الذهب في قمة تاريخية.. أسباب ارتفاع أسعار المعدن الأصفر بالأسواق.. كيف يؤثر قرار الفيدرالي على المؤشرات.. وهذه توقعات الفترة المقبلة
شهدت أسواق الذهب العالمية والمحلية في عام 2025 موجة ارتفاعات قياسية، فاقت كل التوقعات، حيث تجاوز سعر الأوقية عتبة 3500 دولار، ليصل إلى 3535 دولار اليوم الأربعاء، حيث لم يقتصر هذا الصعود الكبير، تأثيره على البورصات العالمية فحسب، بل انعكس بشكل مباشر على الأسواق المحلية، حيث سجل سعر جرام الذهب عيار 21 في مصر 4800 جنيه.
هذه الأرقام غير المسبوقة في أسعار الذهب تفرض نفسها على الساحة الاقتصادية، وتثير تساؤلات جوهرية حول العوامل التي دفعت بهذا المعدن النفيس إلى هذه المستويات، وكيف تتأثر الأسواق المحلية بهذه التحركات العالمية، وما هي التوقعات بشأن مسار الأسعار في الفترة القادمة.
أسباب ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق
هناك العديد من الأسباب التي ساعدت المعدن الأصفر على الارتفاع بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، حيث يعد الوضع الاقتصادي الكلي العالمي، وخاصة التضخم المستمر، أحد أبرز المحفزات التي دفعت أسعار الذهب إلى مستوياتها الحالية، وهذا لأنه لطالما كان الذهب ينظر إليه تاريخيا على أنه وسيلة فعالة للتحوط ضد التضخم، حيث يحافظ على القوة الشرائية للأموال في ظل تآكل قيمة العملات الورقية، فبينما تباطأت معدلات التضخم في عامي 2024 و2025، إلا أنها ظلت أعلى من المستويات المستهدفة، مما أثار حذر المستثمرين ودفعهم نحو الذهب كملاذ آمن للحفاظ على قيمة مدخراتهم.

يضاف إلى ذلك التغير في السياسات النقدية للبنوك المركزية، وخاصة فيما يتعلق بأسعار الفائدة، ويتميز الذهب بكونه أصلا لا يدر عائدا أو فوائد، مما يجعله أقل جاذبية في فترات ارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بأصول أخرى مثل السندات، ومع ذلك، شهد أواخر عام 2024 تحولا ملحوظا في التوقعات، حيث خفضت بنوك مركزية رئيسية مثل بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، كما أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى احتمالية تخفيضات وشيكة، مما يجعل هذا التوجه يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، ويجعله استثمارا أكثر جاذبية ويدعم ارتفاع أسعاره.
ولذلك فإن الفهم الأعمق للعلاقة بين الذهب وأسعار الفائدة يتطلب النظر إلى ما يعرف بأسعار الفائدة الحقيقية، وهي أسعار الفائدة الاسمية مطروحا منها معدل التضخم، وفي حين أن أسعار الفائدة الاسمية قد تنخفض، فإن استمرار مستويات التضخم المرتفعة يؤدي إلى أن تصبح أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة للغاية أو حتى سلبية، هذه البيئة الاقتصادية تدعم بشكل كبير أداء الذهب على المدى الطويل لأنه يمثل حماية للقوة الشرائية في ظل تآكل قيمة النقد والسندات، وهو ما يفسر جزءا كبيرا من صعوده التاريخي.
الذهب واستغلال حالات عدم اليقين
يستفيد الذهب بشكل كبير من حالة عدم اليقين في الأسواق، ففي أوقات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية، يتجه المستثمرون إلى الذهب باعتباره "ملاذا آمنا" لحماية ثرواتهم، وساهمت التوترات التجارية المستمرة بين القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى الصراعات الإقليمية والتقلبات في الأسواق المالية، في زيادة الطلب على الذهب كوسيلة للتحوط ضد المخاطر.

