معيدون بـ «السُّخرة».. مرتبات محدودة ومعاملة غير لائقة.. وبعض أساتذة الجامعة يستبيحون جهودهم وأبحاثهم
الأزمات داخل أروقة الجامعات لا تنتهى من تلاعب بمستقبل شباب مصر، حيث بات الباحث والأكاديمى أشبه بـ”دمية” فى يد أساتذة الجامعات للحصول على رضاهم وتحقيق مطالبهم؛ لأن مخالفتهم تعنى البقاء فى مكانك دون تحرك وعدم الحصول على حقوقك، وفرصك الطبيعية، سواء فى الدراسة أو الحصول على الدرجات العلمية. فى الوقت الذى ينظر فيه البعض إلى “المعيد”، باعتباره صاحب مركز اجتماعى مرموق وذا مستقبل مضمون إلا أن الواقع يُكذب ذلك تماما.
فى هذا التقرير نعرض لأزمات المعيدين فى الجامعات، تلك الفئة التى تعانى من التعسف والظلم دون أن يسمع أحد صرخاتها المكتومة التى لو ظهرت لكان التدمير مصير مستقبله من قبل رئيس القسم أو المشرف، حيث تحول المعيدون على حد تعبير بعض أساتذة الجامعات إلى عبيد لرؤساء الأقسام.
وفى السطور التالية نسرد بعض النماذج الحقيقية للظلم الذى يتعرض له المعيدون بالجامعات، حيث تقول م.ع.، معيدة بإحدى كليات جامعات القاهرة الكبرى: إن ما وصفته بالاضطهاد بدأ معها منذ ٢٠١٧ حتى ٢٠٢٥، وتضمن مراحل وأطرافا كثيرة؛ الأمر الذى وصل فى نهاية الأمر إلى تدخل وزراء، مشيرة إلى أن كل جزء من الظلم الذى واجهته فى مسيرتها يعتبر قضية فساد مستقلة داخل الحرم الجامعي.
مؤامرة لعدم تمكينى من الحصول على الدكتوراه
جزء كبير من المشكلة بدأ لما حصلت على الدكتوراه، وكان أعضاء مجلس القسم قبلها اتفقوا مع مشرفى الداخلى بالمركز على عدم تقديم المساعدة نهائيا فى الرسالة، وألا يقوم بواجبه تجاهى نهائى كمشرف، بالإضافة إلى تعطيلى قدر المستطاع حتى تنتهى مدة الخمس سنوات المحددة للباحث المساعد من تاريخ ما استلم عمله كباحث مساعد أنه يُحضَّر فيها الدكتوراه ويناقشها، وإلا يتم استبعاده من الكادر ويتحول إلى كادر عام.
ولفتت إلى أنه فى حال حصول الباحث على رضا المشرف وتنفيذ طلباته يتم تشكيل لجنة والموافقة على المد للباحث، وفى حال عدم الوصول لرضا المشرف يتم التآمر عليه بشتى الطرق داخليا وخارجيا حتى مع الجامعة المسجل فيها حتى يتخطى مدة الخمس سنين ويتحول من كادر خاص لكادر عام.
وتابعت أعضاء مجلس القسم كانوا فى تواصل دائم مع المشرفين للتأكد من عدم تقديم المساعدة فى رسالتي، وبقاء الوضع كما هو دون تقدم، مشيرة إلى أنها تغافلت عن ذلك وبدأت فى تحضير الرسالة فى صمت، حتى أنجزت الجانب العملى منها، موضحة أن المشرف رفض المساعدة بحجة أنها ليست معيدة عنده فى الجامعة، بالإضافة إلى كونه رئيس جامعة فى ذلك الوقت، حيث رفض، على حد قولها، تحديد موعد لمناقشة الرسالة على الرغم من الانتهاء منها منذ سنة كاملة، مؤكدة أنها أخبرته أنه فى حال التأخير أكثر من ذلك فمستقبلها معرض للخطر، ما اضطرها للضغط عليه من جانب بعض كبار المسئولين، ومن خلال الإعلام.
حروب ما بعد الدكتوراه
وأكملت: فى النهاية ناقشت الرسالة، وحصلتُ عليها بدرجة “امتياز”، وكانت بداية لدخول سلسلة حروب، استهدفت منعى من دخول مجلس الإدارة من أجل الحصول على الدرجة الجديدة “باحث”، وذقت الأمرين، من تعطيل ومماطلة ومذكرات ونيابات، ووزراء تدخلوا حتى تمكنت من دخول مجلس الإدارة.
وأشارت: وصل الأمر إلى حد تدخل رئيس الشعبة التي أعمل بها لأخذ توصية برفض حصولى على الدرجة طوال ثلاث سنوات منذ ٢٠١٩ حتى ٢٠٢٢، لحد ما الفتوى والتشريع التابعة لوزارة العدل، أقرت بأحقيتى فى نيل الدرجة.
وأضافت أنهم حاولوا إقناع الوزير، بعدم الأخذ بالفتوى، وفى نهاية الأمر اتضح أن رئيس المركز اتفق مع قيادات فى الوزارة على عدم ترقيتى لإرضاء الشعبة ورئيسها، وتم حل الموضوع فى نهاية الأمر بالوصول لأعلى سلطة فى الدولة، مختتمة: «بعد كل ده أشعر أننى ما زلت منبوذة لديهم».
