفتاحا، كما دشّنت وحدات متخصصة ومبادرات رقمية للتعامل المباشر مع الشباب، ساعية إلى تفنيد الشبهات ومناقشتها بلغة قريبة من عقولهم، وموازنة الخطاب بين منطق العقل وأصالة النقل.

اللافت أن هذه التحركات الدينية تتقاطع مع توجه عام داخل الدولة يسعى إلى تحصين المجتمع من الانحرافات الفكرية، باعتبار أن الوعى القيمى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى والتنمية الإنسانية، حيث بدا أن الخطاب الرسمى للدولة أكثر التفاتًا إلى قضية «بناء الإنسان» وحماية الهوية من التفكك، وهنا لم تعد مواجهة الإلحاد جهدًا دينيًا منفصلًا أو فرديا، بل أصبحت مكوّنًا فى رؤية وطنية أوسع تستهدف تعزيز الانتماء وصون ركائز المواطنة.

وفى هذا السياق، ترصد “فيتو” جهود المؤسسات الدينية فى مواجهة تلك الظاهرة، محللة أسبابها، ومستكشفة مدى قدرة تلك المؤسسات على مجاراة لغة الشباب الحديثة، بما يضمن فاعلية الرسالة وعمق الأثر.

الأزهر الشريف بدوره لم يقف مكتوف الأيدى أمام تلك الظاهرة التى أخذت فى التمدد الذى وإن بدا بطيئًا إلا أنه يمثل خطرًا حقيقيًا على عقول الشباب، فأعلن عام 2018 عن تدشين وحدة «بيان» لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى وذلك من خلال قسم الأديان والفكر بمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، لتكون مركزًا هامًا وقاعدة أساسية ينطلق منها الأزهر لمواجهة الأفكار والشبهات التى تخطر على عقول الشباب.

الدكتور أسامة الحديدة، المشرف العام على مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، قال إن الهدف الرئيسى من وحدة “بيان” هو مواجهة الإلحاد والفكر اللاديني، وأن ذلك يأتى انطلاقًا من دور الأزهر الشريف الدعوى والتعليمى والثقافى والمعرفي، فى نشر صحيح الدين والمفاهيم الصحيحة والوسطية التى تعبر عن الدين الإسلامى الصحيح، والتى تعبر عن مراد الله تعالى من خلال آياته فى القرآن الكريم، كما تعبر تلك المفاهيم التى يدعو إليها عن فهم سنة النبي، مشيرًا إلى أن مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية أسس له مراكز استقبال فى كافة محافظات الجمهورية، وهذه المقرات ستكون بمثابة مراكز استقبال ومقر لأى نشاط يختص به المركز، مؤكدًا أن الإقبال الذى تشهده الوحدة منذ الإعلان عن إنشائها يعكس الثقة الكبيرة التى يتمتع بها الأزهر بين أبناء الشعب المصري، لأنه يمثل جزءًا هامًا من تشكيل هوية وثقافة الشعب المصري.

كما أطلق مجمع البحوث الإسلامية خلال الفترة الماضية مبادرة “معًا لمواجهة الإلحاد” لتسليح المجتمع بالوعى والفكر المستنير، ومن جانبه أوضح الدكتور محمد الجندي، أمين مجمع البحوث الإسلامية، أن ظاهرة الإلحاد رغم أنها طارئة على تاريخ البشرية، فإنها أصبحت من أبرز التحديات الفكرية التى تواجه المجتمع اليوم، لا سيَّما فى ظل انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الحركات الإلحادية تعتمد على التشكيك فى الثوابت واستغلال الجوانب النفسية والاجتماعية للشباب؛ مما يستدعى مواجهة واعية ومتعمقة.

وأضاف “الجندي” لـ “فيتو” أن المبادرة تسعى لإعادة ضبط البوصلة الفكرية للشباب، بحيث يتمكنون من التمييز بين الحقائق العلمية الموثوقة والأفكار المشوهة التى تُروَّج تحت ستار الحرية الفكرية، داعيًا إلى تبنى خطاب علمى عقلانى يعتمد على أدلة واضحة ومنطق متين.

