تحولات علاء الأسواني.. كيف فقد صاحب «عمارة يعقوبيان» اتزانه؟.. وسر انحيازه الدائم ضد الدولة المصرية
علاء الأسواني، طبيب الأسنان الذي أصبح واحدا من أبرز وجوه الأدب العربى فى مطلع الألفية الثانية والذى تحول من روائى احتفى به القراء فى مصر والوطن العربى بل والعالم إلى صوت سياسى مثير للجدل والكراهية، فعلى مدار السنوات الأخيرة، لم تعد مؤلفاته وحدها محور الحديث حوله، بل مواقفه وتصريحاته التى تجاوزت حدود النقد الأدبى إلى صدام مباشر مع سياسات الدولة المصرية، عبر منصات التواصل الاجتماعى ومنابر إعلامية خارجية ومقالات حملت نبرة حادة ضد الدولة ورموزها.
هذا التحول أثار تساؤلات عديدة حول الدوافع التى قادته إلى هذا المسار، وكيف تحول الأديب الذى احتفى به المصريون منذ فيلم “عمارة يعقوبيان” إلى أحد أبرز الأصوات التى تهاجم دولتهم عبر المنصات الدولية.
عرف الجمهور الأسوانى ككاتب موهوب من خلال روايته الشهيرة عمارة يعقوبيان، التى رصدت تحولات المجتمع المصرى فى تسعينيات القرن الماضي، وقدمت نقدًا اجتماعيًا وسياسيًا بعيون فنية خالصة وغيرها من الأعمال الأدبية المميزة التى كشفت عن كاتب موهوب فى زمن ندرت فيه الأقلام الموهوبة، لكن سرعان ما انتقل الكاتب من السرد الأدبى إلى عالم السياسة، حين شارك فى تأسيس حركة كفاية عام 2004، وهى تجمع ضم مثقفين سعوا لتحقيق الديمقراطية.
وبعد اندلاع ثورة 25 يناير، ظهر الأسوانى كوجه دائم فى البرامج والندوات، مقدما نفسه كصوت للثوار، ومع التغيرات السياسية المتلاحقة التى شهدتها البلاد بعد ثورة يناير وتولى جماعة الإخوان حكم البلاد وعلا صوت الشعب المصرى بثورة شعبية، وأيد الأسوانى ثورة 30 يونيو.
ومع مرور الوقت، بدأ الأسوانى يوجّه سهام انتقاده للسياسة المصرية، ثم اتخذت انتقاداته منحًى أكثر حدة، وبعدها بدأ رحلة الانتقادات المتتالية عبر مقالاته فى منابر إعلامية أجنبية، وعبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ازدادت حدة الجدل حول علاء الأسوانى عام 2022 حين أجرى حوارا لإذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي، تحدّث خلاله عن ترجمة لرواية له إلى العبرية، أثارت الواقعة موجة غضب عارمة ضده فى الأوساط الثقافية والشعبية وكان مادة للانتقادات الإعلامية لتحدثه إلى منبر إعلامى تابع لدولةٍ لطالما اعتبرها المصريون عدوًا، ورغم نفيه المتكرر لإجراء الحوار، فإن الواقعة عززت لدى قطاع واسع من الجمهور قناعة بأنه كاتب فقد اتزانه وتناقضت مواقفه بين الشعارات والممارسة.
كما أثارت إحدى أعماله الروائية موجات جديدة من الجدل، فرواية جمهورية كأن الصادرة عام 2018، اعتبرها الكثيرون محاولة لتشويه صورة المجتمع المصرى ومؤسساته، وتسببت الرواية فى بلاغات قانونية ضده بتهم تتعلق بالإساءة إلى الدولة ونشر محتوى خادش للحياء والتحريض على الفوضى.
وفى مقالاته اللاحقة، واصل الأسوانى نهجه التصادمي، مهاجمًا السياسات الحكومية ومشككًا فى مؤسسات الدولة المصرية، ما دفع بعض القانونيين عام 2019 إلى المطالبة بإحالته للمحاكمة بتهمة إهانة الدولة ورموزها.
ومع التغيرات الدقيقة التى تشهدها الأوضاع السياسية فى مصر والوطن العربى لم يتوقف علاء الأسوانى عن النقد، وواصل نشاطه السياسى من الخارج مستخدمًا حساباته على مواقع التواصل الاجتماعى للهجوم المستمر على الدولة المصرية ومؤسساتها، متجاهلًا أن بلاده تمرّ بظروف اقتصادية وأمنية صعبة فرضت على الجميع مسئولية التكاتف لا التحريض.
ورأى منتقدوه أن ما يكتبه علاء الأسوانى لم يعد تعبيرًا عن موقف مثقف معارض بقدر ما هو انحياز متكرر ضد الدولة المصرية فى توقيتات حساسة، خاصة مع ظهوره المتكرر عبر وسائل إعلام أجنبية تتبنى خطابًا مناهضًا لمصر وتسخير حساباته على “السوشيال ميديا” للانتقاد الدائم للدولة المصرية، ولم يسلم موقف مصر من الحرب على غزة من انتقاداته وهو ما جعل آراءه مادة مشهودًا بها فى القنوات الموالية لجماعة الإخوان.
وهكذا، تحوّل علاء الأسوانى من رمزٍ للأدب المصرى الحديث إلى صوتٍ يثير الجدل داخل البلاد، ومع كل ظهور أو تصريح جديد، تتسع الفجوة بينه وبين جمهوره القديم الذى عرفه كروائى يكتب عن المجتمع المصري، لا كناقد دائم لوطنه من وراء الحدود، ثم ناقم على كل شىء وأى شىء.