بيتهوفن الشرق.. بليغ حمدي غيَّر وجه الموسيقى العربية.. ألحانه سبقت عصره.. جدد أم كلثوم وأعاد تشكيل عبد الحليم.. وأعاد للأغنية الشعبية احترامها
بليغ حمدى ، لا ينكر أحد أن أصحاب الريادة فى الموسيقى العربية هم: سيد درويش، القصبجى، زكريا أحمد، عبد الوهاب، السنباطى، وهم من أرسوا جذور وأساس الموسيقى العربية لقرن كامل مضى وقرون متتالية ومتوالية، فهم من علموا أو من تعلم منهم بليغ حمدى الذى وصفه النقاد بـ بيتهوفن الشرق، وبلبل الألحان وملك الموسيقى، هو عاشق النغم، ملحن متميز وحالة فريدة فى الموسيقى، قام بتأليف بعض الأغاني باسم مستعار "ابن النيل" ووضع ما يقرب من 250 لحنًا خلال مشواره لأغلب نجوم الغناء، ورحل فى مثل هذا اليوم عام 1993.
درس الحقوق بناء على رغبة والده
التحق بكلية الحقوق بناء على رغبة والده، وفى نفس الوقت درس بمعهد فؤاد الأول للموسيقى ثم تركه ليلتحق بالإذاعة مطربًا في برنامج ساعة لقلبك يقدم أغنيات خفيفة فى الفواصل بين البرامج، وبنصيحة من محمد حسن الشجاعي رئيس لجنة الاستماع بالإذاعة، وقتئذ ترك الغناء واتجه إلى التلحين، وكانت البداية مع فايدة كامل في لحن دينى تبعه أغنيتين لها، حيث كانت زميلته بالكلية وأغنية "ما تحبنيش بالشكل ده" لفايزة أحمد.
حكم علينا الهوى آخر أغانيه مع أم كلثوم
بدأ بليغ حمدي مشوار التلحين مع أغلب نجوم الطرب والغناء على رأسهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي وصفته بالمجنون العبقرى، اكتشفت موهبة بليغ حمدى حين أدركت أنها لا بد لها أن تجدد من نفسها فوافقت على إدخال آلة الجيتار فى فرقتها الموسيقية، ورحبت أيضا بالخروج من قالب السنباطى والتجديد بفكر الشباب عندما تعاونت مع بليغ حمدى، وقدمت من أروع أغنياتها ويكفى أنه كسر الاحتكار فى التلحين لأم كلثوم الذى كان قاصرا على الثلاثى السنباطى والقصبجى وزكريا أحمد، لحن لها 11 من أجمل أغانيها منها: حب إيه، حكم علينا الهوى، ألف ليلة وليلة، الحب كله، إنا فدائيون، فات الميعاد، بعيد عنك حياتى عذاب، ظلمنا الحب، كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب التى أدخل فيها عزف الأكورديون لأول مرة، أنساك يا سلام، وكان آخر أغانيها “حكم علينا الهوى”، ليفتح لها الباب فى الغناء من ألحان عبد الوهاب والموجى والطويل.

كما قدم بليغ حمدى لعبد الحليم حافظ أول ألحانه “تخونوه” ثم أغنية “خايف مرة أحب”، وتوطدت العلاقة بين بليغ وحليم إلى حد الصداقة، وكونا ثنائيا فنيا استمتع الجمهور بأغانيهما التي وصلت إلى ثلاثين أغنية ما زالت تصدح حتى الآن، كان آخرها “حاول تفتكرنى” والتي أعادت تشكيل عبد الحليم.
أحد رواد الجيل الثالث
وقال الدكتور أشرف عبد الرحمن أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، إن بليغ حمدي ينتمي لموسيقى الجيل الثالث الذي ظهر في القرن العشرين، موضحا أن هناك 3 أجيال ساهموا في تطوير وتغيير الموسيقى العربية، ومن بينهم بليغ، معلقا: الجيل الأول كان يضم سيد درويش وعبدالوهاب والسنباطي والشيخ زكريا أحمد والقصبجي، والجيل الثاني ظهر أواخر الثلاثينيات مثل محمد فوزي وعبدالعزيز محمود وفريد الأطرش، والثالث ظهر بعد ثورة 1952 ومنهم كمال الطويل والموجى وغيرهم.

