وُلد الهُدى (الحلقة الثالثة والعشرون)، فضائل النبي لا تعد ولا تُحصى
في شهر ربيع الأول، أشرقت الدنيا بنور النبوة، ووُلد خير من وطِئ الثرى، سيدنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الميلاد الذي لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان بداية لفجر جديد أضاء ظلمات الجاهلية، وأعاد للإنسانية رشدها، وأرشدها إلى صراط الله المستقيم.
في هذه السلسلة المباركة، نتفيأ ظلال السيرة العطرة، ونستعرض بعضًا من مناقب الحبيب المصطفى، وصفاته الخُلُقية والخَلقية، وشمائله التي مدحها رب العالمين، وأثنى عليها السابقون واللاحقون من أهل الإيمان.
نبينا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر
لا شك أن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، هو خير خير الله، قاطبة، لا يدانيه نبي مرسل، ولا رسولٌ مهما علت منزلته.
وقد قال صلوات الله وتسليماته عليه، في الحديث النبوي الصحيح: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ".
فهو صلى الله عليه وآله وسلم، أفضل الأنبياء، بل أفضل الأولين والآخرين، وسيد ولد آدم أجمعين.، فعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ".
ورُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ".
فضائل النبي لاتُعدُّ ولا تُحصى
والمعروف أنه ثبتت له، صلى الله عليه وسلم، فضائلُ فوق هذه الست: كالشفاعة العظمى، وكونه أول من يفتح له باب الجنة، وكونه أكثر الأنبياء تابعا، وأن أمته ثلثا أهل الجنة، وأنه صاحب لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب الحوض، وصاحب الوسيلة وهي درجة في الجنة لا تكون إلا له صلى الله عليه وسلم، وهو إمام النبيين وخطيبهم يوم القيامة، إلى غير ذلك، فإن فضائله غير منحصرة.
وعَنْ أَبِي سَعِيد النَّيْسَابُورِيّ أَنَّهُ قَالَ، فِي كِتَاب "شَرَف الْمُصْطَفَى": إِنَّ الْخَصَائِص الَّتِي فُضِّلَ بِهَا النَّبِيّ عَلَى الْأَنْبِيَاء سِتُّونَ خَصْلَة.
رسول الله أفضل البشر
ولا يختلف أحد في أنه، صلى الله عليه وسلم، أفضل البشر، حيث يقول القاضي عياض، في كتابه "الشفا": "لا خلاف أنه أكرم البشر، وسيد ولد آدم، وأفضل الناس منزلة عند الله، وأعلاهم درجة، وأقربهم زلفى، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جدًا"، ويجب على كل مؤمن أن يؤمن بذلك.
"من يطع الرسول فقد أطاع الله"
ومعنى السيد: هو ذو الشرف والطاعة والإمرة، وطاعة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، من طاعة الله سبحانه وتعالى: "مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ" (النساء: 80).
ولا يوجد على وجه الأرض مسلمٌ يشكُّ في أن نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم، هو سيدُنا، وخيرُنا، وأفضلُنا عند الله سبحانه وتعالى، وأنه السيدُ المطاعُ الذي تجب طاعته فيما يأمر به، صلوات الله وسلامه عليه، والانتهاء عما ينهانا عنه، وأن لا نتجاوز ما شرع لنا من قول أو فعل أو عقيدة أو شريعة، فلا نبتدع في دين الله ما ليس منه، ولا ننقص من دين الله ما هو منه، فإن هذا هو حقيقة السيادة التي هي من حق النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، علينا.
أما قوله "ولا فخر"، أي: أقول ذلك شكرا لله تعالى، وتحدثا بنعمة الله عليَّ، ولا أقوله تفاخرا ولا تكبرا وتعاظما على الناس.
وقيل في معناه: أنا لا أفخر بالعطاء، ولكن أفخر بالمعطي سبحانه الذي أعطاني هذه الرتبة والمنزلة.
وقد أمره الله سبحانه بقوله: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" (الضحى: 11).