نهاية زمن الأحزاب القديمة.. الوفد يغرق في مشاكله والتجمع يكتفي بدور المتفرج.. وصعود نجم الأحزاب "سابقة التجهيز"
انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة كانت محطة فارقة في تاريخ الحياة السياسية المصرية، لم تكن مجرد استحقاق دستوري لإعادة إحياء الغرفة التشريعية الثانية، بل كانت بمثابة إعلان رسمي عن بداية حقبة جديدة ونهاية حقبة الأحزاب القديمة التي سيطرت على المشهد السياسي لعقود طويلة.
نتائج هذه الانتخابات كشفت بوضوح عن تحولات عميقة، أبرزها تراجع الأحزاب التاريخية وظهور قوى سياسية جديدة فرضت نفسها بقوة على الساحة.
أثبتت صناديق الاقتراع أن الأحزاب ذات التاريخ العريق مثل الوفد والتجمع لم تعد قادرة على المنافسة بنفس القوة التي كانت عليها في الماضي، هذه الأحزاب التي حملت لواء المعارضة والعمل الوطني لسنوات طويلة، اكتفت بحصد أعداد محدودة من المقاعد، ما يعكس ابتعاد الشارع المصري عن خطابها التقليدي وعدم قدرتها على التكيف مع متطلبات المرحلة الراهنة
حزب الوفد مثلا لم يتمكن من تحقيق النتائج المرجوة، وحصل على عدد قليل من المقاعد مقارنة بتاريخه وحجمه، ما يشير إلى ضرورة إعادة هيكلة الحزب وتحديث آليات عمله للتفاعل مع جيل الشباب، يكفي أنه حصل فقط على مقعدين من مقاعد الشيوخ والمقعدين كانا ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر.
الغريب أن حزب الباشوات الذي ظل لسنوات رقما صعبا في المعادلة السياسية تفرغ قياداته للمعارك الشخصية وتبادل الاتهامات وتركوا الساحة فارغة وكان العقاب أداء مخزيا ترجم إلى مقعدين فقط فى انتخابات الشيوخ.
ولم يختلف مصير حزب التجمع كثيرًا عن الوفد، فبقدرته على حصد مقعدين على هو الآخر، بدا واضحًا أن قاعدته الجماهيرية لم تعد كما كانت، وأن خطابه الاشتراكي لم يعد يجد الصدى الكافي في ظل التوجهات الاقتصادية الحالية
ورغم أن التجمع كان صوتا قويا للمعارضة تحت القبة لسنوات طويلة إلا أن الحزب يكتفي السنوات الأخيرة بدور المتفرج، ولم يعد معبرا عن طموحات وأحلام الملايين من المصريين، وحتى دور المعارضة الذي كان يمارسه تراجع بقوة، وصار الحزب تابعا يتم ترضيته بمقعد هنا ومنصب هناك.
ما حدث مع الوفد حدث مع أحزاب قديمة أخرى واجهت المصير نفسه، ولم تتمكن من تحقيق أي نجاح يُذكر، ما يؤكد أن التغير لم يكن استثناءً ولكنه قاعدة عامة في هذه الانتخابات.
على الجانب الآخر، شهدت الانتخابات صعودًا لافتًا لأحزاب شابة وفاعلة كان أبرزها حزب مستقبل وطن الذي انفرد بالصدارة محققًا أغلبية ساحقة من المقاعد، ما يؤكد هيمنته الكاملة على الساحة السياسية وتفرده.
وحصد مستقبل وطن العدد الأكبر من المقاعد، سواءً عبر القوائم أو المقاعد الفردية، ما يجعله القوة السياسية الأولى في مصر حاليًا بلا منازع، وأيضا تمكن حزب الشعب الجمهوري من إثبات وجوده والحصول على عدد من المقاعد، ما يؤكد قدرته على المنافسة وتوسيع قاعدته.
ومع مستقبل وطن والحزب الجمهوري برزت أسماء أحزاب أخرى مثل حزب حماة الوطن والجبهة الوطنية كقوة صاعدة وحصدا عددًا كبيرا من المقاعد، ما يُضاف إلى قائمة الأحزاب الجديدة التي تستعد لملء الفراغ الذي تركته الأحزاب التقليدية.
يمكن اعتبار نتائج انتخابات مجلس الشيوخ بمثابة إعلان رسمي عن نهاية حقبة الأحزاب القديمة التي تعيش على أمجاد الماضي، وبداية حقبة جديدة تهيمن عليها الأحزاب الشابة والفعالة التي لديها القدرة على التجديد والتواصل مع الجماهير.
هذه النتائج تضع الأحزاب القديمة أمام تحدٍ كبير، إما أن تقوم بإعادة هيكلة شاملة وتجديد خطابها وآلياتها، أو أن تظل في حالة تراجع مستمرة قد تؤدي إلى تهميشها الكامل.
وفي المقابل تضع هذه النتائج الأحزاب الجديدة أمام مسؤولية أكبر إثبات أن نجاحها ليس مجرد صدفة وأنها قادرة على تمثيل المواطنين بشكل حقيقي وفعال في الغرفة التشريعية.
وفي الغالب ستلقي انتخابات مجلس النواب القادم بكلمة النهاية فى تواجد الأحزاب القديمة التي لن تجد لنفسها موطئ قدم فى الحياة السياسية ما لم تتخلص من مشاكلها الداخلية، وتقدم نفسها من جديد للناس في الشارع بلغة وأفكار تناسب العصر وتتخلص من إرث عفا عليه الزمن.