منتدى “اسمع وتكلم” من مرصد الأزهر

كما أطلق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف منتدى “اسمع وتكلم” فى وقت سابق، والذى يستهدف احتواء شباب الجامعات وفتح المجال أمامهم لخوض تجربة نقاشية حية، وتبادل الرؤى والأفكار بينهم، وزيادة وعيهم تجاه القضايا الشائكة على الساحة وعلى رأسها “الإلحاد”، كما اهتم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بالحديث عن ظاهرة الإلحاد التى باتت تهدد شباب المجتمع، ورد على أغلب الشبهات فى برنامج “الإمام الطيب” الذى يذاع كل عام فى شهر رمضان المبارك، وذلك بالحجة والدليل العقلى والنقلي، بجانب إطلاقِ  المشيخة عددا من البرامج التثقيفية والحملات التوعوية واللقاءات الجماهيرية التى تعنى برفع المستوى الثقافى التنويرى لترسيخ الفهم الحقيقى للدين الحنيفِ بمنهجه المعتدل، ودحض شبهات الفكر الإلحادى وتفنيد تأويلاته الشاذة والمنحرفة.

خطة الأوقاف لمواجهة الإلحاد

وفى وزارة الأوقاف يعد محور مواجهة التطرف اللادينى - ومن أشكاله الإلحاد - أحد أبرز المحاور الأربعة التى وضعها الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف على رأس أجندة عمله داخل الوزارة منذ اليوم الأول له، فوجه خلال الفترة الماضية بضرورة حشد كل الطاقات والأدوار الدعوية للأئمة والخطباء والواعظات فى وزارة الأوقاف على جميع المستويات، باستخدام جميع وسائل المواجهة الفكرية؛ لإطفاء نيران الفكر المتطرف، ليكون الدور الدعوى محققًا ومنفذًا لرؤية الدولة المصرية التى قطعت وأنجزت شوطًا كبيرًا فى مواجهة أصحاب الفكر المتطرف.

ومن جانبه أوضح الدكتور أسامة رسلان المتحدث الرسمى باسم وزارة الأوقاف أن الوزارة معنية بالمواجهة الفكرية لظاهرة الإلحاد، خاصة مع تولى الدكتور أسامة الأزهرى منصب وزير الأوقاف وضع رؤية استراتيجية لعمل الوزارة تقوم على أربعة محاور فى السنوات المقبلة وهى مكافحة التطرف الديني، ومكافحة التطرف اللاديني، وبناء الإنسان، وصناعة الحضارة، ومسألة الإلحاد تقع ضمن المحور الثاني، مشيرًا إلى أن الوزارة علمت على رصد مسألة الإلحاد والجدليات المنبثقة عنها، وأنواع الإلحاد، والملحدين، والحجج التى يتناولونها ويذيعونها لجمهورهم، والدراسات فى هذا الباب تشمل أكثر من قرن، وصولًا إلى ما يهمنا فى القرن الحادى والعشرين.

وأشار إلى أن ظهور الموجة الثانية للإلحاد كان فى العشرية الأولى من هذا القرن، حوالى عام 2005، بسبب توسع خدمات الإنترنت خارج الدول المتقدمة، وبداية وجود جمهور عالمى متشوق لمعرفة محتوى الإنترنت ومواقع التواصل، والبروز الإعلامى لكل ما هو علمى وبحثي، فبدا الجميع فى متابعة إصدارات فى العلوم الإنسانية والفكرية، ومن ضمنها الدعوة للإلحاد، والصوت العالى هنا كان قادمًا من العالم الغربى للدعوة للإلحاد، مؤكدًا أن الوزراة تملك رؤية كاملة لمواجهة الإلحاد بدأت العمل عليها بالفعل وأن الفئات المستهدفة هم المراهقون وبدايات الشباب، لأنهم أكثر فئة من الممكن أن تتأثر بسهولة بالتشكيك، لعدم تكوين عقلية علمية ناقدة قوية، لافتا إلى أن عمل الوزارة فى هذا الاتجاه لا يقتصر على المنابر وإنما يشمل  الدروس فى المساجد والمراكز الثقافية، وفى القوافل المشتركة مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء.

