فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

تجارة لا تعرف الخسارة!

الدنيا ثلاثة أيّام: أمسٌ طُوي ولن يعود، ويومٌ نحياه ولن يدوم، وغدٌ لا نعلم أين نكون. ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾. فمن يضمن أن يعيش إلى غد؟ ولماذا لا نستثمر حياتنا في تجارة رابحة مع الله، تجارةٍ لن تبور، نبتغي بها وجهه ورضوانه؟

صافح وسامح، ودَع الخلق للخالق، فما نحن إلا عابرو سبيل. واعلم أن رضا الوالدين ليس شعارًا نردّده، بل سرّ من أسرار البركة: بركة في العمر، وتوفيق في الطريق، وسكينة في القلب. ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

كم من إنسانٍ ظنّ أنّ النجاح بيده، فإذا به يتعثّر لأنه أغفل دعوة أمّ أو دعاء أب! وكم من شابٍّ فتحت له أبواب الرزق لأنّه قبّل يد أمّه صباحًا وأدخل البِشر على قلب أبيه مساءً!

رضا الوالدين جُنّة ووقاية من الابتلاءات، ومفتاح للأرزاق: إن رضيا رضي الله عنك، وإن غضبا انطفأت بركاتك ولو ملكت الدنيا.

فيا بُني، قف وقفة متأمّل واسأل نفسك: أروني ماذا صنعت الثروات لأهلها؟ هل اشترت لهم السعادة وراحة البال؟ أم كانت وبالًا على كثيرٍ ممّن لم يؤدّوا حق الله في أموالهم، وعاشوا لأهوائهم ونزواتهم؟
فلا تؤجّل برّهما إلى غد، فغدا قد لا يكون لهما وجود. 

اقترب اليوم، قُل كلمة طيّبة، امسح دمعة، ابتسم في وجهيهما، فكل لحظة معهما كنز لا يُعوّض. ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

الدنيا زائلة، والآخرة باقية، وأنّ رضا الوالدين هو زادك في الطريق، ونورك في الظلمات، ونجاتك يوم تُعرض الأعمال على الله.

فاللهم اجعلنا من البارّين بوالدينا في حياتهما وبعد وفاتهما، واغفر لهما كما ربّيانا صغارًا، وارضَ عنهما وارضِهما عنّا، ولا تحرمنا من برّهما ما حيينا.. اللهم اجعل رضاهما سببًا لرضاك، وبِرّهما طريقًا لجنّتك، وابتسامتهما بركةً في أعمارنا، ودموعهما غفرانًا لذنوبنا.

اللهم اجعلنا من الذين قلت فيهم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾، لنكون في صحبة والدينا في الفردوس الأعلى، برحمتك يا أرحم الراحمين.