فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

«طوارئ» خالد عبد الغفار.. الوزير يغازل الرأي العام بقرار معطل و«مستحيل».. والأطباء: حبر على ورق ويثير فوضى داخل المستشفيات.. وغياب تعريف محدد للحالات الطارئة التي تستوجب العلاج المجاني إشكالية كبرى

الدكتور خالد عبد
الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء

أثار قرار الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان بعلاج حالات الطوارئ مجانًا لمدة 48 ساعة، على خلفية أزمة ملابسات وفاة الإعلامية عبير الأباصيرى فى مستشفى الهرم، الجدل من جديد فى الوسط الطبى نتيجة صعوبة تنفيذ القرار على أرض الواقع، خاصة وأن القرار ليس جديدًا.

فقد أصدر المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء فى 2014 حينها قرارا رقم 1063 بعد عدة وقائع لمرضى رفضت المستشفيات علاجهم وهم حالات طارئة، فتم إصدار ذلك القرار حينها وقوبل فى الوسط الطبى بالرفض والاستنكار لصعوبة تطبيقه، وظل القرار على مدار 11 سنة ماضية حبرًا على ورق لا ينفذ، فأى مستشفى لا يقدم الخدمة لمريض الطوارئ إلا بعد دفع مبالغ مالية تحت الحساب، حتى الإسعافات الأولية سواء قياس ضغط أو سكر أو إجراء تحاليل أو أشعة يجب دفع رسوم لها، ولا يتم الحديث عن علاج حالات الطوارئ مجانًا إلا فى وسائل الإعلام فقط، ويظهر القرار إعلاميًا كل فترة حينما تحدث وقائع لرفض علاج حالات طوارئ فى المستشفيات وينتج عنها وفاة المرضى. صعوبات وتحديات تواجه قرار علاج حالات الطوارئ مجانًا لمدة 48 ساعة كانت عائقًا أمام تنفيذه خلال السنوات الماضية وستظل عائقًا أيضًا أمامه خلال السنوات القادمة، تصعب من تنفيذه إلا إذا تم حلها من وزارة الصحة. وكشف عدد من الأطباء وأعضاء النقابة العامة للأطباء عن الصعوبات التى تجعل قرار علاج حالات الطوارئ مجانًا لمدة 48 ساعة غير قابل للتطبيق، ترصدها “فيتو” فى التقرير التالي.

من جانبه، أكد الدكتور جمال عميرة، وكيل نقابة الأطباء، أن قرار وزارة الصحة بشأن تقديم العلاج المجانى لحالات الطوارئ يحتاج إلى توضيح وآلية للتنفيذ، موضحًا أن الوزارة لا بد أن تتحمل تكاليف علاج المرضى الذين لا يتمتعون بتأمين صحى أو لا توجد جهة تتحمل علاجهم.

وأشار الدكتور جمال عميرة فى حديثه لـ”فيتو” إلى أن بعض المرضى يمكن أن يتوجهوا إلى المستشفيات الاستثمارية استنادًا إلى القرار بحجة تعليمات وزارة الصحة بعلاج حالات الطوارئ مجانًا، مما يضع هذه المستشفيات فى مأزق، خاصة أنها تتحمل نفقات تشغيل وتدفع ضرائب، قائلًا: “ما ذنب هذه المستشفيات أن تتحمل تكاليف العلاج دون تعويض؟”

وأضاف أن هناك فروقًا واضحة فى الإمكانيات بين المستشفيات الحكومية والخاصة، لافتًا إلى أنه بذلك القرار قد يلجأ بعض المرضى فى الحالات الطارئة إلى المستشفيات الخاصة إذا لم يجدوا ما يحتاجونه فى المستشفيات الحكومية.

وشدد وكيل النقابة على ضرورة أن تعلن وزارة الصحة بشكل صريح أنها ستتكفل بالمصروفات العلاجية لحالات الطوارئ غير القادرة، مؤكدًا أن المريض فى هذه الظروف لا يكون مستعدًا ماديًا أو حتى أسرته لدفع أى تكاليف مادية مرتفعة.