وحدة «حوار» فى دار الإفتاء

وفى إطار إستراتيجية دار الإفتاء التى تعمل على  تفعيل ثقافة الحوار بوصفه واحدًا من أهم أدوات التواصل الفكرى والدينى والثقافى والاجتماعي، وفى سبيل ذلك أنشأت وحدة “حوار” وهى وحده تهتم بالبحث العقدى والمعرفى والفكرى وما يتقاطع معهما من إشكالات نفسية واجتماعية”، حيث تم التوسع فى مجال عمل الوحدة لتعمل على تقديم رؤية جديدة فى كثير من القضايا والإشكالات المعرفية، وكذلك تقديم المشورة، مثل قضايا الانتحار، والهوية الجندرية، والعنف الأسري، والاندماج، والتطرف الديني، والإلحاد، والحوار مع الآخر، وسائر القضايا الإشكالية التى أساسها ومنبعها دينى وتتخذ أشكالًا مختلفة، حيث تتيح وحدة حوار خدماتها عبر جلسات حوارية مباشرة تعقد داخل مقر دار الإفتاء، حيث تنظم هذه الجلسات بشكل يومى لضمان تقديم الدعم اللازم للمستفيدين بشكل مستمر.

ومن جانبه أوضح الباحث طاهر فاروق زيد، مدير وحدة حوار دار الإفتاء المصرية، إن كل المشكلات والأسئلة التى تعرض على دار الإفتاء متعلقة بنوع من المشكلات التى يكثر التطرق إليها عند الملحدين، يتم تحويلها مباشرة إلى وحدة حوار، وهى وحدة ذات طبيعة خاصة -بحثية إفتائية- تقوم على استقبال الجمهور وبصفة خاصة فئة الشباب للإجابة عن أسئلتهم المعرفية، مشيرًا إلى أن الوحدة تقوم بالتعامل مع هذه الأفكار والمشكلات بأكثر من طريق، منها كتابة أوراق بحثية ذات صلة بالموضوعات المطروحة، بجانب عقد جلسات حوارية على مدار الأسبوع، وتتسم الجلسات بالسرية، والموضوعية، والمناقشة الهادئة، بالإضافة إلى عقد ورش عمل حول أسئلة الشباب المعرفية والوجودية، وإصدار كتاب حول نظرية المعرفة وحوار الإيمان والإلحاد، وكتاب آخر متخصص للأطفال بعنوان: “الدليل الإرشادى للإجابة عن أسئلة الأطفال الوجودية”.

أسباب تنامى ظاهرة الإلحاد

من جانبه أكد الشيخ أحمد خليل، من علماء الأزهر الشريف، أن موجات الإلحاد فى مصر والمنطقة العربية ما زالت محدودة، لكنها تستحق الاهتمام لأنها تستهدف فئة الشباب فى مرحلة عمرية حساسة.

موضحًا أن مواقع التواصل الاجتماعى لعبت دورًا كبيرًا فى تضخيم هذه الظاهرة، حيث تنتشر مقاطع قصيرة تقدم الشبهات بشكل مبسط وجذاب دون تقديم ردود علمية متوازنة، وهو ما يترك بعض الشباب فى حيرة. وضرب مثالًا بانتشار فيديوهات على منصات مثل “تيك توك” و”يوتيوب” تثير أسئلة عن وجود الله أو العدالة الإلهية دون تقديم سياق علمى صحيح، مما يتطلب سرعة تحرك العلماء والدعاة لتقديم محتوى بديل يجيب عن هذه الأسئلة.

وأضاف “خليل” فى تصريحات خاصة لـ “فيتو” أن الخطاب الدينى فى مصر يشهد عملية تطوير حقيقية، حيث أصبح أكثر قربًا من عقلية الشباب وأكثر وعيًا بقضاياهم، لكن لا بد من استمرار هذا التطوير بحيث يكون الخطاب متوازنًا، يجمع بين العقل والنقل، ويستخدم لغة عصرية بعيدة عن الجمود، مع التركيز على قصص النجاح ونماذج الإلهام من التاريخ الإسلامى التى تبعث الأمل فى النفوس.

كما أن تصوير الإلحاد وكأنه بريء من أى أثر سلبى على المجتمع خطأ فادح وتضليل للناس، مضيفًا: “الجريمة ليست فقط أن تفجر أو تقتل، بل أن تقتل المعنى فى نفوس الناس، وأن تزرع فى عقول الشباب أن الكون بلا غاية ولا هدف، وأن الدين وهم.. هذا أخطر من القتل المباشر لأنه يفتح الباب لفوضى أخلاقية وفكرية لا ينجو منها مجتمع”، وذلك للرد على الأصوات التى أبدت إنزعاجها خلال الفترة الماضية من تخيص وزارة الأوقاف لموضوع خطبة الجمعة عن “اليقين” لمواجهة ظاهرة “الإلحاد”.

