29 عامًا على رحيل "الكاتب الضمير" أحمد بهاء الدين.. أول رئيس تحرير لـ"صباح الخير".. عبد الناصر رفض اعتقاله.. والسادات عينه رئيسًا لتحرير "الأهرام"، فوصف عهده بـ"عصر السداح مداح"
أحمد بهاء الدين، كاتب صحفى من الزمن الجميل، أجمع زملاؤه من جميع الاتجاهات على وصفه بالكاتب المحترم الشجاع.
كما عرف بالكاتب الضمير، صاحب مدرسة صحفية متميزة تبتعد عن الإثارة، كتاباته في الصميم، نموذج للفكر والكتابة المتزنة، تعرض للفصل والنقل بين المؤسسات عدة مرات لكنه لم يدخل السجن مثل زملائه بالرغم من آرائه المعارضة، هو من وصف عهد السادات بـ"عصر السداح مداح"، ورحل فى مثل هذا اليوم عام 1996، أي منذ 29 عاما.
يقول أحمد بهاء الدين عن نفسه: دخلت الصحافة من باب الجلوس إلى مكتب وكتابة مقالات الرأي.. كان هذا نشاطي واهتمامي، أما فكرة الحصول على الخبر فكان يأتي في المرتبة الثانية، وأحيانا يفوتنى، لم أتقن أبدا فن طرح الأسئلة الإخبارية على المسؤولين أو اللجوء إلى الحيل المعروفة لاستدراج مسؤول إلى حيث ألتقط منه خبرا أو قصة.

ولد الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين عام 1927، لأسرة أقامت في محافظة الإسكندرية بحكم عمل الأب، لكن جذوره جاءت من أسيوط.
وبدأ مشواره الصحفى وهو طالب بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول ـ القاهرة حاليا ـ بمقال نشره بمجلة "الفصول" التي أصدرها ورأس تحريرها محمد زكى عبد القادر عام 1944، وبدأ الكتابة حين ذهب وهو شاب في العشرين من عمره قصيرا ونحيلا إلى مقر الفصول بشارع شريف، وترك مقالا عن جمال الدين الأفغاني في الذكرى الخمسين لوفاته باسم مستعار.
زمالة فتحى غانم فى وزارة المعارف
بعد تخرجه عمل أحمد بهاء الدين بالشئون القانونية بوزارة المعارف، وتعرف من خلال عمله على عبد الرحمن الشرقاوى وفتحى غانم كزملاء في العمل، وفى عام 1956 التحق بمجلة روز اليوسف محررا، ثم رشحه الأديب إحسان عبد القدوس لتولى مجلة “صباح الخير” كأول رئيس تحرير لها وأصغر رئيس تحرير، وكان عمره 29 عاما، ثم انتقل بعد ذلك إلى جريدة الشعب، ومنها رئيسا لتحرير جريدة الأخبار، وفى عام 1962 عمل رئيسا لتحرير مجلة “آخر ساعة”، وانتخب نقيبًا للصحفيين عام 1967 بالتزكية، ورأس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال.

أعجب به الرئيس عبد الناصر، وظل أحمد بهاء الدين على حوار مستمر معه، رغم أنه لم يلتقِ بعبد الناصر يوما، ولا اتصل به بعلاقة ما، سوى مرة واحدة فى أحد اللقاءات العامة.
وقد رفض عبد الناصر فكرة اعتقال بهاء، نتيجة وشاية حقيرة، وقال لمن عرض عليه الفكرة: “سيبوه… هو دماغه كده”، يقول بهاء: لم أقابله قط، ولم أعرفه شخصيا وأذكر أنه حين رفع عبد الناصر شعار قوى الشعب العاملة، واتخذ الاشتراكية منهاجًا للحكم، دعا بهاء إلى تسمية الاتحاد الاشتراكي، بدلًا من الاتحاد القومي.. ووافق عبد الناصر على اقتراح بهاء، واستبدل التسمية فعلا.
صداقة طويلة مع السادات
اقترب أحمد بهاء الدين من السادات كثيرا حتى أنه كان يقوم بكتابة بعض الخطابات للسادات، ويقول: ليس سرا أننى كتبت للرئيس السادات بعض الوثائق المهمة، مثل "ورقة أكتوبر"، والمذكرة المشهورة التى أرسلها إلى معمر القذافى، بعد أن طلب من ممدوح سالم ــ رئيس الوزراء ــ أن يرسل لى كل أوراق الدولة السرية والمراسلات الخاصة بعلاقات ليبيا فى تلك الفترة، مما يؤكد أنه قدم نموذجا فريدا لعلاقة المثقف بالسلطة بعد ثورة يوليو.

وقد حدث بعد أن تخلص السادات من خصومه وانفرد بالسلطة أنه أصدر قرارا بنقل أحمد بهاء الدين من منصبه كرئيس لمجلس إدارة دار الهلال إلى المنصب نفسه بروز اليوسف، مما اعتبره بهاء عقابا له لرفضه الهجوم على منافسى السادات في مجلات دار الهلال.
اعتراض على قرار السادات
رفض أحمد بهاء الدين المنصب الجديد، وكتب، يرد على السادات، خطاب احتجاج على نقله دون علمه، قال فيه: لقد اخترعت الثورة صحفيين وكتابا ودكاترة في كل مجال، ولكننى لست أحد اختراعات الثورة، ومن حقى أن يؤخذ رأيى في أمر يتصل بى شخصيا، فلا أقرأه في الصحف دون سابق علم ولا أتحرك كقطعة شطرنج من مكان إلى مكان وبلا رغبة.
رئاسة تحرير مجلة العربى
وفى عام 1971 أصدر الرئيس السادات قرارا بنقل الكاتب أحمد بهاء الدين إلى هيئة الاستعلامات، فهاجر إلى الكويت ليرأس تحرير مجلة "العربى الكويتية" وبعدها مجلة "شموع"، وفى عام 74 عين رئيسا لتحرير الأهرام، فكان أول من هاجم عشوائية سياسة الانفتاح الاقتصادي، وذلك بمقاله الشهير سياسة السداح مداح، لكنه ظل يكتب عموده "يوميات" حتى عام 1990.
أصدر أحمد بهاء الدين عدة مؤلفات منها: كتاب "أيام لها تاريخ"، “فاروق ملكا”، “شرعية السلطة في العالم العربي”، “محاوراتي مع السادات”، “يوميات هذا الزمان” تقديم الأستاذ محمد حسنين هيكل، “المثقفون والسلطة في عالمنا العربي”، تقديم محمد حسنين هيكل، و"إسرائيليات"، "إسرائيليات وما بعد العدوان"، “أبعاد في المواجهة العربية”.
كما ألف كتاب “أفكار معاصرة”، "اقتراح دولة فلسطين"، “الاستعمار الأمريكي”، “الثورة الاشتراكية”، الوحدة الثلاثية، اهتمامات عربية، ثلاث سنوات، شهر في روسيا، الثورات الكبرى، قوميتنا، مؤامرة في أفريقيا، مبادئ وأشخاص، هذه الدنيا، الوحدة العربية، وتحطمت الأسطورة عند الظهر.
غياب عن الوعى 6 سنوات
أصيب أحمد بهاء الدين بمرض السكر بعد النكسة، ثم بجلطة عام 1975، أدت إلى انفصال شبكى ثم نزيف فى المخ أفقده الوعي والحركة ست سنوات، حتى رحل في مثل هذا اليوم 24 أغسطس عام 1996.