معاهدة السلام في مفترق طرق.. القاهرة حريصة على السلام مع الحفاظ على ثوابتها الوطنية.. سمير فرج: لا مصلحة لإسرائيل في إلغاء “كامب ديفيد”.. والعمدة: تل أبيب لن تتجاوز الخطوط الحمراء
بعد مرور ستة وأربعين عامًا على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، عادت العلاقات بين البلدين إلى صدارة الاهتمام الإقليمي، ولكن هذه المرة فى أجواء متوترة يطغى عليها تبادل الشكوك والاتهامات، ففى ظل انشغال المنطقة بسلسلة من الأزمات والنزاعات، اتهمت تل أبيب القاهرة بزيادة وجودها العسكرى فى سيناء، وتسهيل تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، بينما شددت مصر على أن إسرائيل تختلق أزمة جديدة كعادتها لهدد الاستقرار الإقليمي، بغرض استغلالها لتحقيق أهداف سياسية أوسع، يأتى فى مقدمتها الدفع بمخطط تهجير الفلسطينيين.
ويثير هذا المشهد الإقليمي الراهن تساؤلات جوهرية حول مستقبل معاهدة السلام التاريخية الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1978، وما إذا كانت التطورات الأخيرة قد وضعتها بالفعل على المحك.
مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية فى قطاع غزة، وتمسك القاهرة بموقفها الثابت الداعم للحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة على حدود ما قبل 1967، يرى خبراء استراتيجيون أن الاتفاقية تواجه اختبارا صعبا رغم أهميتها للطرفين، ويؤكد الخبراء أن أى تجميد أو إلغاء للمعاهدة قد يفتح الباب أمام صراع إقليمي مفتوح، يصعب التكهن بمآلاته وتداعياته على استقرار المنطقة بأسرها.
هل معاهدة السلام فى خطر؟
فى البداية يرى اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجى والعسكري، أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، لا يمكن أن تكون مهددة رغم ما تشهده المنطقة من تطورات وتصعيد، موضحا أن الموقف المصرى الصلب في دعم الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة على كامل أراضيها لا يتعارض مع تمسك القاهرة بخيار السلام باعتباره خيارًا استراتيجيًا.
وأضاف أن إسرائيل ليست فى مصلحتها بأى حال تجميد أو إلغاء الاتفاقية، مشيرا إلى أن التقارير الإسرائيلية المتكررة ضد مصر تأتى فى إطار محاولات للضغط السياسي للتأثير على الموقف الأمريكى بما قد ينعكس على المساعدات المقدمة لمصر، وهو أمر كان متوقعا في ظل الأوضاع الراهنة، مبينا أن الحالة الوحيدة التي يمكن أن تعرض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل للخطر هو إذا مست التصرفات الإسرائيلية الأمن القومي المصري، مشددا على أن إسرائيل تدرك هذا الأمر جيدا، وبالتالى تحاول الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية فى ظل حالة العزلة السياسية التي أصبحت عليها إسرائيل.
لكن اللواء أركان حرب حمدي بخيت، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، يرى أن اتفاقية السلام بالفعل باتت على المحك نتيجة التصرفات الإسرائيلية الأخيرة، وعلى رأسها: احتلال محور فيلادلفيا وارتكاب انتهاكات متكررة، موضحا أن وجود القوات المصرية فى سيناء يتم فى إطار التنسيق الأمنى مع إسرائيل لمواجهة الإرهاب، لكن بعد الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة عام 2023 بدأت ملامح تهديد الاتفاقية تلوح فى الأفق.
وأضاف أن احتلال محور فيلادلفيا واستمرار العدوان الإسرائيلى يمثلان خطرا حقيقيا، فى ظل محاولات تل أبيب دفع القاهرة إلى الانخراط المباشر فى الصراع، وهو ما تدركه مصر جيدا وتسعى لتفاديه عبر تمسكها بالسلام مع الحفاظ على ثوابتها الوطنية، مشيرا إلى أن تجميد أو الغاء اتفاقية السلام سوف يوسع رقعة الصراع فى المنطقة، لأن مصر قوة لا يستهان بها، رغم وجود إسرائيل وتساندها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت مصر فى أكتوبر ١٩٧٣ تحارب الاثنين معا، وانتصر الجيش المصرى عليهما وتطور كثيرا، وبالتالى لن يجرؤ أحد على جر مصر أو دفع اتفاقية السلام لحد التجميد أو الإلغاء، رغم أن أعضاء الكنيست يتلاعبون بالألفاظ والأحداث، معتبرا أن ذلك عبث قد يؤدى إلى أزمة بين القاهرة وتل أبيب.
