رفعت فياض يكتب: أيهما أهم، التربية أم التعليم؟.. كيف استعادت المدارس دورها التربوي في تنشئة 25 مليون طالب؟
أيهما أهم بالنسبة للطفل، أو التلميذ، أو الطالب: التربية أم التعليم؟.. هذا السؤال أطرحه بعدما مر أسبوعان كاملان على عودة الدراسة للمدارس على المستوى القومي، والتي أصبحت تضم حاليًا بين جنباتها 25 مليون طالب وطالبة، أي ما يقرب من 25% من إجمالي عدد السكان في مصر.
وكانت سعادتنا جميعًا بعودة المدرسة إلى دورها التربوي والتعليمي مرة أخرى، خاصة في تنشئة الطالب بشكل صحيح، وفي تربيته، وتثقيفه، وبناء شخصيته، وفي تشكيله الوجداني أيضًا، بعد أن كانت المدرسة قد فقدت هذا الدور على مدى عشرات السنوات الماضية، بعد أن هجرها الطرفان سواء الطالب أو المدرس من أجل الدروس الخصوصية، مع أن مسمى الوزارة نفسها هو "وزارة التربية ثم التعليم"، وتحولت معظم الأبنية المدرسية، خاصة في المرحلة الثانوية، إلى مبانٍ خاوية على عروشها بعد أن انصرف الطلاب عنها من أجل الدروس الخصوصية، من أجل تدريبهم على كيفية النجاح وتحصيل الدرجات فقط. وانتفت العلاقة التربوية بين مدرس السنتر أو مركز الدروس الخصوصية، الذي لا يكون غالبًا من المعلمين التابعين لوزارة التربية والتعليم، وبين الطالب، بعد أن ثبت أن معظم من يقومون بالتدريس في هذه المراكز من خريجي كليات الطب والهندسة والعلوم، ويمارسون هذه المهنة كمحترفين لجمع الأموال بكميات تفوق بكثير ما كانوا سيتحصلون عليها لو مارسوا تخصصاتهم الدقيقة في وظائف تتناسب مع تخصصاتهم سواء في مجال الطب أو الهندسة أو غيرها.
ونظرًا لأن كلًا منهما، سواء الطالب أو مدرس السنتر، مرتبط مع الآخر بعلاقة تعاقدية غير مكتوبة مرتبطة بالوقت المخصص للدرس الخصوصي، يذهب كل واحد منهما بعد انتهاء الدرس الخصوصي بالسنتر، سواء كان الطالب أو المدرس، إلى حال سبيله، وإلى درس خصوصي آخر لكل منهما في مراكز أو سناتر أخرى. وكان هذا هو أخطر ما يهدد العملية التعليمية حتى الآن، بعد أن أصبح هناك تعليم موازٍ في السناتر أو في مراكز الدروس الخصوصية. وكانت النتيجة أننا وجدنا طوال السنوات الماضية أجيالًا من الشباب لا تعرف أي شيء عن القيم والمبادئ والمثل أو احترام الآخر، ولا تعرف شيئًا عن الانتماء، وغير ملمة أيضًا بأبسط القواعد الدينية التي كان يجب أن تعلمها سواء من المدرسة أو من الأسرة. كل ذلك بسبب أنها لم تكن تذهب للمدرسة طوال السنوات الماضية.
أقول هذا بعد أن تابعت انتظام الحضور إلى المدرسة لأول مرة بدءًا من العام الماضي، وازداد هذا العام بنسبة أكبر تفوق 85% من الحضور. ونحن لا ننكر سعادة الكثيرين من التلاميذ والطلاب بعودتهم للمدرسة، ومعهم الكثير من أولياء الأمور الذين يدركون تمامًا الدور المهم جدًا للمدرسة سواء من الناحية التربوية أو الناحية التعليمية. وأنا أعلم أن هناك نسبة أخرى من التلاميذ أو الطلاب الذين جاءوا إلى المدرسة على مضض، من النوعية التي لم تعتد على الحضور للمدرسة طوال الفترة الماضية. وقد يكون حضورهم بسبب الخوف من فقد درجات الالتزام والسلوك والامتحانات الشهرية التي بدأت الوزارة تعود إلى تطبيقها بجدية لم نعهدها من قبل. وقد يقوم بعضهم بـالقفز من على سور المدرسة في منتصف اليوم، سواء كان ذلك من الطلبة أو الطالبات، أو أن بعضهم كان يأتي لاستلام الكتب الدراسية، وبعدها يغافل حارس بوابة المدرسة ويخرج منها سواء للهو في الشوارع أو العودة للمنزل. ونسبة أقل ما زالت غير ملمة بأهمية هذا الدور التربوي والتعليمي للمدرسة، وبالتالي ما زالوا يتغيبون في الحضور إليها.
