أموت شهيدًا سامحوني إن قصرت، أنس الشريف حكاية بطل على خط النار، رسالة مؤثرة بوصيته أبكت العالم، وآخر كلماته: "غزة تنزف.. لا تنسوها"
استشهاد أنس الشريف، "إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي"، رسالة مؤثرة ومبكية ظهرت بعد الإعلان عن استشهاد الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، الذي آثر الجهاد بالكلمة والصورة ليفضح جرائم الاحتلال، ويكشف الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني في غزة.
وصية أنس الشريف الصحفى على خط النار
عرف العالم بقوة أنس الشريف منذ نحو عامين، وتحديدًا مع بداية الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، كان أنس الشريف يحمل ميكروفونه الصغير ويتجول بين الشوارع والأزقة التي احتفت ملامحها بعد القصف الذي يوجهه الاحتلال بدقة كبيرة على تجمعات المدنيين وعلى منازلهم، فها هو يذهب حيث تجمعات إبادة الفلسطينين في حي الهوى ومخيم جباليا وخان يونس وفي رفح، ينقل الحقيقة للعالم، أطفال محبوسين بين الركام، وسيدة شهيدة ذهب لتجلب لأطفاله الطعام فوجدها الاحتلال فريسة سائغة فقتلها أمام أطفالها.

بعد عامين من الإرهاب والألم والجوع، ظهرت وصيه الصحفي على خط النار أنس الشريف، استشهد الشريف اسمًا وفعلًا بقصف الاحتلال الغادر على مخيم الصحفيين في جباليا، قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة، ليسكت الاحتلال أحد الناقلين للحقيقة لجرائم الاحتلال في القطاع.

جاءت وصية أنس الشريف مؤثرة وأبكت كل متابعيه، كان مطلعها مزلزلا: "إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي.. يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة "المجدل" لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ".
أنس الشريف يوصي على فلسطين وأولاده وزوجته ووالدته
وكشف عن الألم الذي تحمله طوال الحرب على غزة فقال: "عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف".

وكانت وصية أنس الشريف المؤثرة: "أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين... وأوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار... فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.. أوصيكم ألا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود... حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة".
وأوصى أنس الشريف على أهله بكلمات مبكية فقال: "أُوصيكم بأهلي خيرًا، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم.. وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة، أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه... أدعو الله أن يربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء".

وأكمل أنس الشريف وصيته المؤثرة فقال: "أوصيكم برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.. أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل".
أخر كلمات أنس الشريف.. سامحوني إن قصّرت
واختتم أنس الشريف وصيته فقال: "إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.. اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.. سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.. لا تنسوا غزة…".

نزلت كلمات ووصية أنس الشريف كالصاعقة على متابعيه في كل العالم، فقد اعتادوا رؤية أنس الشريف وهو ينقل لهم الحقيقة، لكن ظهور وصيته كانت النهاية لإسكات صوت الحقيقة التي تأبى إسرائيل أن تنقله للعالم، وتكشف حقيقة جرائمها.
أما أنس جمال محمود الشريف، الصحفي الشاب 29 عامًا، والذي ولد في ديسمبر 1996، لم يمهله القدر ليعود إلى مدينة عسقلان، التي ولد فيها، وعاش مخيم جباليا بقطاع غزة، وآثر أن يكون عين العين التي تنقل الحقيقة، فمند أن كان صغيرًا أبهره العمل الصحفي، فدرس تخصص الإذاعة والتلفزيون في جامعة الأقصى، وعمل مراسلًا لقناة الجزيرة، نال شهرة بصفحته الميدانية في تغطية الحرب على غزة رغم المخاطر العالية.

بدأ أنس الشريف مسيرته الإعلامية كمتطوع في شبكة "الشمال الإعلامية"، ثم انتقل للعمل مع قناة الجزيرة، وتعرض للتهديد بسبب تغطيته للأحداث، حتى أصيب عام 2018 بشظية أثناء تغطيته لمسيرة قرب جباليا.
الاحتلال يستهدف قصف منزل عائلته ووفاة والده
في ديسمبر 2023، استهدف الاحتلال منزل والده بالقصف، ما أدى إلى استشهاد والده، لكن أنس لم يتوقف عن كشف الحقيقة للعالم، ونعى أنس الشريف والده قائلًا: "استشهاد والدي الحبيب الحاج جمال الشريف "أبو شادي" في قصف وتدمير منزلنا. اليوم في مخيم جباليا وهو يؤدي صلاة العصر.. التغطية مستمرة".

خلال الإعلان عن وقف إطلاق النار في يناير 2025، كانت سعادة أنس الشريف كبيرة، فخلع خوذته على الهواء قائلًا: إنها أثقلت كاهله بعد شهور طويلة من التغطية"، لكن ما لبث أن عاد أنس إلى خوذته مرة أخرى، مع تجدد الحرب الإسرائيلية الغاشمة على القطاع، ليعود أنس لنقل الحقيقة، وكشف فضائح الاحتلال الذي خلف آلاف الشهداء من المدنيين الفلسطينين أطفال ونساء ورجال، وكبار السن، فإسرائيل لم تتوقف أبدًا عن القتل.
تعرض أنس الشريف لتهديدات بالقتل من قبل جيش الاحتلال، حتى لا ينقل الحقيقة، ويفضح جرائم الإبادة التي تنفذها إسرائيل على الأبرياء بقطاع غزة، لكن أنس لم يأبه بتهديدات العدوا، وفض الاستشهاد على الرضوخ لمطالب الاحتلال.
وخلال عملية التجويع التي يمارسها الاحتلال على أهل غزة، شارك أنس الشريف في نقل معاناة الشعب الفلسطيني، وبالفعل حملته أتت بنتائج قوية، وبدأ يظهر الدعم الكبير من دول العالم لأهل غزة، وكانت هناك تظاهرات قوية في العالم ضد ممارسات الاحتلال في غزة.
الاحتلال يحاول غسل يده من جريمة اغتيال أنس الشريف
قبل استشهاده بنحو ساعتين، كتب أنس الشريف تغريدة عبر منصة "أكس"، قال فيها: " قصف لا يتوقف… منذ ساعتين والعدوان الإسرائيلي يشتد على مدينة غزة.. اللهم سلِّم، سلِّم. قصف إسرائيلي عنيف ومركز بأحزمة نارية يستهدف المناطق الشرقية والجنوبية من مدينة غزة".
حاول الاحتلال تبرير جريمة اغتيال أنس الشريف، فوصفوه، كاذبين، بأنه "إرهابي متنكر بزي صحفي"، لكن العالم وصف أنس الشريف بـ"الشريف المناضل الذي قدم روحه فداءً لتظهر حقيقة الاحتلال البغيض واضحة أمام العالم".
وسكت صوت الحقيقة، الذي لم يفتر منذ 7 أكتوبر 2023، مع بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة من قبل جيش الاحتلال، لكن حلقات إظهار الحقيقة مستمرة ولن تتوقف.