تعنت وإذلال
وفى إقليم الصعيد، قالت معيدة بإحدى الجامعات الأهلية: «بالنسبة لنا، احنا أوقات كتير بنشيل شغل المدرسين، وبنتأخر فى التحضير مقارنة بالمعيدين فى أقسام أخرى»، لافتة إلى أن التأخير ليس له مبرر إلا أنه تعنتٌ من رئيس القسم تجاه المعيد، مضيفة: نحن لا حول لنا ولا قوة، والحديث قد يسبب لنا العديد من المشاكل.
التعيين فى الجامعة.. ليس نعمة
وأضاف معيد بإحدى جامعات الصعيد: لما تخلص كلية وتطلع الأول أو من الأوائل، الكل بيبص لك بنظرة إعجاب: “ده هيبقى معيد!”.. الناس فاكرة إنك دخلت جنة، مرتب كبير، مكانة اجتماعية، مستقبل مضمون.. لكن الحقيقة اللى محدش بيشوفها إنك دخلت طريق كله مطبات، وأحيانًا بيكون حلمك العلمى بيتسرق منك وإنت واقف مش قادر تقول حاجة.
بداية الحكاية من القمة للقاع، المعيد هو اللى بيختاروه من أوائل الدفعة علشان يدرّس للطلبة اللى كانوا زملاءه لسة من كام شهر، بيبدأ الطريق وكله حماس: “هاحضَّر ماجستير، هكمل دكتوراه، هسافر مؤتمرات، هبقى أستاذ كبير”، لكن من أول مرتب فى أول شهر الصدمة بتيجي، مرتب لا يكفى حتى مواصلات أسبوع من بلدك للجامعة، تخيّل معيد من الصعيد أو من محافظة بعيدة، لازم يسافر 4 أو 5 ساعات حتى يوصل الكلية، يركب مواصلتين أو تلاتة، يدفع تذاكر قطار أو أوتوبيس، ويرجع بالليل مهدود.. وفى الآخر، نص المرتب رايح فى المواصلات، والباقى يجيب أكل أو إيجار شقة صغيرة.
الأستاذ والمعيد.. علاقة مش دايمًا عادلة
وأضاف: المفروض الأستاذ يبقى قدوة، يعلّم المعيد إزاى يبحث، إزاى يدرّس، يوجّهه.. لكن الواقع ساعات بيكون مختلف تمامًا.. كتير من المعيدين بيقولوا إنهم بيتحوّلوا لخدام للأساتذة: “حضّر لى المحاضرة دي”، “اكتب لى البحث ده باسمي”، “اطبع الورق ووزّعه”، “اجمع فلوس الكتاب من الطلبة”، يعنى بدل ما المعيد يتعلّم، بيتحوّل لسكرتير أو موظف إداري.. الأسوأ إن فيه أساتذة بياخدوا شغل المعيد ويحطوا اسمهم عليه، وفى الآخر لما ييجى وقت الترقية أو السفر، المعيد يبقى واقف فى آخر الصف.
وجع الكتب والفلوس
وتابع: من أكتر الحاجات التى تعذّب المعيدين الكتب الجامعية.. فى جامعات كتير، المعيد هو اللى بيشيل على كتفه توزيع الكتب وجمع الفلوس، تلاقيه واقف فى طرقة القسم، والطلبة واقفين طابور عشان يدفعوا، والمعيد فى النص، طيب لو فيه مشكلة فى الحسابات؟ أو نقص فلوس؟ كله بيتحط على دماغه، المعيد مش تاجر كتب، ولا محاسب، بس بيلاقوا نفسهم فى الموقف ده غصب عنهم، ولو رفضوا، ممكن يسمع كلمة تقفل مستقبله: “إنت مش متعاون”.
اللى عايز يتعلم لازم يدفع من جيبه
وأكد: أى معيد علشان يعمل رسالة ماجستير أو دكتوراه محتاج كتب ومراجع واشتراكات فى مجلات علمية، ومعامل وتجارب.. الدولة نادرًا جدًا ما بتوفر ده.. واللى عايز يعمل شغل محترم، يجد نفسه مضطرا للدفع من جيبه، كتاب أجنبى ممكن يوصل 2000 جنيه أو أكتر، جهاز تحليل أو تجربة فى معمل خاص بمبلغ خرافي، مؤتمر علمى برّة مصر علشان البحث يتقبل، محتاج آلاف الدولارات، طيب المرتب فين من ده؟! المعيد غالبًا بيستلف من أهله، أو يشتغل شغلانات جانبية.. فيه معيدين بيدرّسوا فى سناتر ودروس خصوصية، وفيه اللى بيشتغل ترجمات أونلاين، وفيه اللى بيستسلم ومش بيكمل.
تعب المعيد على اسم غيره
واستطرد: من أكتر القصص اللى تتكرر، معيد يشتغل شهور أو سنين على بحث، يجمع بيانات، يحلل، يكتب، وفى الآخر المشرف يقع اسمه الأول، أو يحط اسم زميل تانى عنده واسطة.. والمعيد ياخد بالكاد ذكر صغير فى آخر الورقة، فيه كمان اللى بيطلب من المعيد يكتب بحث كامل وينشره، ويضع اسمه من غير ما المعيد يتسجّل. تخيّل إحباطك لما مجهودك يضيع كدة، وأنت ساكت لأنك عارف إن اعتراضك ممكن يوقف ترقيتك أو يعطلك فى الماجستير.
كلمة أخيرة، المعيد فى مصر ليس مجرد موظف صغير.. فهو العمود الذى يحمل الجامعة ويتعامل مع الطلبة يوميًا، واللى يتعب فى المعامل والقاعات والكنترول.
فهل يتدخل وزير التعليم العالى والبحث العلمي لمواجهة هذه الأوضاع التى لا تستقيم وتصحيح المسار؟