العميد محمد عبد القادر يتحدث عن أعظم الانتصارات: حطمنا الدبابات الإسرائيلية ونجحنا في تأمين قوات المشاة في معركة استمرت 6 أيام.. تعلمت من المشير أبو غزالة الدقة وإدارة المعركة بحكمة
المدفعية المصرية حين تزأر على أرض المعركة، تفرض سيطرتها ولا تترك مجالًا للخصم أن يلتقط أنفاسه، فهم فرسان الميدان، وأسياد القصف المنهجي، لا يشق لهم غبار فى دقة الإصابة ولا فى سرعة التمركز والمناورة، رجالها يحملون عبقرية القتال، يجيدون اقتناص الأهداف كأنهم يرونها بعين الصقر، يقصفون بدقة، ويصيبون ببراعة.
ومن بين هؤلاء الأبطال، يبرز اسم العميد محمد عبد القادر، أحد أبطال المدفعية التابعة للجيش الثانى الميدانى خلال حرب أكتوبر المجيدة، حيث لم يكن جنديًا فقط، بل كان فارسًا على جبهة القتال، ومبدعًا فى ميدان الكلمة، حيث أبدع فى كتابة الشعر والكتب التى وثقت بطولات الحرب وسجّلت حكايات المجد.
يؤكد العميد محمد عبد القادر فى حواره مع “فيتو”، أن الحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل سلسلة من التحديات الصعبة التى تتطلب استعدادًا دقيقًا وتدريبًا مستمرًا، مسترجعا يوم 5 يونيو 1967، الذى صادف امتحانه فى الثانوية العامة، وترك فى نفسه جرحًا لا يُنسى، مبينا أن ذلك اليوم شكل نقطة تحول فى حياته، وأصبح دافعًا قويًا للالتحاق بصفوف القوات المسلحة، ليؤدى واجبه فى استعادة الأرض والدفاع عن الوطن.
متى التحقت بالكلية الحربية؟
التحقت بالكلية الحربية فى عام 1967 وتخرجت َمنها فى يوليو 1969 ضابط بسلاح مدفعية ميدان، وعملت فور تخرجى كضابط استطلاع بالكتيبة على مدافع عيار 155 مم، وهذه الكتيبة لها وضع خاص وتدريبات خاصة لأنها تابعة لرئاسة الجيش الثانى مباشرة ولا تتبع أى تشكيل للوحدات بالجيش، وكنا نتمركز بمنطقة الإسماعيلية والفردان فى نطاق الفرقة الثانية مشاة ميكانيكى بالجيش الثانى الميدانى.
ما أهم العمليات التى شاركت بها فى حرب الاستنزاف؟
كنت لا أترك صغيرة ولا كبيرة من تحركات العدو، وفى يوم وأنا فى نقطة المراقبة شاهدت أثناء استطلاعى خروج 3 دبابات للعدو كل يوم الساعة الخامسة والنصف صباحا، والاختفاء عن أنظارنا لمدة ساعة ثم يعودون من نفس مكان السير، وأبلغت بها القيادة لتحرى الموقف، وفى اليوم الثانى قبل توقيت سير هذه الدبابات بدقائق أبلغت بأن هناك عميدا من قيادة المدفعية يريد أن يصعد معى البرج ليرى الدبابات التى أبلغت عنها، وفعلا جاء وكان صامتا لم ينطق بكلمة واحدة، وشاهد الدبابات ثم قدم لى التحية وذهب، وفى اليوم الثانى فى نفس التوقيت عاد وتابع تحركات الدبابات وذهب، وفى المرة الأخيرة جاء يراقب، ثم فوجئت به عندما رأى الدبابات تتحرك يأمر مدفعية الميدان بقصفها وفق إحداثيات صحيحة لم تخطئ الهدف، وكان صيدا صحيحا مائة فى المائة.