اتفق بليغ حمدي مع سيد درويش فى تقديمه للمسرح الغنائي فقدم عدة مسرحيات غنائية وأوبريتات استعراضية أهمها: مهر العروسة، تمر حنة، ياسين ولدي، كما وضع الموسيقى التصويرية لكثير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية منها أفلام إحنا بتوع الأتوبيس، شيء من الخوف، أبناء الصمت، العمر لحظة، آه ياليل يا زمن، أضواء المدينة، ريا وسكينة، زقاق المدق، تمر حنه، وآخر ما لحن موسيقى مسلسل بوابة الحلواني..
ملحن وشاعر برأي النقاد
وقال عنه الناقد طارق الشناوى: بليغ حمدي فنان كان يمتلك صوتين.. الأول الملحن والثاني الشاعر.. والملحن أعلى وأقوى من الشاعر، وبليغ نقل حليم نقلة نوعية كبيرة جدًا كذلك جدد سن كوكب الشرق وجعلها بفضل ألحانه أصغر عمرا وفى شباب دائم لذلك هو قوس قزح الموسيقى المصرية المتجدد الذى لم يقف عند مرحلة أو نوع أو لون معين، وفنه هو جنونه وهذا جانبه الإيجابي الأبدي.

وصفه عبد الحليم حافظ بأمل مصر في الموسيقى، كما قال عنه محمد عبد الوهاب: “ربنا بيدى الواحد مننا نغمة جديدة بسيطة الناس تغنيها كل كام سنة، لكن بيديها لبليغ كل يوم”، وقال عنه النقاد أيضا: “بليغ هو بيتهوفن المصري” وذلك بعد عرض فيلم “شيء من الخوف” الذى عرض في ألمانيا وتصفيق الحضور لموسيقاه التصويرية التى وضعها بليغ حمدى للفيلم.
مهر العروسة أشهر أوبريتاته
لبليغ حمدى تجربة مع الأوبريت تماما كما فعل سيد درويش، لحن بليغ أوبريت مهر العروسة الذى عكس مدى اهتمامه بالفلكلور الذى يعتبره الطريق الصحيح للخروج بالأغنية المصرية والعربية من السكك والدروب التى وصلت اليها.
وأعاد بليغ حمدي للأغنية الشعبي احترامها فيقول: إن دراستى للتراث وللأسلوب الشعبى ليس معناها أننى أنقل ألحانا كانت موجودة كما هى، ولكنى أدرس واستلهم تركيبات لحنية وإيقاعية وأساليب أداء موجودة فى وجداننا، وأعتقد أن هذا الخط لم ينسه سيد درويش، وهو الطريق إلى إيجاد شخصية قومية فى الموسيقى وفى التلحين.

ولأن بليغ حمدى كان متجددا في كل شيء لا يكف عن الابتكار من لحن إلى لحن ومن جملة موسيقية إلى جملة موسيقية، ولأنه صانع نجومية الكثيرين فقد وضعه ذلك تحت الأضواء ووضع حياته العاطفية في الصدارة فظهرت الشائعات والحكايات التي تبحث عن المرأة في حياة العبقرى الفنان بليغ حمدى الذي ارتبط بحب المرأة حتى في اختيار أسماء مقطوعاته الموسيقية؛ فأطلق عليهن: هانم، أميرة، صابرين، فطومة، ليالي، زوبة، دندش، ووردة.
نهاية مأساوية انتهت بالمرض
بالرغم من ان تاريخ بليغ حمدي لم تشبه شائبة إلا أن مشوار بليغ حمدى انتهى بطريقة حزينة حين جاءت القشة التي قصمت ظهره عقب حادث مقتل المطربة المغربية سميرة مليان عام 1984 إثر سقوطها من شرفة شقته بالزمالك، وتم العثور على جثتها عارية، ولاحقته الاتهامات وقتها ليهرب إلى الحياة في لندن وباريس ما يزيد على 4 سنوات حتى حصل على البراءة من تلك القضية في 1989 لكنه أصيب بالمرض الذي أنهى حياته 1993.