 

الملاحدة على الشيزلونج

الدكتور أحمد فخرى أستاذ علم النفس الإكلينيكى ورئيس قسم العلوم الإنسانية بجامعة عين شمس، كشف أن فترة المراهقة والشباب من أخطر المراحل التى يمر بها الإنسان إذا لم يكن لديه الأساس والمهارات والقيم والمبادئ التى غرست فيه منذ طفولته، وذلك من الممنوع والمسموح والعيب والصح والقبول والرفض، وأيضا تنمية الهوايات من رياضة وفنون وقراءة وأنشطة توسع مداركه.

وأضاف أن العقود الأخيرة من القرن الحالى شهدت تحول معظم المراهقين من جيل العالم الافتراضى إلى فريسة للأفكار والثقافات المختلفة والغريبة عن طبيعة وثقافة وطننا العربي، وأصبح الغزو الثقافى والعقائدى المغلوط يتسرب إلى أدمغة هؤلاء الشباب، مما تسبب فى إفراز نماذج غريبة على مجتمعنا تكسر العادات وتخترق النظم وتدعو إلى الحريات بشكل سافر لا يرتبط بقيمنا ومعتقداتنا وديننا، فأصبح هناك من ينادى بالحرية الجنسية بل وبالشذوذ الجنسي، والتحرر من سلطة العائلة وممارسة الفجور والسلوكيات الإدمانية بمختلف أنواعها وأشكالها، فضلا عن أن أكثر أمر يجذب المراهقين بالأخص هو استعراض حياة النجوم والمشاهير ممن يحققون نجاحات وهمية، وهم متحررون من نظم المجتمع وقواعده، ومن هنا تنتشر فكرة التشكيك فى الأديان والعقيدة ووحدانية الإله، حتى تكتمل الصورة وتنقلب المفاهيم المرتبطة بالعيب والغلط والممنوع والمحرمات.

وأوضح خبير العلوم الإنسانية أن العديد من المراهقين ممن يعانون من تربية متسلطة شديدة ولديهم صراع مع سلطة والديهم، أول من يبادرون بكسر العقائد والأديان كنوع من العداء مع السلطة الوالدية وخاصة الأب، وهنا يلجأون إلى العداء تجاه أى سلطة أو قواعد أو نظم، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعى العامل الرئيسى المساعد على اكتساب الأفكار الإلحادية وكيفية ترسيخها فى نفوس هؤلاء المراهقين والشباب، بل ويبدؤون فى التعارف وفتح جسور من العلاقات مع الأفراد الذين يمتلكون نفس الأفكار، وهذا يعتبر بمثابة الحضن أو الرحم الاجتماعى الذى يحتضن الملحد ويشعره أنه ليس وحده فى اعتقاده.

وفى نفس السياق، يقول أنور حجاب أستاذ الطب النفسي، إن ظاهرة الإلحاد ليست قاصرة على دولة أو دين بعينه، بل هى ظاهرة عالمية تتعلق بمرحلة الطفولة والتنشئة الأسرية.

وأوضح الخبير أن الإلحاد فى جوهره إنكار لوجود الله عز وجل، لكنه فى بدايته يرتبط برفض سلطة الوالدين، وخاصة الأب، لافتا إلى أن كثيرا من الملحدين مروا فى طفولتهم بعلاقة قاسية مع آبائهم، ما خلق لديهم كراهية دفينة تجاه هذه السلطة، ثم انعكست لاحقا على رفض سلطة الدولة ثم إنكار الخالق.

وأشار إلى أن الطفل فى سنواته الأولى يحتاج إلى الحب والرعاية والانتماء للأسرة، وهو ما يساعده فى بناء شخصية سوية مليئة بالحب للأب والأم ثم المجتمع والمدرسين وأساتذة الجامعة وصولا إلى الوطن والحاكم، أما فى حالة غياب هذه العاطفة وتعرضه للقسوة، فإنه يكبر بشخصية مزدوجة تتسم بما يعرف بـ “الثنائية الوجدانية”، حيث يكون الحب ظاهريا لكنه يخفى الكراهية فى داخله.

ونصح الخبير الآباء والأمهات بضرورة الاعتناء بأطفالهم بالحب والحنان، وتجنب القسوة المفرطة، حتى لا يترسخ لديهم شعور بالرفض والعداء يتحول بمرور الوقت إلى إلحاد أو تمرد على كل أشكال السلطة.