لم يقتصر الطلب على الذهب على المستثمرين الأفراد، بل شهد زيادة غير مسبوقة من قبل البنوك المركزية حول العالم، ففي سياق من عدم اليقين الجيوسياسي وإعادة تقييم مخاطر حيازة العملات الأجنبية، دأبت البنوك المركزية على تنويع احتياطياتها عبر تجميع الذهب بوتيرة قوية، هذا الطلب المؤسسي يمثل دعما هيكليا للأسعار، يقلل من تأثير التقلبات قصيرة المدى ويوفر أساسا متينا للارتفاع المستمر.
العلاقة المعقدة بين الذهب والدولار الأمريكي
توجد علاقة عكسية تقليدية بين أسعار الذهب وقيمة الدولار الأمريكي، فبما أن الذهب يتم تسعيره عالميا بالدولار، فإن انخفاض قيمة الدولار يجعله أرخص للمشترين من حاملي العملات الأخرى، مما يزيد من الطلب عليه ويدفع أسعاره للارتفاع، حيث أشارت التحليلات إلى أن ضعف الدولار في عام 2025 كان أحد العوامل التي ساهمت في ارتفاع أسعار الذهب العالمية، مدعوما بالتوقعات ببدء تخفيضات في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

انعكاس ارتفاع الذهب العالمي على السوق المصري
يختلف انعكاس العلاقة بين الذهب والدولار في السوق المصري عن المعتاد عالميا، حيث توجد علاقة طردية واضحة بين سعر الذهب وسعر الدولار محليا، ويعود السبب في ذلك إلى أن مصر تعتمد بشكل كبير على استيراد الذهب من الخارج، مما يجعل أي تغير في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري ينعكس مباشرة على تكلفة استيراد الذهب وسعره في السوق المحلي.
يمكن ملاحظة هذا الارتباط عبر مقارنة الأسعار العالمية والمحلية، على سبيل المثال، بسعر أوقية عالمي يبلغ 3535 دولار وسعر جرام عيار 21 محلي يبلغ 4800 جنيه، يمكن حساب سعر الصرف الضمني للدولار المستخدم في التسعير المحلي، والذي يختلف عن سعر الصرف الرسمي في البنوك، هذا الاختلاف يؤكد أن التسعير المحلي يتأثر بعوامل أخرى إلى جانب السعر العالمي وسعر الصرف الرسمي، مثل العرض والطلب المحلي ومخاطر السوق.

تأثير ارتفاع الذهب على حركة السوق
أثرت الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب بشكل مباشر على حركة السوق في مصر، حيث شهدت حالة من الهدوء النسبي في حركة البيع والشراء، ويرجع ذلك إلى عوامل موسمية مثل تخصيص السيولة للسلع الغذائية، أو ضعف القوة الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار، وفي المقابل أغرى الارتفاع الأخير بعض المستهلكين ببيع ما لديهم من ذهب لجني الأرباح، اعتقادا منهم أن السعر بلغ قمته، هذا السلوك أدى إلى زيادة في المعروض في السوق المحلي مقابل ضعف الطلب على الشراء.
ومع استمرار الارتفاعات، يرى الخبراء أن المستهلكين الذين أقدموا على البيع قد يشعرون الآن بالندم، هذا التحول في سلوك المستهلك يسلط الضوء على أن الذهب في مصر لم يعد مجرد حلي، بل أصبح ينظر إليه بشكل متزايد كأداة استثمارية رئيسية ووسيلة للتحوط من تآكل القوة الشرائية للعملة المحلية.
توقعات أسعار الذهب المستقبلية
تتفق معظم التوقعات الصادرة عن المؤسسات المالية الكبرى على استمرار النظرة الصعودية للذهب في الفترة المقبلة، فوفقًا لتحليل Trading Economics، يتوقع أن يتداول الذهب عند 3497.47 دولار للأوقية بنهاية الربع الحالي، وأن يصل إلى 3648.51 دولار خلال 12 شهرا، كما تتوقع LiteFinance أن ترتفع الأسعار إلى 3,634.00 دولارا أمريكيا بحلول نهاية عام 2025، مع تقديرات أكثر تفاؤلًا تصل إلى 3,653.60 دولار، وتشير بعض التوقعات إلى أن السعر قد يصل إلى 3950 دولارًا بحلول نهاية عام 2025 في حال استمرت التوترات الجيوسياسية.
أما على المدى الطويل، فتبقى التوقعات إيجابية للغاية، حيث تشير التوقعات إلى إمكانية وصول سعر الذهب إلى 4000 دولار بحلول منتصف عام 2026، و5000 دولار في عام 2027، بل وقد يصل إلى 5,809.21 دولارا بحلول عام 2030.