هل كنت تعرف وقتها من هو هذا العميد؟
لا لم أكن أعلم وقتها من هو، ولكن علمت بعد العملية بأن هذا العميد ذا الهيبة الدقيق فى عمله هو أبو المدفعية المصرية العميد أبو غزالة رئيس أركان الجيش الثانى الميدانى وقتها، وكم كنت فخورا بعد علمى بهذا الأمر، وكنت أكثر فخرا أننى تعلمت منه كيفية إدارة معركة بعد اتخاذ قرار حاسم وقصفها بدقة دون خطأ.
هل شاركت فى معارك أخرى؟
بالطبع، فقد شاركت مع كتيبتي فى تشكيلات الجيش الثانى بكل خطط إرباك العدو بقصفات مدفعية مركزة على مخازن الذخيرة والأسلحة والنقاط القوية على طول خط المواجهة، ومراكز القيادة والسيطرة فى العمق خلف خطوط العدو، لأننا كنا نمتلك وقتها مدافع متقدمة، وكان مدى المدفع أكثر من 15 كيلومترا، وبفضل دقتنا فى القصف، جعلنا جنود العدو محبوسين فى خنادقهم لا يخرجون رؤوسهم منها ولا يتحركون بحرية خوفا من قصف مدافعنا.
ارو لنا كيف تلقيت نبأ العبور فى ساعة الصفر.
لن أنسى أبدا أولى لحظات العبور، حينما عبرت الطائرات المصرية الضفة الشرقية للقناة، وجدت كل الجيش المصرى يهتف فى صوت واحد”الله أكبر -الله أكبر” والطائرات تحلق فوق رؤوسنا وتقصف تمركزات العدو والنقاط الحصينة على طول خط القناة، بعدها جاء دور المدفعية التى بدأت تدك حصون العدو وتخطت القصف 15 كم فى عمق سيناء، وكان هذا هو التمهيد النيرانى لعمل ساتر للقوات التى تعبر القناة فى الموجة الأولى للقتال.
متى عبرت القناة؟
جاءت اللحظة التى كنت أحلم بها منذ 5 يونيو 67، وهى لحظة الأخذ بالثأر واسترداد الأرض، وكان لى الشرف بعبور القناة مع أول موجة للقوات مع مراكز الملاحظة التابعة لى فى قارب كاوتش الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السبت 6 أكتوبر 73، وصيحات الله أكبر تعلو وتزلزل الأرض حولنا، والطائرات المصرية تمر فوق رؤسنا بكل فخر وعزة تدك حصون ومراكز العدو بشراسة ودقة، وصعدنا المانع الترابى كالسيل الذى لا يوقفه أحد بحماس النار التى تأكل أمامها كل شيء تراه من العدو الذى احتل أرضنا، وكان يرتع فيها بغطرسته وكأنه ورثها عن أجداده.
اشرح لنا المهمة التى أوكلت لك بعد العبور.
كتيبتي كانت مكلفة بالقضاء على أى قوات للعدو تقترب من قوات المشاة التى تعبر القناة، حيث لم تكن الدبابات والأسلحة الثقيلة بدأت العبور بعد، وسوف يتم عبورها بعد إنشاء رؤوس الكبارى ليلا، وتمكنا من منع العدو، ودارت بيننا معارك شرسة خصوصا القوات المتمركزة على شرق القناة، ونجحنا فى تأمين قوات الموجة الأولى للعبور من قصف المدفعية الإسرائيلية بما تمتلكه من أسلحة خفيفة يومها، وبعد عبور الدبابات والمعدات الثقيلة كلفت بمعاونة أعمال قوات المشاة التى عبرت ضمن الموجة الأولى، ومساعدتها فى التغلغل فى عمق دفاعات العدو من خلال ضرب بطاريات الصواريخ القريبة والمتركزة شرق القناة، والقضاء على أى دبابة للعدو تقترب من العمق، وعلى مدار ستة أيام من العبور، تمكنت مع الجنود من مطاردة دورية إسرائيلية مترجلة اقتربت من موقع تمركزنا، ونجحت فى الاشتباك معهم وتمكنت من قتل ضابط إسرائيلى برتبة نقيب باستخدام بندقيتي، وقد استمرت الكتيبة فى القتال والتوغل داخل عمق سيناء حتى صدور قرار وقف إطلاق النار من الأمم المتحدة.