جبل الثقة يُبنى في سنين.. ويهد في ثوانٍ
داخل كل منا يقف جبل عظيم اسمه الثقة.. لا يرى بالعين ولا يقاس بالشبر أو الذراع، لكنك تشعر به في نظرات من تحب أو في كلمة صديق وربما في يد تمتد إليك في العتمة دون أن تطلب، هذا الجبل لا يقام بالحجارة بل يبنى بالكلمات الصادقة وبالأفعال الصغيرة المتكررة وبالوعد الملتزم وبالغياب الذي لا يطول.
جبل الثقة لا يولد فجأة لكنه يا صديقي ينمو ببطء، فهو مشروع حياة لا لحظة استثنائية، حيث يحتاج إلى سنين من الوفاء ومن الحضور وقت الشدة ومن التراكم الهادئ للعناية والصدق والاحترام، إذ هو نتيجة لا تمنح بل تكتسب.. لا تشترى بل تصنع وكل يوم تضع فيه حجرا في هيئة موقف وتضحية وسر حفظ أو حق أعيد وعتاب لم يفسد للود قضية.
ولكن ويا للأسف هذا الجبل الذي أخذ من العمر عمرا، يمكن أن ينهار في لحظة.. لحظة خيانة أو لحظة كذب وربما لحظة أنانية وقد تكون لحظة تقول فيها نفسي أولا دون أن تعي ما ستهدمه خلفك.
والغريب أن الانهيار لا يحدث ضجيجا كبيرا دائما، أحيانا ينهار الجبل بصمت حين تكتشف أن من كنت تظنه مرساتك، كان أول من قفز من السفينة.. ينهار حين تنكسر عينا أمك فيك، أو حين يصمت قلب صديقك بعد أن اعتاد النبض لوجعك.. ينهار حين لا تجد من يقف معك في الزحام، وقد ظننت أن لك في الحياة كتفا تأوي إليه.
الثقة، كالأواني الزجاجية يا صديقي إن انكسرت حتى لو جمعت تبقى خدوشها ظاهرة، ربما نسامح.. نعم، ربما نحب من جديد، لكن القلب لا ينسى والعقل لا يعود كما كان. كأن جرحا صغيرا بقي في الزاوية، يذكرنا أن شيئا ما قد كسر.
ومن هنا تنبع فلسفة الحياة في العلاقات في أن نحافظ على الثقة كأنها أمانة، لأننا حين نفقدها ولا نفقد فقط علاقة بل نفقد جزءا من نقائنا ومن طمأنينتنا ومن قدرتنا على الحب.. جبل الثقة لا نحتاج أن نتسلقه بل أن نثبته، وإن كنا قد هدمناه يوما فلنبدأ من جديد، لكن هذه المرة بحذر المحب وصدق من تعلم الدرس.