بدوره، انتقد الدكتور رشوان شعبان، استشارى أمراض القلب والأوعية الدموية والأمين العام السابق لنقابة الأطباء، القرار المتعلق بتقديم العلاج المجانى للحالات الطارئة دون تحديد ميزانية واضحة لتمويلها، واصفًا القرار بأنه مجرد “استهلاك إعلامي” يصعب تطبيقه على أرض الواقع.

وأوضح أن غياب تعريف محدد للحالات الطارئة التى تستوجب العلاج المجانى يمثل إشكالية كبرى، مشيرًا إلى أن هناك أمراضًا أو تدخلات جراحية لا تعتبر طارئة، مثل الولادة القيصرية أو استئصال الزائدة الدودية، الأمر الذى لا يتقبله المواطنون بسهولة، فالمريض يعتقد أن أى تعب وألم هو طارئ لإنقاذه.

وشدد الدكتور رشوان شعبان على ضرورة تعليق قائمة تفصيلية بالحالات الطارئة داخل أقسام الاستقبال بالمستشفيات لتفادى الخلافات بين المرضى والأطقم الطبية وحتى لا تحدث مشادات بين الطرفين، مضيفا:  العلاج فى المستشفيات الحكومية له تكلفة فعلية، ويجب أن يحصلوا على قيمة هذه التكلفة.

“شعبان” ضرب مثالًا بمريض مصاب بـ“طعنة نافذة فى الصدر”، وفى هذه الحالة يستلزم المريض تدخلًا جراحيًا عاجلًا خلال ساعتين فقط من دخول المريض المستشفى، وتبلغ تكلفة الجراحة 100 ألف جنيه، فمن يتحمل هذه التكلفة، موضحا أن الجراحة والعناية المركزة بعد العملية تشكلان الجزء الأكبر من التكلفة خلال أول 48 ساعة، بينما تقل النفقات عند استقرار حالة المريض ونقله إلى غرفة سرير داخلي، متسائلًا: من يتحمل التكلفة الأكبر؟

وأكد الدكتور رشوان شعبان أن ميزانية وزارة الصحة لا تتضمن بندًا مخصصًا لعلاج الطوارئ، مما يجعل القرار جيدًا فى المبدأ، لكنه غير قابل للتطبيق، لافتا إلى صعوبة إقناع المرضى بالفصل بين الحالات الطارئة وغير الطارئة، حيث يعتقد كثيرون أن أى ألم أو مرض حتى لو صداع أو ألم أسنان يستوجب تدخلًا فوريًا مجانيًا، مما يتسبب فى أزمات بين المواطنين والفرق الطبية فى أقسام الطوارئ.

وشدد على ضرورة وضع معايير واضحة وتحديد آليات تمويل دقيقة لتطبيق القرار، حتى لا يبقى مجرد حبر على ورق، خاصة أن الخدمات الطبية الحالية مكلفة ومرتفعة الثمن وتعتمد المستشفيات بدرجة كبيرة على التمويل الذاتي، مؤكدا  أنه لا يوجد مستشفى اليوم يقدم خدمات مجانية بالكامل، فجميعها تحتاج إلى دخل مادى لضمان الاستمرارية.

بدوره، أكد الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، أن تطبيق قرار تقديم العلاج المجانى للحالات الطارئة يتطلب أولًا إعلانًا رسميًا واضحًا يحدد بدقة ما هى الحالات التى تستوجب العلاج المجاني، بحيث يكون المواطن على وعى كامل بحقه، وتلتزم المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة بتنفيذه دون تهرب، موضحا لـ”فيتو” أن علاج الطوارئ مكلف بطبيعته، لذا يجب وضع آليات واضحة وسريعة لاسترداد المستشفيات لتكاليف العلاج من ميزانية الدولة، مع ضرورة أن تكون الإجراءات ميسرة وبعيدة عن التعقيد، حتى تستطيع المستشفيات تقديم العلاج مجانًا، مشيرًا إلى أن جميع المستشفيات لا تستطيع الحصول على تكاليف العلاج الذى قدمته مجانًا.

وأضاف أن المستشفيات الخاصة لا تسمح بدخول المريض إلا بعد دفع تأمين أو مبالغ مالية، مما يعكس غياب التفعيل الحقيقى للقرار.