كل هذه الظواهر السلبية والتي لا ننكرها كانت بسبب ما ترسخ لدى الطلاب أو أولياء الأمور طوال السنوات الماضية عن تراجع دور المدرسة التربوي والتعليمي للطلاب. وكان الكثيرون منهم مقتنعون بأن أهم شيء عندهم هو تحصيل الدرجات بالنسبة للطالب من خلال ذهابه للدروس الخصوصية فقط، وإن كان هذا في الحقيقة ليس تعليمًا بل هو تدريب للطلاب فقط على كيفية تحصيل الدرجات من خلال التلقين والحفظ. أما الجانب التربوي فلا يعنيهم في شيء. وهذا هو أخطر ما في الموضوع، لأن التربية من وجهة نظري أهم من التعليم.
وكنت من أكثر الناس سعادة بعودة دور المدرسة مرة أخرى، والذي كانت قد فقدته طوال السنوات الماضية سواء في الجانب التعليمي أو التربوي. وأنا واثق تمامًا أن المجتمع كله بعد ذلك سيسعد بعد ذلك بشكل أكبر بعد أن يلمس كل ولي أمر من الذين كانوا في غفوة طوال السنوات الماضية عن أهمية دور المدرسة التربوي. وسوف يلمس ذلك أيضًا كل تلميذ وكل طالب، ومدى التأثير الإيجابي للمدرسة عليه ومساعدتها في بناء شخصيته بشكل سوي. سيلمس كل هذا طوال فترة دراسته، وبعد تخرجه أيضًا، وبعد أن ينخرط في وظيفته بعد التخرج.
لأن دور المدرسة هام جدًا في حياة الطلاب، وتأثيرها يمتد إلى جوانب متعددة من حياتهم: فالمدرسة توفر التعليم الأساسي للطلاب، وتساعدهم على تطوير معرفتهم ومهاراتهم الأكاديمية.
كما تلعب دورًا هامًا في تنمية شخصية الطلاب، وتساعدهم على تطوير مهاراتهم الشخصية والاجتماعية. كما أن المدرسة تعزز القيم الإيجابية لدى الطلاب، مثل الصدق والأمانة والاحترام، وتوفر كذلك بيئة اجتماعية غنية تساعد الطلاب على بناء علاقات اجتماعية إيجابية مع زملائهم ومعلميهم. كما توفر الدعم النفسي للطلاب، وتساعدهم على التعامل مع التحديات والصعوبات التي قد يواجهونها. وتشجع الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي، وتوفر لهم الفرص لتطوير مهاراتهم في حل المشكلات وابتكار الحلول. كما تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم الحياتية، مثل إدارة الوقت والتنظيم والتعامل مع الضغوط، وتوفر الفرص للطلاب لتطوير مهاراتهم واهتماماتهم، وتساعدهم على اكتشاف قدراتهم ومواهبهم.
أي بشكل عام، المدرسة تلعب دورًا هامًا في تشكيل شخصية الطلاب وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، وتأثيرها يمتد إلى حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية، وهو ما يفتقده أي طالب من محترفي التردد على السناتر ومراكز الدروس الخصوصية. وكل هذه المميزات التي سيكتسبها الطالب من المدرسة لن تكتمل أيضًا إلا بمساعدة الأسرة، وأن يكون لها دور هي الأخرى في استكمال الجوانب التربوية الصحيحة لأبنائهم، ووقتها نقول أننا قد نجحنا بالفعل في بناء أولادنا بشكل صحيح، لأن التربية أهم من التعليم.