ذكرى الشيخ سلامة حجازي.. بدأ حياته مقرئا للقرآن الكريم ومنشدا للتواشيح.. لقب بـ"أبو المسرح الغنائي" ورائد فن الأوبريت.. أثار جدلا كبيرًا بـ"عظة الموت".. ورحل في مثل هذا اليوم قبل 108 أعوام
سلامة حجازي، مغنٍّ من زمن الطرب الأصيل، لُقِّب بـ"أبو المسرح الغنائي" ورائد فن الأوبريت. بدأ حياته مقرئًا للقرآن الكريم ومنشدًا للتواشيح، فكان يُعرف بالشيخ سلامة حجازي. اقتحم عالم الأوبرا وصنع معجزة في الغناء، وكان يتمتع بقبول جماهيري واسع وجمال في الصوت والأداء.
أقنعه المطرب الكبير عبده الحامولي بالغناء على خشبة المسرح بين فصول الروايات، فكان ذلك التحول نقطة الانطلاق لمسيرة فنية استثنائية. رحل في مثل هذا اليوم، 4 أكتوبر عام 1917.

وُلِد سلامة حجازي بحي رأس التين بالإسكندرية عام 1852، وبدأ مشواره الفني قارئًا للقرآن الكريم الذي كان قد حفظه، لكنه وجد في نفسه شغفًا بالإنشاد، فدرس أصوله على يد كبار منشدي ذلك العصر، ومنهم درويش الحريري وأحمد المعيرجي، لينشد القصائد والمدائح الدينية وأشعار الصوفيين، إلى جانب رفع الأذان من مئذنتي مسجدَي المرسى أبو العباس والبوصيري.
من الإنشاد إلى المسرح
أقنعه الحامولي بالعمل "مشخصاتيًا"، وهو ما كان يرفضه في البداية، معتبرًا نفسه شيخًا صوفيًا لا يليق به التمثيل. لكن مع الإلحاح وحبّه للغناء، قبل العرض، خصوصًا بعد أن أقنعه الحامولي بأن المسرح والتشخيص فنٌ جميل، خاصةً إذا امتزج فيه الغناء بالتمثيل، كما يحدث في الروايات الغنائية والأوبرا.

ويذكر محمد فاضل، صديق سلامة حجازي، في كتابه عن سيرته أن الأخير انتقل بعد الإنشاد إلى عالم التخت والغناء، وأصبح نجمًا في الحفلات والأفراح والمولد النبوي. ثم جاء يوسف الخياط من الشام بفرقته المسرحية، وطلب من سلامة الانضمام كمطرب، فوافق بعد تردد، لتنطلق بعدها شهرته كمنافس قوي لعبده الحامولي، نظرًا لحلاوة صوته وأدائه.
رائد فن الأوبريت
كان سلامة حجازي أول من قدّم فن الأوبريت في مصر، ولحن السلامات والمارشات الخديوية التي كان يغنيها في مطالع الروايات الغنائية، وكان له دور كبير في ترسيخ هذا الفن، ما جعله من أعمدة المسرح الغنائي العربي.
إعجاب سارة برنار
سافر حجازي إلى الشام للغناء مع فرقته، وذاع صيته في الخارج، حتى أن الأسطورة الفرنسية سارة برنار، أشهر ممثلة مسرحية في فرنسا آنذاك، حضرت خصيصًا إلى مصر لمشاهدة عرض فرقته في دار الأوبرا الخديوية عام 1907، وأبدت إعجابها الكبير به. كما توجد له صورة تذكارية بالحجم الطبيعي في متحف نابولي، كُتب تحتها: "تذكار لزيارة المغني والممثل المصري سلامة حجازي لنابولي عام 1914".
في عام 1906، طالَب بعض المشايخ بمحاكمته بتهمة "الخروج عن الدين"، بعد أن قدم مسرحية غنائية بعنوان "عظة الملوك"، استعان فيها بالمؤثرات الصوتية والضوئية لتصوير الرعد والبرق والعواصف ومشاهد الجحيم. واعتبرها البعض تحديًا لقدرة الله، واستُخدمت الرواية كذريعة لاتهامه بالزندقة.
لكن في المقابل، وقف بعض علماء الدين التنويريين إلى جانبه، مؤكدين أن المسرحية تهدف للعظة والعبرة، خاصةً أنها صوّرت مصير البخلاء والمنافقين واللصوص والقتلة في الجحيم، وهو ما تتفق عليه جميع الكتب السماوية. وقد تضمنت الرواية ألحانًا تمثّل الموت، والحياة، والشمس، ومصير أهل الجحيم، ونجحت جماهيريًا نجاحًا كبيرًا.
استمرت شهرة سلامة حجازي حتى عام 1909، حين أصيب بجلطة دماغية تسببت في شلل جزئي. لكنه أصرّ على الاستمرار في تقديم العروض، وكان يُسند إلى مقعد خشبي أثناء أدائه على المسرح، كما حدث في رواية "اليتيمتان" التي لعب فيها دور شخصية أعرج لتناسب حالته الصحية. ومع تفاقم المرض، ظلّ طريح الفراش حتى وفاته في 4 أكتوبر 1917، بعد صراع دام ثماني سنوات.
كتب الفنان الشعبي زكريا الحجاوي عن حجازي قائلًا: "إن سلامة حجازي لم يحصل على قسط من الثقافات المدرسية الرتيبة، ولم تهادنه علّة المرض، ولم يحظَ بنصيب من الاستقرار، لكنه كان أحد المناضلين الأفذاذ في سبيل تحرير الفن من قيود الجمود، وإطلاق الكتابة من عقال الجملة المسجوعة، إلى جانب تدعيم المسرح بمقوماته الفنية بالأصالة والدراسة."
أصدر الدكتور محمد فاضل، صديق حجازي، كتابًا بعنوان "الشيخ سلامة حجازي" عام 1932، وثّق فيه سيرته ومسيرته الفنية، بداية من رحلاته مع فرقته إلى تونس وليبيا، ثم إلى إيطاليا، حيث كُرّم في مدينة نابولي، كما نال أعلى وسام من باي تونس، ووسامًا في مصر من الخديوي عباس حلمي الثاني، ليكون أول فنان مسرحي يحصل على وسام رسمي من حاكم مصري. وقد لُقِّب بـ"مطرب المارشات" لعلاقته الوثيقة بالحكام.