التل الكبير 1882، الهزيمة التي فتحت أبواب الاحتلال الإنجليزي على مصر
تبدأ كواليس معركة التل الكبير الكبير الفاصلة في التاريخ المصري أواخر القرن التاسع عشر، حيث كانت مصر تقف على أرض رخوة بين طموحات وطنية وأغلال الديون الأجنبية منذ عهد إسماعيل باشا، بعد أن انزلقت الدولة في دوامة قروض هائلة جعلت شؤونها المالية تحت أعين أوروبا، ومع تولي الخديوي توفيق الحكم، بدا أن البلاد تسير بثبات نحو الوصاية الأجنبية الكاملة.
قصة صعود أحمد عرابي
في هذا المناخ ظهر اسم أحمد عرابي، الضابط الفلاح القادم من الشرقية، الذي كسر احتكار أبناء الطبقات العليا لمناصب الجيش، وتمرده لم يكن لحظة مفاجئة، بل ثمرة سنوات من التوتر داخل صفوف الضباط المصريين الذين شعروا بالتمييز والإقصاء لحساب الضباط الشركس والأتراك وعرابي سرعان ما تحوّل إلى لسان حالهم، ثم إلى قائد رمزي للحركة التي ستعرف فيما بعد بـ"الثورة العرابية".
مراحل التمرد بدأت بطلبات إصلاحية واضحة، المساواة بين الضباط، زيادة حجم الجيش، ووضع دستور يقيّد سلطات الخديوي، لكن «توفيق» المدعوم من القناصل الأوروبيين، رأى في هذه المطالب تهديدًا مباشرًا لمكانته.
حصار الخديوي وبداية مخطط احتلال مصر
تصاعدت المواجهة في سبتمبر 1881 عندما حاصر عرابي قصر عابدين وأجبر الخديوي على الاستجابة لشروطه ومن هنا بدا وكأن مصر دخلت عهدًا جديدًا من المشاركة الوطنية، لكن هذا النصر السريع أخاف القوى الأجنبية أكثر مما أفرح المصريين.
ما إن اندلعت أحداث الإسكندرية في صيف 1882 حتى وجد البريطانيون مبررهم للتدخل المباشر. الجنرال جارنيت وولسيلي قاد قوة بريطانية حديثة نزلت عبر قناة السويس إلى الإسماعيلية، فيما كان عرابي يحاول تحصين خط دفاع رئيسي عند التل الكبير.
الجيش المصري امتلك الحماس والعدد، لكنه افتقد إلى الأسلحة المتطورة، كما أن القبض على المهندس محمود فهمي ـ المسؤول عن التحصينات ـ أفقد الصفوف المصرية عقلها الاستراتيجي.
في فجر 13 سبتمبر تحركت القوات البريطانية ليلًا، وسارت مسافة طويلة لتفاجئ المصريين عند خطوطهم. المعركة لم تدم أكثر من ساعة، إذ اخترقت القوات المنظمة صفوف عرابي المرهقة، وبانهيار الخطوط، انهارت الآمال ثم اعتقل عرابي لاحقًا ونفي إلى سيلان، ودخلت مصر مرحلة احتلال بريطاني امتدت عقودًا.
ومع ذلك ولدت هزيمة عرابي وموجة الاحتلال ردود فعل قومية متلاحقة شكلت بذور الحركات الوطنية المصرية في القرن العشرين، ورافقت الذاكرة الوطنية كحدث مؤلم ومفصلي أخرج قضايا الاستقلال الوطنية إلى الواجهة، مما يعني أن التل الكبير لم يكن مجرد معركة تكتيكية بل نقطة تحوّل سياسية واقتصادية امتدت آثارها لعقود بعد أن تعلمت مصر من عام 1882 أن بناء دولة قادرة على حماية قرارها يتطلب جيش ومؤسسات قوية واقتصادًا مستقلًا وقرارات سياسية متماسكة.