قال الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع، إن الإلحاد ليس ظاهرة حديثة كما يظن البعض، بل هو قضية قديمة ظهرت فى مجتمعات مختلفة عبر التاريخ، ولم يكن يوما مرتبطا بثقافة أو بيئة بعينها، وإنما يتجدد ظهوره مع اختلاف العصور والظروف، وأكد أن الجهود التى تبذلها الدولة فى مواجهة هذه الظاهرة جهود مشكورة، إلا أن التصدى لها لا ينبغى أن يكون من خلال المعالجة الأمنية وحدها، لأن ذلك قد يعالج السلوك الخارجى دون أن يمس الجذور الفكرية والنفسية التى تقود إليها.

وأضاف “أبو حسين” أن من الضروري إشراك المتخصصين فى علوم النفس والاجتماع والدين فى صياغة خطط مواجهة شاملة، تقوم على فهم أسباب الإلحاد من الداخل، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو فكرية، ثم وضع برامج توعية وتثقيف تستهدف الشباب منذ المراحل العمرية المبكرة.

وأشار إلى أن الملحد فى كثير من الأحيان لا يعرف المعنى الحقيقى للإلحاد، وإذا وجه إليه سؤال مباشر حول تعريفه فلن يتمكن من الإجابة بصورة دقيقة، وهو ما يكشف أن المسألة فى الغالب لا تعود إلى قناعة فكرية عميقة، بقدر ما ترتبط بحالة من الرفض والتمرد أو البحث عن ذات مفقودة.

ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى أن غياب النماذج الحقيقية للبطولة فى المجتمع، مع تراجع دور القدوة فى مختلف المجالات، كان سببا مهما فى دفع بعض النشء إلى البحث عن بدائل وهمية، فوجدوا أمامهم ما يُعرف بالنجومية الزائفة المرتبطة بعالم الفنانين والرياضيين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي. هذه النماذج، بحسب تعبيره، رسخت قيما سطحية ومؤقتة تقوم على الشهرة والمال والمظهر، ولذلك فإن مواجهة هذه الظاهرة يجب أن تتم عبر إعادة إحياء مفهوم القدوة الحقيقية، وإبراز النماذج الناجحة فى مجالات العلم والعمل والرياضة والفكر والثقافة، وربط هذه النجاحات بقيم الإيمان والانتماء للمجتمع، حتى يجد الشباب أمامهم بديلا واقعيا يقتدون به بعيدا عن بريق النجومية الوهمية.

وعلى الجانب الآخر، كشف الخبير القانونى فهد مرزوق أن المادة 98 (و) من قانون العقوبات تم سنها عام 1982 لمواجهة مظاهر التطرف وحماية الأديان السماوية والوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وتنص المادة على معاقبة كل من يستغل الدين للترويج لأفكار متطرفة أو يسيء إلى أحد الأديان السماوية أو طوائفها أو يضر بالوحدة الوطنية، بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات أو بالغرامة، مع جواز الجمع بين العقوبتين.

وأوضح مرزوق أن خطورة الإلحاد فى ذاته يكمن فى الدعوة العلنية له إذا تضمنت ازدراء للأديان أو تحريضا على الفتنة أو إضرارا بالوحدة الوطنية، وهنا يتحقق الركن المادى للجريمة سواء بالقول أو بالكتابة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يتمثل الركن المعنوى فى القصد الجنائى المتمثل فى نية التحقير أو إثارة الفتنة.

وأضاف أن المحاكم غالبا ما تفرق بين النقد المجرد للأفكار أو المؤسسات الدينية، وبين التصريحات التى تحمل ازدراء مباشرا للعقيدة، مؤكدا على أن القضايا المتعلقة بالتصريح العلنى بالإلحاد تميل غالبا إلى الإدانة نظرا لما تسببه من تكدير للسلم العام.

وأشار مرزوق إلى أن حرية الفكر والرأى مكفولة بالدستور (المادة 65)، لكنها ليست مطلقة، فالمادة 98 (و) تمثل قيدا مشروعا لحماية النظام العام والدين، وشدد على أن حرية الرأى تتوقف عند حدود ازدراء الأديان، مؤكدا أن القانون هو الأداة الحاسمة لمواجهة أى فكر منحرف يستهدف هدم القيم أو إثارة الفوضى داخل المجتمع.