وأضاف أن القاهرة تعتبر السلام خيارا استراتيجيا لها ولتل أبيب على السواء، إلا أن تصريحات بعض أعضاء الكنيست تهدف إلى دفع مصر لإعلان التزام بعدم التحرك عسكريا، وهو ما يرفضه الجانب المصري، موضحًا أن مصر تحتفظ بحقها الكامل فى التحرك عندما ترى أى تهديد يمس أمنها القومي.
قوة الدولة المصرية
ويؤكد اللواء عادل العمدة، الخبير الاستراتيجى ومستشار أكاديمية ناصر العسكرية، أن إسرائيل تعلم أن الاقتراب من معاهدة السلام وانتهاكها سينهيها هي، كما تدرك أيضا قوة الدولة المصرية، وما يقوم به نتنياهو هو محاولة لتحقيق مكاسب فى الداخل الإسرائيلي، لدرجة ان سمعة إسرائيل أصبحت على المحك، بدليل توالى الاعترافات الدولية بدولة فلسطين والمظاهرات التى تجتاح العالم، وبالتالى فالخطط الإسرائيلى غير واضح المعالم وغير قابل للتحقيق، والأيام المقبلة ستكون كاشفة للنيات الإسرائيلية.
وقال العمدة: “إنه بعد ٧ أكتوبر كان هناك ثوابت مصرية للرئيس السيسى بأن السلام خيار استراتيجى، كما هو هدفنا بوقف إطلاق النار ورفض التهجير، وهذا ما أكدت عليه مصر فى القمة العربية مع ترامب، ومطالبة المجتمع الدولى الاضطلاع بمسؤوليته، هذه كلها ثوابت للقيادة المصرية بشأن الحق الفلسطينى حتى الانتهاكات التى تمت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد رؤية مصر الثابتة”، مضيفا أنه يجب على الرأى العام العالمى أن يفهم أن اتفاقية السلام قسمت سيناء الى ٤مناطق “ا،ب،ج،د” فأما “ا،ب” جاءت فى سيناء، و“ج،د” جاءت فى فلسطين، ومنطقة “د” تبدء من إيلات فى الجنوب الى معبر كرم أبو سالم فى الشمال أى ٦٣ كيلو متر مع قطاع غزة ومحور فيلادلفيا، وهى ليست ضمن الاتفاقية، لكن المعابر هى التى تضمنتها الاتفاقية، وبالتالى اتفاقية السلام رغم أنها خيارا استراتيجيا إلا أنها فى حالة تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء والمساس بالأمن القومى المصرى سيتم الغاء الاتفاقية.
أما الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، فيرى أن اتفاقية كامب ديفيد بالفعل أصبحت على المحك نتيجة الاستفزازات والتجاوزات الإسرائيلية، سواء من خلال تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو عبر استمرار الجرائم فى قطاع غزة، مشيرا إلى أن مصر نفذت التزاماتها كاملة، بينما يتعامل الطرف الآخر مع الاتفاقية شكليا فقط، إذ يدرك كل منهما فى الواقع أنها فقدت قيمتها، خاصة بعد الاعتداءات الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، فى وقت تؤمن فيه القاهرة حدودها فى سيناء، ما يجعل الأوضاع فى حالة تعليق.
ويضيف شقرة أن مصر منذ عام 2011 كانت تدرك وجود مخططات إسرائيلية مقبلة، وأن استمرار هذه السياسات قد يدفع المنطقة إلى أجواء حرب جديدة، خصوصا أن الاتفاقية لم تمنع إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها على الدول العربية والاستيلاء على الأراضى الفلسطينية، مبينا أن الأزمة الحالية ليست مجرد خلاف حدودى أو أمني، بل مواجهة سياسية واستراتيجية تمس جوهر معاهدة السلام التى صمدت منذ 1979 رغم الأزمات والحروب، منوها إلى أن الطرفين يقفان أمام لحظة فارقة: فإسرائيل تسعى لإعادة رسم المشهد بما يخدم مشروعها التوسعي، بينما تتمسك مصر بخطوطها الحمراء الرافضة لأى مساس بأمنها وسيادتها أو تفريط فى القضية الفلسطينية.
