وسط تحديات عالمية وهيمنة الدول الغربية، هل ينجح البنك الدولي في تجاوز أزمات المناخ والديون؟
يمثل البنك الدولي أحد أعمدة النظام الاقتصادي العالمي منذ تأسيسه عام 1944، لكن هذه المؤسسة العملاقة، التي انطلقت بهدف إعادة إعمار أوروبا المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، تواجه اليوم اختبارا وجوديا، فبين مطرقة التحديات العالمية العابرة للحدود مثل تغير المناخ وأزمات الديون، وسندان الانتقادات التاريخية حول هيمنة الدول الغربية وفساد سياساتها، يسائل الكثيرون عن قدرة البنك على التطور ليبقى لاعبا رئيسيا في مستقبل التنمية.
إشكالية جوهرية في نظام الحوكمة
لا يعمل البنك الدولي ككيان منفرد، بل يتشكل من "مجموعة البنك الدولي" التي تضم خمس مؤسسات تخدم دولا بمستويات دخل مختلفة، من القروض الميسرة لأفقر الدول، إلى دعم القطاع الخاص، ومع ذلك تكمن إشكالية جوهرية في نظام الحوكمة، فالقوة التصويتية تتركز بشكل كبير في يد الدول الغنية، حيث تمتلك الولايات المتحدة وحدها حق النقض (الفيتو) على القرارات المصيرية، مما يثير شكوكا حول نزاهة تمثيل مصالح الدول النامية.

القضاء على الفقر المدقع
رسم البنك لنفسه هدفا طموحا، يتمثل في القضاء على الفقر المدقع وتعزيز "الرخاء المشترك" بحلول 2030، ويسعى لتحقيق ذلك عبر تمويل مشاريع البنية التحتية من طرق وكهرباء وصحة. وفي السنوات الأخيرة، ضاعف البنك استثماراته في مواجهة آثار جائحة كوفيد-19 والتحول نحو الطاقة المتجددة.
لكن سجل البنك لا يخلو من البقع السوداء، فبرامج "التكيف الهيكلي" التي فرضها على الدول النامية في الثمانينيات، والتي شملت خصخصة الخدمات وقطع الدعم، يعتقد على نطاق واسع أنها عمقت من أزمات الفقر والبطالة، كما لا يزال البنك تحت النار، وهذا لأنه يمول مشاريع كبرى متهمة بإلحاق ضرر بيئي واجتماعي.
حماية البيئة والمجتمعات المحلية
استجابة لهذه الانتقادات، سعى البنك إلى تبني نهج أكثر شمولا، مع معايير أقوى لحماية البيئة والمجتمعات المحلية، ومكافحة الفساد، كما أطلق أدوات تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء، ولكن التحدي الأكبر يتمثل في صعود قوى اقتصادية جديدة مثل الصين، والتي أسست بدائل تنموية، مثل بنك التنمية الجديد لـ"بريكس"، وقدرة البنك الدولي على الإصلاح من الداخل، وإعادة توزيع السلطة بشكل أكثر إنصافا، هي ما سيحدد ما إذا كان سيبقى حجر الزاوية في التنمية العالمية، أم أن عصر هيمنته قد أوشك على الأفول.
مستقبل التنمية العالمية
يظل البنك الدولي جزءًا لا يتجزأ من نظام بريتون وودز الذي تقوده القوى الغربية، ومع صعود قوى اقتصادية كبرى جديدة مثل الصين والهند والبرازيل، ظهرت تساؤلات ملحة حول ضرورة إصلاح هذا النظام، وبالرغم من ظهور بدائل تنافسية، مثل بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة "بريكس"، فإن البنك الدولي لا يزال يحتفظ بمكانته المرجعية بفضل خبرته العريقة وموارده المالية الضخمة، ما يجعله في صدارة المؤسسات التي ستحدد مستقبل التنمية العالمية.