مخطط التهجير
من ناحيته، يضيف المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي، أن ما تقوم به إسرائيل يدخل فى إطار “خطة ممنهجة” تستهدف ضرب عملية السلام فى مقتل وإعادة الأوضاع إلى ما قبل اتفاقية كامب ديفيد، فحكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو لا تسعى إلى تفاهمات أو حلول بقدر ما تعمل على فتح جبهة جديدة تمكنها من تنفيذ مخطط التهجير، وما يجرى ميدانيا من دفع سكان غزة باتجاه الحدود المصرية يمثل مؤشرا واضحا على أن المرحلة الأولى من هذا المخطط قيد التنفيذ.
وأكد شعبان أن نتنياهو ينتظر “الضوء الأخضر” الأميركي، فى محاولة لضمان أن مشروع تهجير الفلسطينيين لن يواجه اعتراضا جديا من واشنطن، وهنا يتداخل الأمن بالسياسة، إذ قد يتحول التهجير إلى مشروع دولى مدعوم إن لم تتم مقاومته، مشيرا إلى أن الإعلام الإسرائيلى يلعب هنا دورا بارزا فى تضخيم مزاعم عن وجود “بنية تحتية هجومية” فى سيناء، وكأن القاهرة تتهيأ لمهاجمة إسرائيل، بينما الحقيقة أن مصر لا تتحرك إلا لحماية سيادتها وأمنها المباشر، فى ظل موقف رسمى وشعبى متماسك.
ولفت شعبان إلى أن غياب السفراء بين القاهرة وتل أبيب يعكس برودة العلاقات بوضوح، فمصر لم تعتمد بعد السفير الإسرائيلى رغم اعتماد 23 سفيرا آخر فى القاهرة، كما أن إسرائيل تفتقد سفيرا مصريا منذ سنوات، وهذا الوضع يعكس انسداد قنوات الاتصال وانعدام الأفق أمام أى تفاهمات حقيقية.
برلمانيا، يرى النائب عاطف المغاورى، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب، أن الأحداث والتطورات الأخيرة التى شهدتها المنطقة على يد الاحتلال الإسرائيلي، سواء ضد الشعب الفلسطينى أو باقى الدول بالمنطقة، وكذلك تصريحات مسؤولى الاحتلال المستفزة، تثبت كل يوم ألا عهد لهم، قاطعًا بأن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، لم يعد لها داع فى ظل تلك الأحداث والتطورات.
من جانبه حذر الدكتور محمد عبد الغني، مقرر لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى بالحوار الوطنى وعضو مجلس النواب السابق، من أن الممارسات الإسرائيلية المتصاعدة، والتى تتجاوز كل الخطوط الحمراء، تعمل بشكل منهجى على تقويض اتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل، وتفرغها من أى مضمون حقيقي، محيلةً إياها إلى مجرد “حبر على ورق”، مضيفا: “هذه الاتفاقية، التى ظلت مرفوضة دائما من الشعب المصرى وكانت تمثل بالنسبة للكيان يومًا مفتاحا للبقاء والعبث فى الأرض العربية، أصبحت مع كل تصعيد إسرائيلى هشّة ومهددة بالانهيار، لدرجة أنها توشك على أن تدفن فى نعش الوهم، وتُدفن مع آمال السلام الزائفة”.
وأكد عبد الغنى أن “الممارسات الإسرائيلية لا تخلّ فقط ببنود الاتفاقية بشكل مباشر أو غير مباشر، بل تؤكد على أن انعدام الثقة هو حقيقية تامة، وتُجعل أى حديث عن تعاون مستقبلى أو حتى الحفاظ على الوضع الراهن أمرًا بالغ الصعوبة”.
واختتم الدكتور محمد عبد الغنى تصريحاته بالتأكيد على أن “كل عمل عدوانى أو انتهاك للسيادة، حتى لو لم يستهدف مصر بشكل مباشر، يُعد مساسًا بالمنطقة بأسرها، ويُرسخ القناعة بأن وهم السلام مع كيان قائم على العدوان هو مجرد كذبة كبرى”.
بينما يرى اللواء يحيى كدوانى، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، هى أحد المكتسبات المهمة التى حصلت عليها مصر وإسرائيل بعد حرب السادس من أكتوبر، ولا يمكن لمصر أن تفرط فيها وكذلك إسرائيل، مشيرا إلى أن إسرائيل تكبدت مليارات الدولارات من جانب الجانب الأمريكى، فى الحرب وكانت ولم يكن وراءها ناتج، متابعا: لذلك أرى أن إسرائيل عليها أن تحرص على السلام، وكذلك مصر فهى تحافظ على السلام مع إسرائيل، وتضع أمامها الأمن القومى ومكتسبات اتفاقية السلام.